قناة ألمانية: بعد رفض ضم الجزائر لبريكس.. مرارة في الداخل وانتكاسة لخطاب السلطة!

قناة ألمانية: بعد رفض ضم الجزائر لبريكس.. مرارة في الداخل وانتكاسة لخطاب السلطة! الرئيس عبد المجيد تبون
أثار عدم انضمام الجزائر لتكتل بريكس ردود فعل واسعة. ففيما انتقد البعض "الفشل وخيبة الأمل في إدارة الملف"، قلل آخرون من قيمة الانضمام للتكتل في الوقت الحالي. لكن هناك من قرأ رسائل خفية من حلفاء الجزائر التقليديين.
فيما يلي تقرير قناة
"دوتشيه فيليه" الألمانية: 


حدث ما كانت الجزائر تخشاه وتم استبعادها من الانضمام لمجموعة بريكس الاقتصادية على الرغم من الآمال العريضة التي بنتها على العضوية وما قد يترتب على ذلك من تحسين لوضعها الاقتصادي. 

وبحسب تقرير نشرته وكالة أنباء الأناضول، فإن هناك عدة مؤشرات كان من الممكن من خلالها توقع قرار عدم ضم الجزائر إلى المجموعة، فالرئيس عبد المجيد تبون ألمح في حوار مع "الجزيرة بودكاست" في أبريل 2023 أن بلاده "ستدخل قريباً كعضو ملاحظ، حتى تنتهي من إصلاحاتها الاقتصادية وتصبح عضواً كامل الحقوق والواجبات". 

أما المؤشر الثاني فكان عدم حضور تبون ولا رئيس وزرائه ولا وزير خارجيته إلى قمة جوهانسبرغ، وإيفاده وزير المالية لعزيز فايد. والمؤشر الثالث كان عدم مشاركة الجزائر في لقاء "أصدقاء بريكس" بمدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا في يونيو 2023، والذي شاركت فيه السعودية والإمارات، بينما شاركت مصر في اللقاء عن بُعد. 

غضب داخل الجزائر
وبقدر ما كانت الآمال كبيرة، كانت خيبة الأمل كذلك كبيرة خصوصاً مع الدور الذي لعبه الإعلام الجزائري، وهو ما تسبب في توجيه انتقادات حادة للغاية لإسهامه في ما سمي بالخطاب الدعائي، والذي استمر لأشهر طويلة، حتى بات الشارع الجزائري على ثقة شبه تامة في انضمام بلاده للتكتل الاقتصادي. 

ويرى حسني عبيدي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، أنه بعد هذا الخطاب الرسمي الجزائري "فإنه من المؤكد أن ما حدث يعتبر انتكاسة بالنسبة للداخل، خاصة وأن الإعلام في الجزائر يعاني من تضييق ومن الصعب جداً بالنسبة للصحافة الجزائرية أن تنتهج خطا مغايراً أو مخالفا للخط العام الذي تتبعه الحكومة لأنها رأت في النهاية أن هذا الحماس الكبير الذي تبديه السلطات للانضمام للبريكس بدا وكأنه خط أحمر ومن الصعب جداً تجاوزه".

وأضاف في حوار هاتفي مع DW عربية أنه "على الرغم من ذلك كانت هناك تحفظات لم تظهر للعلن من بعض الجامعيين والعقلاء الذين كانوا في النهاية غير راضين عن المنحى الشعبوي للخطاب الرسمي". 

ويضيف عبيدي أنّ قضية الانضمام إلى "بريكس" سُوّقت وكأنها "قضية وطنية أو أم المعارك، وبالتالي اصطف الجميع خلف الدولة وتحول انضمام الجزائر إلى بريكس لجائزة كبرى، ويجب ألا ننسى أنه عندما يقوم رئيس الجمهورية بزيارتين للصين وبزيارة لروسيا فهذا له مغزى كبير وهو أن السلطة متيقنة من الانضمام لهذا التحالف". 

ويعتقد الدكتور عبيدي أن الجزائر تعاملت مع الانضمام إلى بريكس بشكل شابه اليقين وأن "هذا اليقين الذي شاب الخطاب الرسمي  وخطاب الوزراء كذلك الإعلام القريب من الحكومة، جعل الجزائريين يعتقدون فعلاً أن قضية بريكس أصبحت أمراً سيحدث لا محالة. في حين بقيت الانتقادات الأخرى والتي تقول إن الجزائر غير مستعدة، وأن الأوراق اللازمة لإتمام هذه العملية لاتزال تحتاج إلى الكثير من العمل، على الهامش". 

مواقع التواصل الاجتماعي .. بين الغضب والتهوين 
حفلت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بالكثير من التعليقات، فعلى صفحته بموقع فيسبوك، كتب المحلل السياسي نجيب بلحمير قائلاً إنه يعتقد جازماً "أن التناول الكاريكاتوري لموضوع انضمام الجزائر لبريكس تتحمل مسؤوليته السلطة باستغلالها الموضوع لأغراض الدعاية السياسية، واعتمادها على وسائل دعاية منتحلة لصفة وسائل إعلام لتسويق هذا الموضوع وأن طريقة تناول هذه القضية لأشهر طويلة ألحقت ضرراً كبيراً بمصداقية الخطاب الرسمي". 

بدوره، قال سفيان جيلالي رئيس حزب "جيل جديد" إن رفض توجيه الدعوة للجزائر للانضام إلى بريكس سيخلف طعماً مريراً في أفواه الجزائريين، وأن الأمل في أن تكون بلادنا جزءاً من مجموعة دولية يتعين عليها بناء عالم متعدد الأقطاب قد انتهى، مفسحاً المجال أمام الشعور بخيبة الأمل إزاء ما حدث". 

وقال جيلالي إن من بين الأمور التي أضرت بالجزائر كثيراً "عدم فهم طريقة سير العالم الاقتصادي، والاعتماد على الدعم الحكومي والاقتصاد الريعي والشعبوية، إلى جانب تفشي الفساد في الإدارة واستعمالها لأغراض شخصية، فضلاً عن الخيارات الكارثية للمسؤولين التنفيذيين". 

ويضيف جيلالي أن خيبة الأمل في دخول بريكس "يجب أن تفتح أعيننا على الواقع وتدفعنا لمراجعة أنفسنا بدلاً من تحميل الآخرين أسباب مشكلاتنا". 

أيضاً علق معارضون للنظام الجزائري على الأمر، ورأوا في ما حدث إنذاراً شديد اللهجة لمن يحكمون الجزائر وشبهوا الأمر بالصفعة، فيما أرجع البعض عدم الانضمام إلى رفض بعض الدول الأعضاء في التكتل لانضمام الجزائر.

وطالب جزائريون داخل وخارج البلاد النظام الجزائري بالتحلي بالشفافية والتحدث مع الشعب بشكل واضح ومنفتح حول أسباب فشل الانضمام إلى بريكس، وكيف يمكن إصلاح الخلل الذي أدى إلى هذه النتيجة وما هي الفترة الزمنية المحددة لحل المشكلات التي تسببت في هذا القرار.

وعما إذا كان من الممكن أن يكون هذا الرفض دافعا لاتخاذ خطوة للأمام، بمعنى أن تبدأ الجزائر بفتح الملفات ودراسة الأسباب وتجاوز هذه الأمور التي أدت إلى رفض انضمامها، يقول عبيدي: "أعتقد أنها كانت رسالة واضحة لمحيط الرئيس الجزائري - باعتبار أن السياسة الخارجية تدار ما بين رئيس الجمهورية ووزير الخارجية المعين حديثا - ومفاد هذه الرسالة الواضحة أن السياسة الخارجية في النهاية لا تبنى فقط بالشعارات ولا بخطاب شعبوي، إنما ببناء قدرات داخلية للدول". 

أي تأثيرات على الانتخابات الجزائرية؟
ويرى محللون أن وقوف الرئاسة الجزائرية بقوة وراء الانضمام إلى بريكس وهذا الزخم الإعلامي الكبير للمسألة قد يكون وراءه محاولة تبون لاستغلال العضوية لتكون إحدى أوراقه الرابحة في الانتخابات الرئاسية المقبلة. لكن هل سيؤثر عدم انضمام الجزائر للتكتل الاقتصادي على فرصه في الانتخابات؟

في هذا الصدد يقول عبيدي: "صحيح أن الرئيس تبون جعل من قضية الانضمام إلى البريكس أحد أهدافه واستعملها كورقة في الحملة الانتخابية، لكننا نعلم أن قضية الفوز بالانتخابات في الجزائر هي عبارة عن معادلة معقدة لا تخضع فقط لضغط فشل السلطة في الحصول على مقعد في بريكس".

ويرى عثمان لحياني الصحفي الجزائري أن أكثر ما يثير الحزن هو تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن معايير انضمام الدول لتكتل بريكس "وهو تصريح يحمل إشارة غير إيجابية ورسالة بالغة السوء، من قبل تجمع تعتبر الجزائر ثلاثة من دوله الخمس على الأقل شركاء في الاقتصاد وحلفاء لها في السياسة وأصدقاء في الموقف. 

وتابع في صفحته على فيسبوك: "ما معنى أن يقول لافروف أن خماسية بريكس اعتمدت معيار وزن الدول وهيبتها في اختيار الدول الجديدة". وقال: "الاعتبارات الأهم لقبول عضوية دولة من الدول المرشحة كانت هيبتها ووزنها السياسي وموقفها على الساحة الدولية وأن هذا المعيار السياسي، (الوزن والهيبة والموقف)، لا ينطبق على الجزائر في الوقت الحالي".

ويرى الدكتور عبيدي أنه على الرغم من جوانب القصور لدى الجزائر إلا أن "خطاب لافروف باعتماد معايير هيبة الدولة ووزنها في المنطقة كان مجحفاً، لأنه في النهاية فإن القوة الإقليمية للجزائر بمعايير دولية وعسكرية واقتصادية أقوى بكثير من إثيوبيا مثلاً". 

بيد أنه من جهة أخرى "يشير حديث لافروف - وإن كان غير موفق - إلى ما هو أخطر من ذلك، فهناك بعض الأصوات التي تطالب الجزائر بإعادة تقييم أو قراءة علاقاتها مع موسكو وبكين من جديد، فالدولتان لم تدفعا بقوة نحو انضمام الجزائر للبريكس بل كان لديهما مرشحين أفضل وهي دول الخليج". 

ويعتقد العبيدي أن عدم انضمام الجزائر للبريكس "فتح أعين السلطات الجزائرية وحتى المتابعين والإعلام على ضرورة إعادة النظر في هذه الصداقات التقليدية. وأن هذه التي تعتبر دول حليفة للجزائر كانت في موضع الاختبار المباشر لمدى صلابة وقوة هذه التحالفات ومدى كذلك متانة العلاقات التي تقول الجزائر إنها علاقات إيجابية".