ادريس المغلشي: سيدتي عمدة مراكش.. لقد طال الإنتظار (2)

ادريس المغلشي: سيدتي عمدة مراكش.. لقد طال الإنتظار (2) ادريس المغلشي
سيدتي العمدة كما تعلمين المسؤولية ليست نزهة في أروقة راقية توزع فيها التزكيات والهدايا، كما توزع الأوامر والتعليمات؛ ولاتبنى القرارت من خلال أبراج عاجية بعيدة عن الواقع. مراكش ليست وجهة سياحية فحسب ولايمكن أن تشكل لوحدها عنصرا تبنى عليه جميع الرهانات، مشكلتنا أننا لانستفيد من الدروس التي تمر أمامنا في لحظة الحاجة والضيق. كمثال واضح (كورونا) التي كانت درسا قاسيا وبليغا. بقدر ما نجحنا في تخطيها فشلنا في استخلاص العبر منه والأفكار المهمة خصوصا في مجال السياحة. رغم أهميتها، لم نستطع أن نؤسس لمشاريع أخرى تسند هذا القطاع وتدعمه، الذي بقي يعاني لوحده في صمت من سوء التسيير والفوضى، وظهر جليا أن القطاع هش تعتريه كثير من الإختلالات .

السيدة العمدة أعلم جيدا أن مجال التحدي كبير، وكنا نراهن معكم على بوادر التغيير المطمئنة حتى تستفيد باقي المناطق المهمشة من تأهيل يجعلها تحظى بعناية مماثلة، ونعلن من خلالها انتماءنا لهذه الرقعة الجغرافية، وليس شعارا فقط أو اعتبار الساكنة احتياطا انتخابيا لا نلتفت إليه إلا في وقت الحاجة إلى دوره ،وحتى لايفرض علينا العيش في الهامش من أجل تأثيث صورة تسويقية بئيسة. نعتقد أن الاقتصاد يبنى على تأهيل الإنسان ليصبح فاعلا ايجابيا فيه ويستفيد منه. لا أن يكون إحدى أدواته التي تقذف جانبا عند انتهاء صلاحيته. السياسة الحالية نجحت في أمر واحد بامتياز. إنها شكلت عنوانا بارزا لمرحلة عنوانها: نحن والآخرون طبقات ومراتب.

 وصدق فينا قول الشاعر فؤاد نجم (هما مين واحنا مين ). الخدمات متفاوتة ولا مجال للمقارنة مع وجود الفارق أن انتشار وحدات القطاع السياحي بشكل فوضوي غير مؤسس على نظام الهيكلة والتخصص قد أفضى لكثير من النكسات والضياع. ترامى البنيان في أطراف المدينة حتى غطت معالمه كل الحقول والضيعات. لم يعد مناخ المدينة الذي كنا إلى عهد قريب نتباهى به يغري الزوار بعدما لوثته السياسات المتعاقبة. زحف الإسمنت المسلح مؤخرا  على كل المناحي والضواحي  الخضراء. وأصبحنا في مدينة بدون هوية ولا مستقبل.

سيدتي العمدة ..! دعك من المطبلين الذين يتقاضون المقابل ليؤدوا خدمة تلميع الصورة لأسيادهم . ويعطلون بذلك التغيير المأمول والمنتظر، وما أكثرهم في الساحة حتى غطوا عين الشمس كما يقال ..! حقيقة واقع التدبير لاتخفى على أحد كثير من تصرفات المسؤولين مهما تم إخفاؤها تفضحها طريقة تدبيرهم ونواياهم . مايستفز حقيقة التعالي في الخطاب والمناورة في المقاربة والتسويف في الكلام وكلها امور تضحي بعنصر الثقة في العمل السياسي . 

على هامش زيارتكم لأسواق المدينة العتيقة ، ظهر شاب بلباسه الأنيق ماسكا آلة تصوير وهو يتكلم بلغة موليير الراقية التي تضم كثير من المصطلحات وقد بالغ في المدح والإطراء، في حوار متقطع تارة معكم واخرى مع السيد الوالي ، يتساءل البعض عن سبب الزيارة وماهي دواعي حوار ركب الفانتازيا من طرف الشاب الوسيم وهو يحاوركم  منبهرا بتواضعكم وأنت تتفقدين هذا القطاع الذي استقبلكم ببساطة وعفوية الصناع. وكيف يستطيعون أن يبرزوا كرم ونخوة أهل مراكش مهما "وصلت فيهم للعظم ". اعتبر محاوركم زيارتكم لهم منحة إلاهية ومنة ربانية، وكيف أصبح القيام بالواجب وتفقد أحوال القطاعات والسماع لشكواهم وتلبية حاجياتهم ومطالبهم مرفوقة بالتطبيل والتهليل، وهي أمور عادية روتينية لاتستحق هذه البهرجة التي تفسد مثل هذه الصور . كيف يمكن تأهيل وتشجيع الصناع المحليين من أجل رواج اقتصادي حقيقي دون اللجوء إلى منطق التسول والطلب. فهم حراس الرصيد الثقافي والضامنون  لبقاء إرثنا الحضاري الذي يعتبر الحافز الرئيسي للسياحة بكل أنواعها و يدفع الكثير تلبية للفضول  للوقوف على حقيقته .

 سيدتي العمدة ...الصناع التقليديون كما تعلمين  لايملكون سوى عزة النفس والكرامة والكفاف والغنى عن الناس. بل سر بقائهم التكافل والتعاضد وهي أمور جوهرية لاتخفى على المهتمين بالشأن الإجتماعي لأسواق المدينة العتيقة. في هذه الأجواء أثارني حدث كشف حقيقة بعض المسؤولين ، بمناسبة انعقاد دورة عادية  بغرفة الصناعة التقليدية من طرف رئيسها، الذي لايفرق بين فضاء عام وغرفة نومه وقد سخر زبانيته لتطوق أحد الصناع وتحتجزه لمدة، متوعدينه بطريقة لاتخلو من بلطجية وكلام سوقي .المتتبعون يشيرون بأصابع الاتهام للسيد الرئيس من خلال تعامل لامسؤول اتجاه الصناع الذين صوتوا عليه فكان الجزاء أهانتهم والتنقيص منهم مما يعاكس الصورة الأولى التي سقناها للعمدة وهي تقوم بزيارتها للسوق . مثالا في تناقض صارخ وواضح، زيارة تفقدية، رغم المؤاخذات ونموذج لايؤمن بالحوار ولا الديمقراطية، بعدما احتل موقع المسؤولية بطريقة يعرفها القاصي والداني يبدو أنه مناخ عام لاتعدو الواقعة التي استنكرها الجميع والتي شهدتها غرفة الصناعة التقليدية جزء منه. فعلا نحن في أزمة بنيوية في التسيير نتج عنها  تقويض معالم غنى وثراء مدينة عريقة تعاني في صمت،  وتنتظر من ينقذها من هذه الوضعية المتردية، لتحتل مكانتها اللائقة.