يستقبلك السوق برحبة الدجاج الحي، الأبيض منه والأحمر، ذبح الدجاج بعشوائية في غياب تصريف صحي للدماء، يحرك السواقي من الدماء الحمراء تجري تحت الأقدام لتصب في حفرة عملاقة وسط السوق فتخلق مستنقعا أحمرا نتنا مقززا، يزداد المشهد قبحا وبشاعة حين ترمق المطاعم تحت الخيام تجاور تلك البركة المتعفنة بروائحها القذرة الكريهة التي تمتزج بروائح السمك المقلي، تلتفت يمينا ثم يسارا، تجد الأوساخ تضرب حولك طوقا، ثم تنظر إلى الأرض تتيقن أنك تسير في مطرح للنفايات...
يشدك مشهد المتسوقين البسطاء وهم يأكلون أكوام السمك المقلي قبالة سواقي الدماء وعلى شط البركة الحمراء برائحة الدماء الزنخة، لا تصدق أنك في جهة الدارالبيضاء سطات أغنى جهة في المغرب، تتساءل عن مدى وجود أثر ل"أونسا" وبياطرتها، وتلك قطع اللحم يركض بها الحمالون وهي على أكتافهم تتقاطر دما، ولا تصدق أنك في سوق متاخم لجماعة قروية اسمها جماعة شتوكة، لمستشاريها كما لرئيسها أحزاب سياسية، ولهم برنامج كتبوه على أوراقهم، وعدوا فيه أهل بلدتهم بإصلاح السوق إصلاحا...
تتجاوز رحبة الدجاج وتسير فوق ممرات البؤس حيث يوشك التفريط أن يستوقفك ليرشدك إلى مسالك متربة متسخة تشوه صفاء السوق، وبساطة المتسوقين بوجوههم المتجشمة المتحملة الصابرة المصطبرة، غير مبالين بما يحفهم من مخاطر بيئية وصحية، حيث التربة الرملية الدقيقة تبتلع خياما عشوائية، وسط أهازيج السوق بمكبرات صوت في دعاية ل"دوا الفار" و"دوا الذبان"، ورنين جرس بائع الماء يذكرك صوته بمحطة من محطات طرامواي، وخيرات الله من الخبز والخضر والفواكه والحلويات، تعرض نفسها على المتسوقين بجودة وفضل...
تخرج من السوق أسفا متحسرا، طبعا تخرج على غير اللون الذي دخلته به، أغبرا أشعتا...
لا تلتمس لتلك الكارثة الإنسانية و البيئية عذرا إلا إذا كان رئيس الجماعة القروية ومعه مجلسه بمؤيديه ومعارضيه رهن الاعتقال، أو على الأقل قيد التحقيق، ومعهم سلطة الوصاية من مقدمها إلى عاملها، وحين يحدثك صاحب خيمة يعرض سلعة أنه يدفع مالا نظير دخوله لهذه المزبلة وعرض بضاعته فيها، تعلم أن ما اقترفه المسؤولون هناك يلامس جناية الاتجار في البشر، بل جريمة ضد الإنسانية...
تتنهد حين يخبرك حارس السيارات هناك أن التسعيرة محددة في 5 دراهم للسيارة الواحدة، تدفع وتنصرف...