صافي الدين البدالي: يا شعب بكت من قهره الشعوب

صافي الدين البدالي: يا شعب بكت من قهره الشعوب صافي الدين البدالي
قال الشاعر المتنبي" يا أمة ضحكت من جهلها الأمم " وهو الشطر الثاني من قصيدته المشهورة التي هجا فيها كافور الإخشيدي، وكان يعني في عمقها انصراف المصريين إلى الاهتمام بحلق الشوارب بذل مناهضة حاكم فاسد.
وقد شاطره في ذلك الشاعر أبو العلاء المعري ونحن" نقول ياشعب بكت من قهره الشعوب ". إن مناسبة هذا القول تأتي في سياق ما نحن فيه في هذا الظرف وما تفعله حكومة أخنوش بهذا الشعب، الذي جعلت منه شعب التطبيع مع الفساد السياسي والغش والرشوة والفساد الأخلاقي والبحث عن منافذ الريع.حتى أن منه من يلبس قميص المدافع عن أغلبية حكومية حولته الى شعب متسول. شعب مكسور الجناح لا يستطيع الطيران بالرغم ما توجد تحت أرضه التي يمشي عليها من ثروات هائلة من الذهب الفضة والنحاس والفوسفاط الزنك والغاز، أي ثروات منها ماهو معلوم ومنها ما هو مجهول، لكنه رغم ذلك يعيش الفقر والجهل والأمية. فمعدل البطالة يرتفع سنة بعد أخرى، حيث وصل إلى 12.4 بالمئة في الربع الثاني من عام 2023.
وان معدل الفقر المطلق ارتفع من 3 في المائة سنة 2021 إلى 4.9 في المائة سنة 2022 على الصعيد الوطني. وان تكلفة خدمة الدين الخارجي برسم العام الجاري وصلت 6.6 مليارات درهم وفق ما تنص عليه مقتضيات قانون مالية 2023.
وإتقرير " منتدى دافوس العالمي للاقتصاد" يشير إلى أن " أكبر خطر يهدد المملكة المغربية خلال العام 2023، هو ارتفاع تكلفة المعيشة ". وأمام تغلغل الفقر تتحدث الحكومة عن نفسها بأنها حكومة اجتماعية ستعمل على تقليص مستويات الفقر، لكن بعض المؤشرات تشير إلى أن هناك إخفاقا في معالجة الأمر، لأن سوء التدبير والإرتجالية والفساد جعل نسبة الفقر ترتفع في السنوات الأخيرة وأصبح التفاوت بين الطبقات الاجتماعية يزداد عمقا ونسبة الفقر تزداد ارتفاعا. وهو ما يفند ادعاءات "الحكومة الاجتماعية" لأنها لم تهتم بالطبقات الاجتماعية الهشة و اهتمت بمصالحها الخاصة وحماية مظاهر تبديد المال العام والفساد إلى حماية لوبيات الفساد ونهب المال العام و تقوية نفوذ لوبيات المال والشركات المتعددة الجنسيات وشركات المحروقات ، تاركة الشعب تأكله الذئاب البشرية التي استولت على كل شيء، حتى أصبح الفقر يشكل ظاهرة متعدّدة الأبعاد ، البعد النفسي والبعد السيكولوجي و الثقافي الأخلاقي والسياسي، مما ينذر بمخاطر اجتماعية غير بعيدة، لأن جفاف الطبيعة والجفاف السياسي مؤشرات ترمي إلى خطورة ارتفاع الفقر. رغم أن بعض المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي الذي يحدد عتبة الفقر على أساس الدخل أي بـ1.90 دولار أميركي في اليوم.
لكن هذه الإسقاطات الرقمية لم تكن منسجمة مع تعقيد الفقر الذي أصبح مدقعا ببلادنا وتأثيره الواسع النطاق على سيرورة الحياة العامة للمجتمع. لأنه فقر أرخى بظلاله على البلاد رغم ما له من ثروات طبيعية هائلة توجد في بره وبحره وفي باطنه وسطحه، وفي مياهه وجباله الممتدة من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه. هي ثروات متنوعة وزاخرة يفترض أن تمكِّن البلاد من العيش الكريم لكل افراده وألا يكون هنالك فقر ولا تبعية ولا اقتراض وارتفاع في الأسعار ولا بطالة ولا جهل ولا تبعية. لكنها تتعرض للنهب والسرقة من طرف لصوص نافذين في الدولة وشركات أجنبية تحميهم الحكومة المغربية. فهي ثروات تتعرض لسوء الإستغلال وإلى الاستنزاف اليومي أمام أعين الشعب الفقير. مما يعجل بنضوبها وشحها. بل حتى المياه التي هي ملك عمومي، كما تنص على ذلك المادة الأولى من قانون الماء "المياه ملك عمومي، ولا يمكن أن تكون موضوع تملك خاص". استولت عليها شركات خاصة تقوم باستنزاف هذه المادة الحيوية والضرورية للحياة، لتحقق أرباحا تتجاوز ملياري درهم (حوالي200 مليون دولار) في السنة، بإنتاج سنوي يصل إلى 430 مليون لتراً من الماء.
إن الابتلاء التعسفي على هذه الثروات من طرف أقلية لا تتجاوز 10٪ تملك 63٪ من الثروات الوطنية، وهي أقلية تزداد إثراء غير مشروع على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب. إن خطر الفقر يلاحق بلادنا في غياب تغيير جذري على جميع المستويات، وإلا سيظل شعبنا "شعب تبكي من قهره الشعوب ".