خبير إعلامي: غالبية الصحف الجزائرية موالية للنظام وتقوم بمهام تضليلية

خبير إعلامي: غالبية الصحف الجزائرية موالية للنظام وتقوم بمهام تضليلية

سلط الخبير الإعلامي الجزائري الدكتور رضوان بوجمعة، كشافات الضوء على بنية الصحافة الجزائرية، الإعلام الجزائري وقال الخبير في حوار مطول أجرته معه " الأحداث الجزائرية" أن الإعلام الجزائري اليوم، بصحفه وقنواته التلفزية والإذاعية، يشكل جزءا من المنظومة السياسية القائمة.

 

 

أوقفت مطبعة الوسط وهي تابعة للدولة سحب صحيفة خاصة بسبب ديون لم تسددها، الحادثة ليست الأولى من نوعها في المشهد الإعلامي الجزائري ؟

حتى نفهم هذه الظاهرة، لا بد أن نعود للبنية الاقتصادية للصحافة في الجزائر، وهي بنية قائمة على الريع، جزء من هذا الريع يرتبط بتسيير الطبع و التوزيع والاشهار. أثبتت التجربة أن الغالبية العظمى من ناشري الصحف هم جزء من هذه المنظومة الريعية والإدارية والأمنية في تسيير الإعلام، وهي منظومة لا تخضع لقانون السوق، ولذلك القول بأن أسباب منع سحب الجريدة هي "تجارية خالصة"، تدعو للضحك، وللبكاء في الوقت نفسه، الضحك على مبررات مدير مطبعة يريد أن يوهمنا بأن المطبعة تسير وفق معايير التسيير الاقتصادية والتجارية، وهو أمر غير صحيح، لأن التسيير التجاري يخضع لمعايير لا يوجد الحد الأدنى منها في تسيير المطبعة في الجزائر، وأنا أعي جيدا ما أقول، هذا التسيير سياسي و إداري و لا علاقة له بالسوق، لأن عشرات العناوين لا تدفع تكاليف السحب ولا يطلب منها الدفع، لأنها جزء من البنية الريعية لمختلف الشبكات المشكلة للسلطة، كما أن مبررات المطبعة و وزير الاتصال تدعو للبكاء على ملايير الدينارات من المال العام التي تبدد في ريع الطباعة وريع الإشهار وريع التوزيع لمختلف العناوين الصحفية، والتي تستخدم كجهاز لممارسة التضليل و الاغتصاب الجماعي للجماهير.

 

المطبعة مثل الإشهار سلاحان تشهرهما السلطة في وجه الخارجين عن طاعتها من الصحف،هل نحن أمام استثناء جزائري أم أن السلط الشمولية تتقاسم نفس السلاح في دول العالم تجاه الإعلام الخارج عن طوعها ؟

الاستثناء الجزائري قد يكون على مستوى تعدد وتعقد تركيبة شبكات المصالح المشكلة لمنظومة الحكم، كما أن الاستثناء الجزائري يمكن أن يبحث في عدم وجود الحد الأدنى من المنطق التجاري، و السياسي والمهني في تسيير الإعلام، ما يجب أن يعرف أن جزء من الصحف التي كانت تقلق منظومة الحكم في منتصف القرن الماضي تم خنقها بالإشهار، وبفواتير الطباعة، وبقررات أمنية وسياسية، كما أنه في الوقت ذاته تم ضخ ملايير الدينارات على عدة عناوين في شكل صفحات اشهارية يومية، وبمسح ديونها لدى المطابع العمومية، بمقابل قبولها بدور المبرر الإيديولوجي والسياسي للعنف الذي تعرفه البلاد منذ يناير1992، ولذلك فإن تنديد بعض مدراء الصحف هذه الأيام بمنع الإشهار العمومي عنها، يثير الاستغراب، لأن هذه الصحف نفسها لا تخبر قراءها لماذا كانت تدعم بالإشهار العمومي لأكثر من عشر سنوات، هل بسبب توزيعها القوي؟ أم بسبب ولائها السياسي لشبكة من الشبكات الفاعلة المكونة لبنية السلطة.

حان الوقت ليكون لناشري الصحف الشجاعة للقول بأنهم جزء من منظومة إعلامية مبنية على الريع، قوامها الولاء، و الطاعة، والقبول بأداء بعض المهام التضليلية و الدعائية كلما أرادت شبكات المصالح ذلك، إذن الحل الذي بإمكانه أن يضمن حرية الصحافة و الحق الدستوري للمواطن في الإعلام، يمكن في بناء منظومة إعلامية تحدث قطيعة مع الدعاية ومع التسيير الريعي والإداري للإعلام، قطيعة تنتهي بالبدء في مسار لتحديد منظومة تشريعية لتسيير الإشهار بوجه عام والإشهار العمومي بوجه خاص، ولتسيير التوزيع، ودفتر شروط يوضع القواعد التجارية للطباعة يتم تطبيقها على الكل، وليس على البعض.

 

في وثيقة برنامج حكومة عبد المالك سلال الثالثة و مسودة الدستور التوافقي المرتقب تباهِ بحرية الإعلام والرأي والحريات العامة، الواقع خلاف ذلك، و صار المدّون و الكاريكاتوري و ليس الصحفي فقط محل متابعات قضائية وتوقيفات، ما مرّد الازدواجية أو التناقض بين ما تقّره منظومة القوانين ذات الصلة بالإعلام و الحريات العامة و ممارسات السلطة واقعا ؟

ببساطة وحتى لا نعيد ما قلناه، لا بد من التأكيد أن القوانين الجيدة لا تصنع حتما مجتمعات جيدة، لأن المجتمعات هي التي تصنع القوانين، والقوانين لا تصنع مجتمعات، فالمشكل اليوم ليس في القوانين التي تنص على الحريات، بل في الإرادة السياسية التي لا تعترف بالآخر، وتعتمد الإقصاء والاستعداء و التخوين والتخويف والكراهية كبرنامج سياسي، السلطة يظهر بوضوح أنها لا تملك أي مشروع، مشروعها الوحيد هو البقاء في السلطة والاستمرار فيها، و حتى تتمكن من هذا، صنعت ودعمت ومولت عدة واجهات سياسية وإعلامية وجمعياتية، بعضها ينطق كمعارض. فالسلطة تتشكل من شبكات مصالح تتقاطع كل شبكة مع دوائر سياسية و إعلامية تظهر للعوام من الناس بأنها من خارج النظام، وهي جزء لا يتجزأ منه، والنتيجة هو تشكل ساحة إعلامية مصطنعة، ومعارضة مزيفة، ومجتمع مغيب أدخل في غيبوبة شبة مزمنة.

 

وزير الإعلام الجديد يتحدث عن قرب تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة و قبلها صدر قانون السمعي البصري بلا سلطة ضبط و المهنيون ينتظرون، هل هذه القوانين كفيلة بإعادة الاعتبار للمهنية أم تراها مجرد آليات للاستهلاك الخارجي في وقت يمر المشهد الإعلامي الجزائري بممارسات إعلامية هجينة غير مسبوقة ؟

إنشاء سلطة ضبط في ساحة إعلامية مصطنعة مبنية على الريع، و على شبكات المصالح التي تدور في فلك السلطة، لا يمكن إلا أن تكون جزء من ديكور، هدفه التسويق السياسي نحو الخارج، كما أن ذلك يمكن أن يتحول إلى أداة إضافية للتضييق على عمل بعض الأقلام الحرة التي لا زالت تقاوم تسونامي الرداءة و الفساد و خرق أخلاقيات و قواعد المهنة، و التي عششت في الممارسة الإعلامية..

 

هل نحن في حاجة إلى وزارة إعلام ؟ و 7 وزارت إعلام في فترة حكم الرئيس بوتفليقة وحدها لم تتمكن من التقدم في ملفات صار الحديث فيها تقليديا و مستهلكا و عديم الفعالية و بلا جدوى قانون الإشهار ، قانون سبر الآراء ، بطاقة الصحفي المحترف ؟

الدول الديمقراطية المحترمة لا تسير قطاع الإعلام تسييرا إداريا وأمنيا، لذلك فوجود وزراة للإعلام هو جزء من مظاهر التسيير الإداري للإعلام، وهنا لا بد من التنويه بحكومة مولود حمروش التي ألغت هذه الوزارة، وأوكلت مهمة تسيير القطاع و ضبط آلياته إلى المجلس الأعلى للإعلام، و الذي زال بعد أن أفرغ من محتواه، وعاد التسيير الأمني و الإداري للإعلام بشكل واضح بعد رحيل حكومة الإصلاحات.

 

كيف تقيمون علاقة السلطة بالإعلام ؟ هل الإعلام هو من أخفق في التحول إلى سلطة ؟ أم السلطة هي من تمضي في سياسيات التدجين الإعلامي لأنها لا تواجه مقاومة ؟

     أعتقد أن ما قلته سابقا يجيب عن هذا السؤال، لكن ما يمكن إضافته فقط، هو التأكيد أن الإعلام الجزائري اليوم، بصحفه وقنواته التلفزية و الإذاعية، يشكل جزءا من المنظومة السياسية القائمة، و بأنه حتى العناوين التي تنتقد حكم بوتفليقة اليوم بعد أن ساندته "بالإجماع"سنة 1999، هي اليوم و حتى و إن كانت معادية للرئيس في كتاباتها، فإنها تعطي لهذه المنظومة شرعية، مفادها وجود حرية صحافة في البلد،  وهو عنصر أساسي في إستراتيجية تسويق النظام لصورته التعددية في الخارج، رغم أننا نعلم أن الحرية  الموجودة في الإعلام، هي حرية تشبه حرية" النباح" مع احترامي و تحفظي على استخدام مثل هذا القاموس، فواقع هذه الحرية كما صنعتها السلطة عملته الأساسية قائمة على قولوا "قولوا ما تشاؤون" و"نحن نفعل ما نريد".

بتصرف