جاء خطاب العرش مؤطراً بعنوان كبير هو « الجدية»، جدية المبادرات الملكية التي تم اتخاذها داخليًا، وخاصة في العلاقة مع الجيران، الذين سبق للملك أن أطلق مبادرة «اليد الممدودة « تجاههم لطي خلافات الماضي، التي ورثها البلدان عن مرحلة تعود للحرب الباردة، والتي تم فيها، للأسف، العمل على صنع كيان وهمي لإضعاف المغرب في محاولة لوقف نموه.
الملك، وهو يعيد في خطاب العرش التذكير بمبادرة اليد الممدودة للمصالحة، ولتجاوز كل الخلافات المصطنعة والموروثة، لا يسعى لإحراج النظام الجزائري، ولا إلى تقديم خطاب في إطار «بروباغندا»سياسية بقدر ما هي خطوة ملكية صادقة جدية، تجاه الجارة، قيادة وشعبًا…ما يجعلها كذلك هو أنه أطلقها قبل سنوات في مناسبة وطنية عزيزة على المغرب هي «عيد العرش»، وعندما يعيد التذكير بها في نفس المناسبة، فهي للتأكيد على مصداقية المغرب في دعوته من أجل الحوار الأخوي للبحث عن إنعاش المصالح المشتركة في إطار مسلسل من النقاش المفتوح بدون «طابو»، وبعيدًا عن الملفات الخلافية التي قد تعيق أي مسلسل سياسي ودبلوماسي بين البلدين.
الملك محمد السادس في خطاب العرش أعاد مجددًا رفع مطلب «فتح الحدود» بين البلدين لتعزيز أواصر الروابط الاجتماعية والإنسانية بين الشعبين والحفاظ عليها، والتي لم تنقطع يوما رغم إغلاق الحدود ودخول العلاقة الدبلوماسية الرسمية في حالة جمود سياسي بقرار جزائري، للأسف، في تصعيد غير مفهوم، وليس له ما يبرره خاصة وأن عاهل البلاد أكد مرارًا أن الجزائر « لن يأتيها أي شر من المغرب»، ليس فقط لطمأنتها، خاصة نظامها، مادام أن الشعب الجزائري لم يقطع أواصر الروابط التي تجمعه بالمغرب، بل للتأكيد بشكل واضح أن المغرب في سياسته الخارجية لا يتوجه ضد الجزائر ولا يسعى للمس بمصالحها، بل إن المغرب والجزائر، إذا ما اشتغلا معا بصدق وجدية، قادران معًا على قيادة المنطقة، وعلى إحياء اتحاد المغرب العربي/الكبير، ومواجهة مختلف التحديات الخارجية سواء الاقتصادية أو الإقليمية أو انعكاسات بعض الأزمات الدولية على المنطقة، فالعاهل المغربي يعتبر أن كل الخير موجود في بعث العلاقة بين المغرب والجزائر على الصعيد الرسمي، وهي دعوة صادقة، جدية ومسؤولة، من قائد بلد مشهود له أمميًا بانخراطه الواعي في تصفية كل النزاعات والسعي نحو السلم وحسن الجوار.
الدبلوماسية المغربية والسياسة الخارجية ككل مطبوعة بمحددات عديدة تعتبر هي الموجه لها، فهي سياسة دبلوماسية واضحة، صارمة وتقود مبادراتها بشكل هادئ، لا تشتغل بمنطق ردود الفعل بل بروح المسؤولية…وقد انضاف إليها مع خطاب العرش لهذه السنة محدد جديد وضعه الملك باعتباره الموجه للسياسة الدبلوماسية للمغرب، هو محدد «الجدية»، الجدية في المبادرات التي أطلقها والدعوات التي وجهها للجار ولباقي الدول، الجدية التي استطاع المغرب من خلالها أن يحقق مكاسب دبلوماسية هامة تتعزز مع سيادته الكاملة على وحدته الترابية، وتضيف دعمًا جديدًا لمبادرة الحكم الذاتي.