كيف تلقيت البيان المشترك الصادر عن بلدان منطقة الساحل والتي اعتبرت أي تدخل عسكري في النجير هو إعلان حرب عليها جميعا؟
التدخل العسكري في النيجر ستكون لها نتائج وخيمة على المنطقة برمتها و سيعصف بأمن المنطقة كلها. فالتطورات الامنية التي تعيشها هذه الدول خاصة مع تواجد تركيز منظم للتنظيمات الارهابية في منطقة لبتاكو غورما، أو مثلث الموت ما بين مالي، بوركينافاسو والنيجر يجب أن تكون في الحسبان. فالجماعات المتطرفة ستخلق لها بيئة للبسط سيطرتها ونشر الخطاب المتطرف سيصبح لها اتباع يقدرون بالألاف. ما يزيد من تعقيد للأمور هو نهاية عمليات البعثة الأممية للحفظ السلام في شمال مالي و التي ستخلق فراغًا أمنيا كبيرا وكذلك المساعدات المالية الممنوحة من طرف المنتظم الدولي التي تم تجميدها أو انهائها. ومن تم، فإن أي تدخل سيكون بداية تفكيك الدولة في المنطقة و سيضعف مبدأ السيادة الوطنية. كما أن قوات الساحل الخمس والتي تتكون من مالي، بوركينافاسو، النيجر، موريتانيا والتشاد ستزداد صعوبتها في التشكل والترميم، وهو ما سيفتح الباب للتنظيمات الإرهابية في المنطقة في بسط نفوذها و قد نكون أمام أفغانستان جديدة على مشارف بحر الأبيض المتوسط. وبالتالي، فإن أي تدخل عسكري للدول غرب إفريقيا سيكون محفوف بالمخاطر على أنظمة سياسية أخرى في المنطقة خاصة وأن الاثنيات المشكلة للنيجر لها امتدادات تصل الى دول خليج غينيا والى دول القرن الافريقي. في نفس السياق، موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا "ايكواس" ستكون له آثار وخيمة قد تؤدي الى تفكك المجموعة كاملة ، خاصة اذا أخذنا بعين الاعتبار موقف المجلس العسكري الحاكم في غينيا كوناكري و الذي أكد انه لن يلتزم بالعقوبات التي فرضتها "إيكواس" ووصفها بغير الشرعية. وأعتقد أن دول افريقية تابعة ل " الايكواس " ستراجع مواقفها في الأيام المقبلة. فموقف مالي وبوركينافاسو ووقوفهم الى جانب القيادة العسكرية النيجيرية سيعرض المجموعة الى أخطار كبيرة. داخل القارة الافريقية تعتبر هذه المجموعة من أكثر المنظمات الإقليمية تحقيقا لأهداف التكامل الإقليمي في مختلف المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية. وهناك دول إفريقية كثيرة مستفيدة من هذا التكامل الاقتصادي و السياسي الذي تطلب مجهودات و توافقات كبيرة. فأي تدخل للمجموعة سيكون بداية نهايتها ومن تم تفكك و تقسيمات جديدة بمسميات اخرى داخل الاتحاد الأفريقي. فمعالجة " الايكواس" للانقلابات في مالي وبوركينافاسو كان بمقاربة أدت الى تسويات مكنت من وضع ميكانيزمات الرصد والتقييم المشترك في أفق عودة اشتغال المؤسسات الديمقراطية من خلال جدول زمني يمكن من استعادة السلطة المدنية. وهذا ما يجعل من موقف مالي و بوركينافاسو ينم على وجود تخوف قد يضرب سيادة هذه الدول.
ما هي قراءتك للتحولات الجيوسياسية في الساحل، فبعد مالي وبوريكنافاسو، سجل انقلاب عسكري أيضا في النيجر؟
ما تعيشه منطقة الساحل الإفريقي و جنوب الصحراء هو تحصيل حاصل للسياسات دولية غربية التي لم تستطع التفكير من خارج العلبة. هذه السياسات التي يطبعها الانتهازية و الاستحواذ على خيرات إفريقيا لم تكن يوماً ما محطةً للتقييم وتوجيه البوصلة نحو مستقبل أفضل بالرغم من وجود إرهاصات كبيرة تخيف مثل التطرف الاسلامي، الارهاب والهجرة غير الشرعية التي مرشحة للتزايد في السنوات و العقود المقبلة اذا ما بقت الآذان الغربية غير قادرة على سماع أصوات حاجيات هذه المجتمعات الجد الفقيرة. فمنذ مؤتمر برلين 1884-1885 الذي قسم القارة الإفريقية إلى أجزاء متقطعة، بقيت منطقة الساحل مثقلًا بمشاكل أكثر فظاعة وقساوة من صراعات اثنية، طائفية وحدودية . نتيجة لأهواء مؤتمر برلين والذي قسّم جميع أراضي إفريقيا تقريبًا لمجموعة متنوعة من المستعمرين الأوروبيين، حيث أصبحت معظم بلدان الساحل خاصة تلك الغير الساحلية حياتها الوطنية تعيش الهشاشة. هذا العامل أدى الى فشل ذريع في تأسيس مظلة الأمة التي تجمع كل تشكيلات المجتمع و تجعلهم يعيشون في تناغم وانصهار للأحلام والطموحات. أمام هذا الوضع أصبحت القيادة السياسية داخل المنطقة صعبة بشكل غير عادي. فالتحديات جسيمة على كل المستويات السياسية، الاقتصادية وحتى الاجتماعية. الأزمات المحيطة بالساحل متشابكة بشدة، وتتعدى تعقيداتها مشاكل الغرب. لا يمكن الاستغناء عن حل جاهز، لكن الخطوة الأولى الضرورية هي التشخيص الصحيح. بالطبع هناك أسباب كثيرة تفاقمت مع الوقت أصبحت ذات طبيعة جيوسياسية. في هذا الاطار، يُعتبر التعاون الغربي مع الحكومات الأفريقية لخدمة احتياجاتها وأوروبا والولايات المتحدة خطأً كبيرًا. فرؤية الدول الأوروبية للدول الافريقية كأسوار ضد الهجرة الغير الشرعية وقواعد عسكرية لمحاربة الإرهاب يبقى استراتيجية محفوفة بمخاطر كبيرة . فوق الأرض أبانت هذه الاستراتيجية عن فشل كبير. فلا المساعدات الغربية التي تقدر بملياري دولار سنوياً للنيجر ولا حتى الأموال المنفقة للتثبيت قيادة سياسية موالية استطاعت منع من حدوث أربع انقلابات الى حدود اللحظة في هذه الدولة. نفس الشيء، بمالي و بوركينافاسوـ فالتحولات الغير الدستورية يجب تشخيصها من منظور مختلف عما تتناقله وسائل الإعلام الدولية. فالقارة الافريقية ليست مساحة جغرافية تزخر أراضيها بخيرات من معادن ثمينة وموارد طبيعية و حسب، ولكن هي ثقافة وماضي استعماري لم تندمل جروحه بعد. فالسكان الأفارقة يرون إطاحة الحكومات المدنية - ويحتفون بذلك - لأنهم يعتبرون قادتهم مهووسين بالتملق للغرب مقابل المساعدة أو الحماية بدلاً من التركيز على بلدانهم أولاً، سيما وأن المشاكل البنيوية تفاقمت مع الوقت وأصبحت دول كثيرة تعيش على إيقاع صراعات اثنية تحاول كل مجموعة التموضع فوق أراضي فلاحية ومحاور جغرافية مدرة للدخل. هذا الوضع تعيشه دولة شمال البنين، منطقة موبتي في شمال ووسط مالي، منطقة تيلابيري بالنيجر وشمال شرق بوركينافاسو وحتى بعض المناطق في التشاد. هذه المشاكل خلقت فراغات جيوسياسية استفادت منها التنظيمات الارهابية التي مع الوقت تحالفت مع منظمات وعصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود. البقاء على نفس النهج الجزئي في التعاطي مع هذه المشاكل من منظور أمني هو خطأ استراتيجي. فالحكومات الفرنسية من جميع الاتجاهات السياسة لم تحيد عن مقاربة فوكار . هذه الأخيرة، بقيت تسير بنفس الأسلوب والنهج دون أخذ بعين الاعتبار التطورات و لا حتى عمق السيرورة الجيواستراتيجيةً التي تحكم المنطقة و جوارها بعض سقوط حائط برلين. فالبناء لم يكن سليماً و الدولة داخل المنطقة أصبحت تدفع الثمن و ليست لها خيارات للتحرك. فالهامش صغير فهي تعيش تحث وطأة سيف دموكليس. بين واجباتها الوطنية والتزاماتها الدولية المفروضة أصبحت فاقدة للهامش التحرك بدون امكانيات. للإشارة فعند انضمام افريقيا جنوب الصحراء إلى الأمم المتحدة ، كان عدد خريجي المدارس الثانوية في أفريقيا جنوب الصحراء حوالي 8000 فقط. لم يكن لدى معظم المستعمرات ما يشبه النخبة الحاصلة على تعليم جامعي القادرة على تحقيق التنمية و التطور. فالدراما الحالية في منطقة الساحل يجب أن تعالج بمنظور شامل و كامل، فإن مثل هذا التعليم التافه الذي تم توفيره تحت الوصاية الأوروبية كان مركّزًا بالكامل تقريبًا في المستعمرات الساحلية مثل غانا ونيجيريا والسنغال. وهذا ما جعل التنمية متوقفة والتطور البنيوي بدون آفاق.
فرنسا التي تأمل من خلال الحفاظ على مجموعة من المستعمرات الأفريقية مرة واحدة داخل مربعها كعملاء اقتصاديين ودبلوماسيين، كانت تتوقع انها ستجني مكاسب التوسع على الساحة العالمية جنبًا إلى جنب مع التجارة التفضيلية . هذا المنطق اصبح متجاوزًا مع دخول لاعبين جدد كالصين، روسيا و تركيا.
ما وقع في النيجر كان متوقعاً و الأسباب تشرب مما تمت الإشارة إليه. فالسيد محمد بازوم ينتمي إلى قبيلة أولاد سليمان التي لا تشكل أكثر من 2% من الساكنة زيادة على استياء كبير من السياسيات الاجتماعية والاقتصادية التي أصبحت لا تجيب عن أسئلة للقوى الحية التي درست في جامعات دولية. فالبقاء على نفس النهج القديم و الأسلوب السياسي الفاقد للسيادة الوطنية سيكون مآله مواقف مع الوقت ستصبح أكثر راديكالية.
كيف تنظر الى الوعيد الذي أطلقه الرئيس الفرنسي ماكرون في مواجهة قائد المجلس العسكري الحاكم في النيجر، هل يؤشر إلى عودة عسكرية أكثر قوة للجيش الفرنسي في منطقة الساحل؟
فيما يخص ردة فعل فرنسا فيمكن قراءتها من عدة زوايا. باريس أصبح نفوذها في المنطقة في اضمحلال خاصة بعض التغيرات الغير الدستورية في مالي و بوركينافاسو التي أدت إلى نهاية عملية برخان الفرنسية. التموضع الاستراتيجي لباريس في دول الساحل الافريقي وجنوب الصحراء أصبح بدون آفاق ودولة النيجر تعتبر ذات أهمية قصوى في التموقع وكذلك على مستوى البنية الطاقية لفرنسا. فأكثر من 10 % من حاجيات فرنسا لليورانيوم تأتي من مناجم هذا البلد. في نفس السياق، تواجد قواعد عسكرية فرنسية في النيجر يسمح لباريس بتملك قدرة عملياتية عسكرية لصد أي تحرك ضد مصالحها في المنطقة ويعطيها هامش التأثير في السياسات العسكرية والأمنية داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي. وبالتالي فإن هذا التطور سيجعل من باريس خارج اللعبة الاستراتيجية وسيضعف من محددات قوتها في ميزان القوى الدولية. أما البعد الأهم، هو التحول الذي قد يجعل من التموقع العسكري لفرنسا في خليج غينيا محفوف بالمخاطر والفشل. فدولة النيجر لم تكن في المخططات الاستراتيجية الفرنسية حليفاً وفقط، ولكن صلة وصل في تدبير التواجد الفرنسي للمجموعة من الملفات الساخنة و المؤسسة للنظام غرب افريقي يساير المصالح الاقتصادية والسياسية الفرنسية.