وحسب التقرير السنوي لمرصد عدم المساواة، فإنه يوجد في فرنسا أكثر من 4.8 مليون فقير، يكسبون أقل من 940 يورو شهريًا، وبالتالي، فإن ما يقرب من 8% من السكان الفرنسيين يعيشون تحت عتبة الفقر ، وفقًا لبيانات عام 2020، أي قبل الأزمة الصحية وأزمة التضخم التي ضربت بشدة الأسر الأقل ثراءً.
وتبدو هذه الملاحظة أكثر إثارة للقلق إذا علمنا أن 1% من الأشخاص الأكثر ثراء أي حوالي 600 ألف شخص، يكسبون ما يقرب من 7200 يورو شهريا بعد خصم الضرائب، مما يعني وجود فجوة هائلة، حيث أن 1% يكسبون في فرنسا ما يقرب من 8 أضعاف ما يكسبه ما يقرب من 5 ملايين فقير.
ويمكن رؤية هذه الفجوات في الدخل على جميع المستويات: 0.1% الأكثر ثراء، أو 63 ألف شخص، يكسبون ما يقرب من 17500 يورو صافي كل شهر، أو ما يقرب من 10 أضعاف ما يكسبه نصف الفرنسيين.
وفيما يتعلق بالفئة الاجتماعية، يسجل التقرير أن المديرون التنفيذيون يكسبون ما يقرب من 2500 يورو شهريًا أكثر من الموظفين في المتوسط. وهذا عمليًا يعني وجود فجوة في الحد الأدنى للأجور.
وحسب التقرير فإن هذه التفاوتات لا تتناقص: فمستوى معيشة أغنى 10% من السكان أصبح اليوم أعلى بنحو 3.3 مرات من مستوى معيشة أفقر 10%، وهو نفس المستوى الذي كان عليه في عام 2005.
ويسجل التقرير وجود فجوة كبيرة آخذة في الاتساع ثروات الأغنياء وثروات الفقراء، حيث يمتلك الأغنياء ثروة تزيد 175 مرة عن ثروة الفقراء.
وغالبًا ما يمتلك الأثرياء أصولًا متنوعة، تتكون من الأوراق المالية والمركبات، ولكن أيضًا وقبل كل شيء، العقارات، وبالتالي فهي تساهم في ارتفاع أسعار العقارات، وفي أزمة الإسكان. إنهم يحتكرون الموارد والثروات التي تم إنشاؤها بطريقة غير متناسبة: في المجموع، يمتلك أغنى 10% في فرنسا 47% من إجمالي الثروة، علما أن هذه الحصة كانت 41% فقط في عام 2010.
وتظهر هذه الأرقام بوضوح أن عدم المساواة في فرنسا لا يتعلق فقط بالدخل، بل بالوضع الاجتماعي. إنه الوضع الاجتماعي الذي يسمح (أو لا) بامتلاك الأصول المالية أو اقتراضها أو الحصول عليها، وبالتالي فإن الفجوات الهائلة تدعو إلى التشكيك في توزيع المواريث، وربما، كما اقترح مجلس التحليل الاقتصادي في عام 2021، إعادة التفكير في نظام الميراث الفرنسي وفرض المزيد من الضرائب على المواريث.
وتشكل هذه التفاوتات في الدخل والأصول سببا ونتيجة لانقسام اجتماعي عميق، وخاصة فيما يتعلق بالتوظيف والتعليم. على سبيل المثال، يشغل الأغنياء بأغلبية ساحقة مناصب إدارية أو ما يعادلها، في حين أن الفقراء هم في أغلب الأحيان عمال أو موظفون أو في وضع وظيفي غير مستقر. وتؤثر البطالة بشكل غير متناسب على الفئات الاجتماعية الأقل حظا والوظائف الأدنى أجرا: إذ يعاني 17% من العمال ذوي المهارات المتدنية من البطالة.
وبشكل عام، يبحث ما يقرب من واحد من كل أربعة عمال، وخاصة بين الفئات الأشد فقراً، عن عمل أو يعمل بعقود غير مستقرة. وهي عقوبة مزدوجة بالنسبة لأفقر السكان، الذين يعانون أيضًا في أغلب الأحيان من ظروف عمل سيئة في فرنسا: يتعرض العمال لحوادث عمل أكثر إعاقة بمقدار 7 مرات من المديرين، كما أن ضحايا التوقف عن العمل أكثر بثلاث إلى أربع مرات.
في فرنسا، يعمل أكثر من 15% من الموظفين في وظائف غير مستقرة في عام 2021، وهو ضعف المستوى الذي كان عليه في الثمانينيات..
إنه نفس النمط في عالم التعليم. السكان الفقراء هم في المتوسط أقل تأهيلاً من السكان الأثرياء، وعلى العكس من ذلك، فإن السكان الفقراء لديهم فرص محدودة للوصول إلى نظام التعليم. منذ سن مبكرة جدًا، يكون لدى الأطفال من الأسر الفقيرة فرصة أقل للوصول إلى مسارات تعليمية جيدة: وكما أشار ديوان المحاسبة منذ أكثر من 10 سنوات، فإن المناطق التعليمية التي تعاني من أكبر الصعوبات لديها موارد أقل من المناطق الأخرى، وهي أقل جودة.
في الواقع، تتراكم أوجه عدم المساواة: فالفقراء والشباب والسكان المحرومون يشكلون مجموعة غير متجانسة من الأفراد الذين لا يستفيدون من النظام الاقتصادي والاجتماعي، ويعانون من عدم المساواة في الدخل والتوظيف والفرص، ناهيك عن عدم المساواة على الصعيد الثقافي.
ويشكل هذا التقرير إشارة تحذير حقيقية للسلطات الفرنسية، كما يؤكد الحاجة الملحة إلى تنفيذ سياسات جذرية للحد من عدم المساواة وإجراء تحول هائل في النظام الاقتصادي الفرنسي .