الشاعر التونسي أولاد أحمد: عفاريتُ "الدين الحقيقي"

الشاعر التونسي أولاد أحمد: عفاريتُ "الدين الحقيقي"

"كل إنسان تعجزون عن تعليمه الطيران، علموه على الأقل أن يسرع بالسقوط" (فريدريك نيتشه)

عندما يعجزون عن توصيف أمرما -سواء أكان مصيبة أم كارثة أم إبادة جماعية محدقة- يكتفون بنعته بـ "الحقيقي":

- الإيمان الحقيقي

- الدين الحقيقي

- الإسلام الحقيقي

لذلك لم يهتدوا بعد لوضع تشريعات وقوانين تجرّم الإرهاب الديني، لأن "الدين الحقيقي"، حسب تأويلاتهم العميقة في سطحيتها، والسطحية في عمقها، يشجب الإرهاب الديني.. الأمر الذي يجعلهم يستنتجون، بحيل وأعاجيب شتّى، أن الإرهاب الديني غير حقيقي، وبالتالي فإنه لا وجود له وجودا حقيقيا.

في الإثناء يواصل الإرهاب الديني الحقيقي تفجير وذبح الجنود والمواطنين على حد سواء، رافعا شعارات دينية حقيقية، وقد بات الدليل الأسطع على ذلك يُرى بالعين المجردة على طول هذه الخارطة الرجراجة المسماة: خارطة عربية.

في الإثناء أيضا.. يتقاطر القادة الحزبيون والفلاسفة المشبوهون والمثقفون الخدماتيون على بلاتوهات التلفزيونات، مرددين آيات من الدين الحقيقي، مفادها أن ضحايا الإرهاب لم يموتوا موتا حقيقيا حسب "الدين الحقيقي"، وأنهم صعدوا إلى الجنة الحقيقية فور تفجّرهم الحقيقي بقنابل الإرهاب الديني الحقيقي.

قدّام هؤلاء القادة، يجلس للسؤال صحفيون ومنشطون لا يحسنون طرح الأسئلة، وهكذا يتحول الحوار عن الإرهاب الديني الحقيقي إلى نشاط ديني حقيقي، تتخلله قراءة الفاتحة على أرواح الذين سقطوا برصاص إرهابيي الدين الحقيقي، الحاملين لراية "لا اله إلا الله محمد رسول الله".

وهل ثمة إرهاب ديني حقيقي لا يحمل هذين الشهادتين؟

والغريب أن بعض هؤلاء الصحفيين والصحفيات الحقيقيين والحقيقيات يستدعون أحيانا قادة دينيين إرهابيين حقيقيين للتحاور معهم حول براءة "الدين الحقيقي" من تُهم التكفير الحقيقي والقتل الحقيقي والإرهاب الحقيقي.

لا أستطيع التأكيد على أن هؤلاء جميعا قد وُلدوا من مؤخرات أمهاتهم الحقيقيات على عكس باقي البشر الحقيقيين ولكنني، بالمقابل، أستطيع التأكيد على أن أكثرا الناس جهلا، وأكثر المتحدثين خواء، هم أولائك الذين يكثرون من النعوت والأوصاف هربا من الوظائف الدلالية للجمل الاسمية والجمل الفعلية..  

للأولياء والبهاليل الصدق في العقيدة والزهد في السلطان.

وللعملاء والأشرار من الساسة التظاهر بصدق العقيدة والنهم الثعبانيٌّ للسلطة.

هذا ما نعيشه الآن حقيقة على أرض الواقع الحقيقي.

والواقع فضاح ويُرى بالعين المجردة لمن لا يعلم.. وليس فقط بنية وعي به كما قال كارل ماركس.

فإذا كان "القرآن حمّال أوجه"، كما قال علي بن أبي طالب، الذي عاصر نشوء القرآن،، فكيف للعامة أن تحشر مجتمعات وشعوبا بأكملها في تأويلات لا نهائية لنص لا متناهي المعاني.. وتزيد فتحشر تلك المجتمعات وتلك الشعوب في أزمنة غير الأزمنة التي نشأ فيها النص القرآني؟

وكيف للخاصة، التي كانت سببا تأويليا مباشرا في بعث الملل والنحل الدينية ودفعها إلى التقاتل على مدى قرون طويلة، أن تقنعنا بأنها لم تكن تستعمل النصوص الدينية لغايات أخرى غير التسلط والقهر  والاستعباد".