راسلت السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، مدير نشر موقع "تقدم"، محمودي صيبوط، من أجل حذف مقال بعنوان "هل تمثل الجزائر فعلا لأفريقيا، ما تمثله الصين للعالم؟!"، بدعوى أن المقال يمثل خرقا للقوانين الناظمة للمشهد الإعلامي وسلطات الضبط الإعلامي والصحافة الإلكترونية بموريتانيا، والحال أن السبب الرئيس لهذا الإجراء الماس بحرية التعبير والصحافة هو الضغوط الكبيرة التي مارسها السفير الجزائري في نواكشوط، خاصة أمام المقال يكشف بوضوح كذب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الصريح، ومزاعمه المثيرة للسخرية، والتي لم يعد يصدقها أحد أمام قوة الأرقام وشفافية الإحصاءات، ما دام وراءها "بروباعاندا القوة الضاربة" المصابة بحمى التفوق، و"الزعامة الوهمية الماحقة والساحقة".
إن إقدام السفير الجزائري على محاولة تكميم الصحافة بموريتانيا على هذا النحو الفج يكشف بالملموس التخبط الذي تعيش فيه دولة الكابرانات، وضيق صدور "القيادة" العسكرية الجزائرية، أمام الفضائح التي تراكمها في مختلف المحافل الدولية..
في ما يلي المقال الذي ظل مدير موقع "تقدم" متمسكا بنشره، دفاعا عن حرية الصحافة والتعبير:
نعلم إنه عنوان مثير للضحك والاستهزاء، ويعلم طلبة القسم الابتدائي أن إجابته القطعية هي النفي طبعا، لكن ماذا نفعل إذا كانت هذه الدعاية الكاذبة، هي أحدث ما جادت به قريحة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في زيارته الأخيرة للصين؟! لكن، ولأن أكاذيب هذا النظام المثيرة للسخرية لا تنتهي، وجب إلقاء بعض الضوء على جملة من الحقائق الرقمية التي لا تجامل أحدا، والتي تبين أن الجزائر من أواخر الدول التي يمكنها التبجح بمثل هذا الادعاء الكاذب، لأن أمامها طابور طويل من الدول الأفريقية التي تستحق الريادة القارية، وإن لم تمتلك “وقاحة” الرئيس تبون للتصريح بمثل هذا الادعاء.
بداية، فقد استحقت الصين مكانتها الحالية بالنسبة للعالم اقتصاديا عبر صادراتها إلى مختلف دوله وقاراته، ووارداتها منها، ناهيك عن استثماراتها في هذه الدول، والقروض التي تقدمها لها. وعليه، فماذا تقدم الجزائر لأفريقيا في هذه المجالات الأربعة؟! من البديهي أن الجزائر التي لا تملك سوى سلعتي النفط والغاز اللتان تذهبان إلى جيران الشمال (إيطاليا، اسبانيا، فرنسا وتركيا)، لن تجد ما تصدره لأفريقيا الغنية بالموارد الأولية والخام أصلا، اللهم باستثناء بعض السكر والكيماويات والأسمدة.
ويقدر مجموع صادرات الجزائر لمختلف دول القارة الأفريقية ما قيمته 1.61 مليار دولار (إحصائيات عام 2021)، من أصل صادراتها الإجمالية المقدرة ب 35.5 مليار دولار، أو أقل من 4.5% من هذه الصادرات. وهي بهذا الحجم تحتل الرتبة 9 أفريقيا بين المصدرين الأفارقة للقارة، متأخرة عن دول ضعيفة اقتصاديا مثل: تنزانيا التي تصدر للدول الأفريقية ما قيمته 2.77 مليارا من أصل مجمل صادراتها التي لا تتجاوز 8.56 مليار دولار؛ كينيا التي تصدر 2.87 مليارا من أصل 7.15 مليارا؛ زمبابوي التي تصدر 2.6 مليارا من أصل 7.5 مليارا؛ بل إنها تصدر أقل من جارتها الأضعف: تونس التي تصدر 1.81 مليارا من أصل 18.8 مليارا. أما غريمها المغرب فهو يتجاوز ضعف صادراتها لأفريقيا (3.2 مليار دولار) من أصل مجمل صادراته البالغة 41.9 مليارا.
ورغم ضعف صادراتها، كان يمكن للجزائر أن تعوض هذا الضعف أفريقيا عبر زيادة وارداتها من القارة، وبالتالي تعزيز صادرات الدول الأفريقية وربطها بها، لكن الأرقام تقول عكس ذلك تماما. فالجزائر لا تستورد سوى قرابة 2.5% من مجموع وارداتها من دول القارة، التي يدعي الرئيس تبون أن بلاده تحتل فيها الريادة!! بمجموع 882 مليون دولار من أصل 34.3 مليارا. هذا الحجم الضعيف الذي لا يؤهل الجزائر لربط أي بلد أفريقي بها، يجعلها بعيدة عن المراكز ال 15 الأولى لأكبر المستوردين الأفارقة من دول قارتهم!
وتزداد هذه الصورة قتامة، ووضوحا، عندما نعلم أن الأرقام السابقة لصادرات الجزائر ذهبت أساسا إلى بلدين، تونس والمغرب (قبل أن يقطع العلاقات معها ويوقف ضخ الغاز إليها في أكتوبر 2021)، وبنسبة تتجاوز 85%، تصبح 93.3% إذا أضفنا موريتانيا ومصر، بشكل يفضح حقيقة أن صادرات الجزائر إلى باقي دول أفريقيا جنوب الصحراء لا تتجاوز 102 مليون دولار فقط، أو ما نسبته 0.29% من مجمل صادراتها للعالم!!
أما وضع وارداتها فهو أكثر كارثية، حيث تستورد في الحقيقة أزيد من 97% من وارداتها الأفريقية من مصر وتونس أساسا، وبدرجة أقل المغرب؛ بمعنى أن وارداتها الحقيقية من دول أفريقيا جنوب الصحراء لا تتعدى 23 مليون دولار من أصل 34.3 مليار دولار أو ما نسبته 0.07%!!! هل يمكن أن تهيمن على أفريقيا بمثل هذه الأرقام يا سيد تبون؟!!
أما استثمارات الجزائر الأفريقية، فلا تتجاوز مرحلة الأماني والنيات الدعائية، عندما أعلن الرئيس تبون مطلع العام، تخصيص مليار دولار من أجل “دعم الجهود التنموية في أفريقيا”، سيتم ضخها في ميزانية الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي. وليس صدفة أن تقتصر الدول التي تم تسريب أنها مستهدفة بهذه الاستثمارات تشترك في كونها داعمة للبوليساريو، ومساندة للأطروحة الجزائرية المعادية للوحدة الترابية المغربية!! مبلغ لا يعادل الاستثمار المغربي الذي ضخّته مؤسسة واحدة (المكتب الشريف للفوسفاط) في مشروعها في نيجيريا أو أثيوبيا!! نفس الأمر ينطبق على القروض، حيث لا يعقل لدولة يشكل دينها الداخلي ما نسبته أزيد من 70% من ناتجها الداخلي الخام (مع دين خارجي بسيط في حدود 3 مليارات دولار) أن تقدم أي قروض أو مساعدات مالية لغيرها من الدول الأفريقية.
خلاصة القول، إن تصريح الرئيس تبون كالعادة، مكانه يوتيوب عند هواة الاستهزاء والضحك من فضائح النظام الجزائري، ولا يجوز تداوله في الأوساط الرصينة، أو التي تمتلك حدا أدنى من الإلمام بالإحصائيات والأرقام الرسمية، المتاحة طبعا وبسهولة عبر الانترنت، والأثر الوحيد الذي يمكن أن تتركه هذه التصريحات المضحكة، هو مزيد من احتقار الشعب الجزائري لسلطته ونظامه، ومزيدا من استخفاف دول العالم، وتحديدا الجوار الأفريقي “بالقوة الجزائرية العظمى!!”.