لماذا دأب العسكر الجزائري على لغة الدم لتصفية المعارضين للنظام؟
النظام الحاكم في الجزائر بنى شرعيته على الدم؛ وهذا النهج يعود إلى ما قبل الاستقلال، أي إلى مرحلة الثورة التحريرية، حيث نفذت اغتيالات سياسية ضد قادة الثورة من الرعيل الأول وضد ضباط؛ خاصة ما كان يحدث على مستوى قيادة الأركان بالقواعد العسكرية الموجودة على الحدود مع تونس شرقا والمغرب غربا.
هذه سياسة اعتمدها النظام الدموي لقمع معارضيه، وتحييد جميع الأصوات المعارضة له.
بعد الاستقلال، شهدت الجزائر اغتيالات سياسية كبيرة أيضا، طالت مسؤولين كبار في الدولة، وطالت المعارضين الذين وقفوا ضد الانقلابيين الذين استولوا على الحكم في صيف 1962، من أمثال العقيد شعباني الذي تم اغتياله في 1964،إلى جانب اغتيال محمد خيدر، الأمين العام جبهة التحرير الوطني. كما اغتيل كريم بلقاسم في فراكفورت، فضلا عن اغتيال الرئيس محمد بوضياف.. وهؤلاء كلهم من قادة الثورة الكبار الذين اغتالهم النظام الجزائري لمعارضتهم للسياسة التي كان ينتهجها هذا الأخير..
هل لازالت لغة سفك دماء المعارضين لنظام العسكري قائمة؟
طبعا، مازالت آلة التصفية الجسدية للمعارضين لم تتوقف عن العمل حتى الآن، لأن النظام الجزائري رأى فيها السبيل الوحيد لإسكات الأصوات التي تبحث عن تغيير حقيقي يؤدي الى انتقال ديمقراطي، بما يضمن بناء دولة جديدة ودولة مؤسسات... لكن نظام العسكر له كلام آخر. كلام مبني على لغة الدم والاغتيالات ضد المعارضين، كلام يرتكز على "إيديولوجيا الدم" التي تمتد لأكثر من 60 سنة...
فالنظام الجزائري يصنف المعارضين الى مستويات؛ هناك معارضون يهددون وجوده كنظام حكم، لذا لا يتردد في محاولة اغتيالهم وإيذائهم. وهناك معارضون آخرون يعتبرهم النظام بأنهم لا يشكلون خطرا عليهم ما يستوجب عدم تصفيتهم...
لقد امتدت آلة الاغتيالات خلال سنوات التسعينات، أي خلال الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر. حيث شهدنا خلالها اغتيالات سياسية طالت سياسيين ونقابيين ومسؤولين سابقين في الدولة، وهنا استحضر اغتيال المدير السابق للأمن العسكري قاصدي مرباح الذي كان رئيسا للحكومة في عهد الرئيس الشاذلي بنجديد، اذ كان اغتياله غامضا، وكذلك اغتيال عبد الحق بنحمودة، الأمين العام لنقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين، واغتيال عبد القادر حشاني أحد قادة حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
من يتحمل مسؤولية هذه الجرائم السياسية في حق أبناء الجزائر؟
كل هذه الاغتيالات، يتحمل مسؤوليتها، بالدرجة الأولى، النظام الحاكم الذي كان يرى في الكثير من الأسماء الجزائرية عدوا ينبغي القضاء عليه، خاصة تلك التي كانت لها نظرة أخرى للجزائر ولمستقبلها، وكانت تسعى الى ما يخدم الجزائر، أي بناء دولة ديمقراطية قوية، ولن يتأتى ذلك الا ببناء دولة مدنية.. غير أن النظام الذي يرى في هذه الدعاوى مسا بشرعيته يعتبر أن اغتيالهم هو الحل الأوحد لإسكات البقية، بل حلا لإقبار الأفكار التي تسعى إلى إسقاط هذا النظام الذي يتبنى عقلية الأساليب الإجرامية.
إن هذه الاغتيالات التي شهدتها الجزائر لا تتم فقط داخل الجزائر، بل حتى خارجها، والكثير من الأسماء سقط في الخارج، مثل كريم بلقاسم في ألمانيا، وخيدر في اسبانيا..
ماذا عن النظام الحالي القائم اليوم؟
النظام الجزائري، في الوقت الحالي، لم يشذ عن هذه المرجعية المبنية على الاغتيالات وتهديد الأصوات المعارضة له بالقتل، ذلك أن الأصوات المعارضة التي تطالب بالتغيير وتغيير نظام الحكم تلقت تهديدات صريحة من طرف جهات تعبر عن ولائها للنظام الحالي، وهذا ما يؤكد أن سياسة الاغتيالات التي نهجها النظام خلال القرن الماضي، مازالت سارية المفعول في الوقت الحالي. وقد تطال بعض الأسماء المعروفة، الآن، على المستوى الإعلامي كأصوات معارضة لهذا النظام.. والغاية من هذه السياسة القذرة هي إسكات الأصوات التي تسعى إلى توعية الشعب الجزائري، وزرع وعي سياسي في صفوفه، في أفق تشكيل قوة سياسية مناهضة للنظام الحاكم، لإحداث التغير الذي ينشده الشعب لبناء دولة مدنية.