على ضوء التعيين الأخير للمهندس الفلاحي عبد الرحمان أيت حمو، منسقا جهويا لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط من طرف الشبكة الدولية للتعاون التقني في مجال زراعة التين الشوكي (وهي شبكة استشارية تابعة لمنظمة الزراعة والتغذية)، أجرت "أنفاس بريس" مع المهندس الفلاحي، أيت حمو ، الحوار التالي حول وضعية القطاع في المغرب ودول أخرى.
الهندية أو التين الشوكي من الفواكه الصيفية التي يقبل عليها المواطنون، لكن نلاحظ أن سعرها ارتفع إلى مستويات قياسية، هل من تفسير لهذه الظاهرة؟
أسباب ارتفاع سعر فاكهة التين الشوكي عديدة ومتداخلة: كما تعلمون سعر سلعة ما يخضع لقانون العرض والطلب. فالطلب ازداد ربما لوعي المستهلكين بالفوائد الصحية لثمار التين الشوكي بينما تقلص العرض بسبب قلة الإنتاج.
وقلة الإنتاج تعود بدورها لعدة أسباب ومنها:
1. تقلص مساحات الصبار بعد الدمار الناتج عن انتشار الحشرة القرمزية.
2- الجفاف وخاصة موجات الشركي التي أتلفت كميات معتبرة من الفاكهة نجح مزارعوها في إنقاذها من الحشرة القرمزية (منطقة أبي الجعد كمثال).
بالإضافة لما ذُكر هناك أسباب عامة لا يمكن تجاهلها. فأسعار المواد الغذائية بصفة عامة عرفت ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة. فسعر التين الشوكي تأثر بدوره بارتفاع تكاليف النقل (مناطق الإنتاج بعيدة عن الحواضر) و تدخل الوسطاء (وهم أبناء عمومة "الشناقة" الذين تجندوا أيام قبل عيد الاضحى).
أشرت إلى الحشرة القرمزية كسبب رئيسي لتراجع مساحات الصبار، ما هي الوضعية الحالية؟
هذه الحشرة ظهرت أول مرة بإقليم سيدي بنور خلال أكتوبر 2014، وسرعان ما انتشرت وبشكل رهيب في معظم مناطق الإنتاج. حاليا يمكن القول بكل أسف انها تتواجد في كل جهات المملكة. حتى إقليم الحسيمة الذي بقي سالما إلى السنة الماضية، فوجئت لانتشار الحشرة القرمزية بتارجيست وبني بوفراح وبني جميل التي تشتهر بصنف "الدلاحية". هذا الصنف مُميز للمغرب وقد احتُفي به خلال المعرض الدولي للفلاحة بمكناس (دورة 2016) حين تم الاعتراف به كمنتج جغرافي محمي. وبهذه المناسبة، أهيب وألتمس من كل الفاعلين بإقليم الحسيمة ان يعملوا على إنقاذ هذا الصنف.
هل من حلول لإشكالية الحشرة القرمزية؟
هي فعلا هي إشكالية كما وصفتموها. لو كانت المساحة الموبوءة محدودة كما كان الوضع خريف 2014، لكان القضاء على الحشرة ممكنا، أما وقد انتشرت في كل المناطق أكاد أجزم أن القضاء عليها من سابع المستحيلات. وكل برامج المحاربة ماهي إلا موارد ترمى من النافذة. فقد شهدنا مناطق تمت معالجتها وظهرت بها الحشرة من جديد لا أقصد الاستسلام للوباء، لكن يجب تغيير استراتيجية المحاربة.
كيف ذلك؟
خلال جولتي الأخيرة في ربوع المملكة لاحظت ظهور مزارعين متميزين. اهتموا جديا بزراعة التين الشوكي وأقاموا بساتين عصرية. في هذه البساتين يقومون بتنفيذ الممارسات الزراعية الجيدة الخاصة بهذه الزراعة كتهوية الأشجار بتشذيبها و اعتماد الكثافة المتعارف عليها في مزارع فاكهة الصبار (800 إلى 1200 شجرة في الهكتار ). كما يقومون بالمراقبة الدورية للأشجار والتعامل مع الحشرة فور ظهورها.
لكن كل هذه الجهود و المراقبة المستمرة للبساتين، ستزيد من تكاليف الإنتاج وبالتالي سعر الفاكهة؟
بالفعل سترتفع تكاليف الإنتاج لكن في المقابل ستزداد المردودية. الممارسات الزراعية الجيدة ستضمن إنتاجا لا يقل عن 15 طن في الهكتار بقيمة تسويقية تعادل 150 الف درهم مع عدم مطالبة المستهلك بدفع أكثر من 1,5 درهم للوحدة. و بمعنى آخر، المردودية العالية هي التي ستعوض ارتفاع تكلفة الإنتاج و ليس جيب المستهلك.
بالعودة إلى سعر الفاكهة، ما هي الوضعية في دول الجوار؟
ازداد الاهتمام خلال السنوات الأخيرة بزراعة الصبار بمعظم دول البحر الأبيض المتوسط وخاصة بإيطاليا، والبرتغال، و مصر ودول شمال إفريقيا أما الأسعار فلا تختلف كثيرا من دولة إلى أخرى . ففي تونس مثلا تجاوز سعر الوحدة 1.5 دينار (4.80 درهم) وفي الجزائر40 دينارا (2.90 درهم) بينما انخفض السعر في مصر التي عرفت انتاجا وافرا إلى حدود 5 إلى 10 جنيهات (2.40 درهم).
أما بصقلية (إيطاليا) فقد تطورت هذه الزراعة على مستوى الإنتاج و التسويق. طوروا تقنيات فلاحية تسمح بإنتاج الفاكهة خارج الموسم حين يكون السعر جذابا.
وماذا عن الحشرة القرمزية في هذه الدول؟
باستثناء إسبانيا التي استعملت الحشرة القرمزية للقضاء على الصبار، لا وجود لهذه الآفة في البرتغال وإيطاليا وتركيا. أما على مستوى الضفة الجنوبية، يعتبر المغرب أكبر المتضررين. وفي الجزائر ظهرت بؤر شرق البلاد (ولاية تلمسان) بينما تواجه تونس تحديا كبيرا بعد تسجيل بؤر بالقيروان. وكما تعلمون تعتمد تونس كثيرا على هذه الزراعة التي تغطي ما يفوق 600 غلف هكتار حسب للإحصاءات الشبه رسمية.
كيف تنظر إلى مستقبل التين الشوكي في بلادنا خاصة مع تطوير بعض الأصناف المقاومة للحشرة القرمزية؟
أنا متفائل جدا وأثمن الجهود التي تقوم بها المؤسسات المعنية. لكن دعني أوضح ما يلي:
*الأصناف المقاومة مفيدة جدا لكن لا يجب التفريط في الأصناف الأخرى الغير مقاومة والتي تتميز بجودة عالية وقد تم الإعتراف ببعضها كمنتجات بوسم جغرافي محمي كالدلاحية (الحسيمة) وموسى وعيسى (أيت باعمران).
*يجب تصحيح معلومة خاطئة يتم الترويج لها في مواقع التواصل الاجتماعي تدعي أن الأصناف المقاومة مستوردة أو معدلة جينيا لذلك ينصح بعدم استهلاكها. هذا خطأ، لأن هذه الأصناف كانت متواجدة بشكل طبيعي في مناطق مختلفة في المغرب وعبرت عن مقاومتها بنفسها. فمثلا خلال جولتنا بمنطقة الرحامنة صيف 2017 لاحظنا دمار كل البساتين إلا شجرة واحدة بقيت منتصبة لم تلمسها الحشرة القرمزية (الصورة) وهي من الثمانية التي يتم تكثيرها الأن تحت إسم الغالية. وفي شمال الصويرة (منطقة أقرمود) لم تتمكن الحشرة القرمزية من مواصلة الزحف لأن صنف هذه المنطقة مقاوم (و هي المسماة العكرية وليس العقرية كما يكتب البعض). ما يجب القيام به الأن هو تسريع انتاج الألواح وتوزيعها للمزارعين الجديين وذلك باعتماد تقنيات التكاثر في المختبر (Propagation in-vitro).
*يجب التنويه بمبادرة مؤسسة سي أحماد (سيدي إفني) والتي قامت مؤخر وبتعاون مع البحث الزراعي وشركة خاصة بجلب دعسوقة مكسيكية يمكن استعمالها في محاربة الحشرة القرمزية خاصة في المناطق ذات التضاريس الوعرة.
*يجب تشجيع مبادرات شباب يعملون بجد لإنقاذ الأصناف الغير المقاومة و هم منتشرون في كل ربوع الوطن وخاصة بالمحمدية (صنف المجذوبية)، الرحامنة (صنفي الرحمانية)، أبي الجعد (صنف البجعدية)، الصويرة (صنف العكوري)، الحسيمة (صنف الدلاحية) ، مراكش (صنف الحداوية)، تارودانت وسيدي إفني (صنفي موسى و عيسى).
*حان الوقت لتنظيم هذه السلسلة وخلق منظمة بينمهنية للصبار مثل سلاسل أخرى كالزعفران والنحل والحلزون وغيرها.