الغضب تخلل الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها فرنسا في الأيام الأخيرة وصل إلى مستوى كبير من العنف من خلال استهداف رموز الدولة ومؤسساتها بعد محاولة احراق منزل رئيس بلدية، يوم الأحد الماضي في حادث لقي تنديدا واسعا، مما يجعل الحكومة أمام أزمة مفتوحة، ورغم التهديدات التي تقوم بها الحكومة والتي تعلن تعبئة كل قوات الأمن وكل قدراتها، فإن العنف مستمر وينتشر من مدينة إلى أخرى رغم تراجعه الليلة الماضية ورغم اعتقال حوالي 3000 شخص وإدانة حوالي 120 منهم بالسجن النافد.
ومع تزايد الهجمات على رؤساء البلديات ومسؤولين منتخبين في فرنسا، أكدت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن أن الحكومة "لن تتسامح مع أي عنف" وأنه سيتم تطبيق "أقصى درجات الحزم" في العقوبات.
ومس العنف العديد من مؤسسات الدولية وحسب وزارة الداخلية فقد تم استهداف عشرة مراكز شرطة وعشر ثكنات للدرك بالإضافة الى مدارس وبلديات قبل ان ينتقل التخريب إلى نهب المتاجر بمختلف اشكالها. كما تعرضت العديد من المدن في الليالي الماضية إلى أعمال شغب ونهب وتخريب وقدرت الخسائر حتى الساعة الى 200 مليون يورو وهو رقم يتجاوز الخسائر التي شهدتها فرنسا في احتجاجات سنة 2005.
دوامة العنف هذه توقعها العديد من المتتبعين لقضايا الأحياء الشعبية بفرنسا والتي تجمع كل أشكال الفقر والتهميش بكل أنواعه وغياب استثمار الدولة في هذه المناطق. وازدادت أزمة هذه الاحياء بفعل التضخم التي أحدثته الحرب الأكرانية الروسية بالإضافة إلى سلوكيات الأمن الفرنسي في هذه الأحياء وتعامله التمييزي والعنصري ضد هذه الأقليات التي تتعرض لمراقبة الهوية باستمرار حسب الأرقام التي نشرتها المنظمات الحقوقية.
هذا بالإضافة إلى وقف سياسة المدينة من طرف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، حيث مكنت هذه السياسة في السنوات الماضية من إعادة تحديث العديد من الاحياء الهامشية وخلقت فرصا لشغل، وهي سياسة تتعرض بانتظام لانتقادات اليمين المتطرف، ايريك زمور أحد اقطابه يزعم ان الدولة الفرنسية تهتم بهذه الأحياء أكثر من القرى الفرنسية.
بعض الصحف الفرنسية مثل مجلة الاوبس قالت أنه لا بد من الجرأة وقول الحقيقة، وهي أنه بفرنسا هناك عنصرية بمؤسسة الشرطة، وأنه لا يمكن لفرنسا الاستمرار في انكار هذا الواقع إذا ارادت حل مشكلة الأحياء الهامشية.
وتعتبر عمليات العنف والنهب والتدمير التي تمس المصالح القليلة التي توجد بهذه الأحياء سلوكا غير مفهوم من باقي الفرنسيين لعجزهم عن فهم وضع التهميش والعنصرية والميز الذي يعيشه شباب هذه الاحياء من أصول أجنبية. لهذا، فإن أي تجاوز لشرطة كما وقع يوم الثلاثاء الماضي، خاصة بعد كذب الشرطة في البداية حول هذا الحدث المأساوي حيث تحدثت عن شرطي في حالة دفاع عن النفس قبل ان يتبين من خلال الفديو إنه ما قيل من طرف المؤسسة ومسؤوليها هو كذب، وهو كذب يزيد من فقدان الثقة في هذه المؤسسة سواء من طرف هؤلاء الشباب او من طرف كل المواطنين. وذلك للجوء هذا الجهاز الى الكذب والتستر على التجاوزات الغير القانونية لبعض افراد هذا الجهاز الذي تتفشى فهي العنصرية كمتا ذكرت ذلك عدة منظمات فرنسية مثل ايس أو ايس راسيزم.
اليوم هذا العنف وهذا التدبير السيء للازمة، والهروب إلى الأمام من خلال القبضة الحديدية حيث يتم باعتقال حوالي مئات المراهقين كل ليلة، هي عوامل لن تساعد الحكومة على وقف هذا العنف، وحتى إن تم سيكون بشكل مؤقت لينفجر في أقرب فرصة. بالإضافة الى الانعكاسات السلبية الكبيرة على صورة فرنسا في الخارج.
ورغم مرور ستة أيام والحديث عن الانتشار المستمر لقوات الأمن، ورغم حملة الاعتقالات الواسعة، فإن الازمة مستمرة رغم تراجع حدتها.
في ظل أعمال العنف، وهو الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الغاء زيارة الدولة إلى ألمانيا، كان من المقرر أن تبدأ الأحد وتستمر ليومين، بعدما اختصر أيضا مشاركته في قمة للاتحاد الأوروبي استضافتها بروكسل الجمعة.
كما قامت عدة دول بتحديث نصائح السفر لرعاياها الى فرنسا، ودعتهم الى تجنب زيارة المناطق التي تشهد أعمال شغب وهو ما قامت به بريطانيا، إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية والصين مما جعل فرنسا تشعر بالإهانة خاصة أن بلدان مثل ايران والجزائر طالبتها بالكف عن استعمال القوة المفرطة ضد مواطنيها.
كما أن السلطات الفرنسية مترددة في اللجوء إلى حال الطوارئ في البلاد وهي مسألة تلقى متابعة حثيثة في الخارج خصوصا أن فرنسا تستضيف في الخريف كأس العالم للركبي ومن ثم دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس في 2024. ويسمح فرض حالة الطوارئ للسلطات الإدارية باتخاذ إجراءات استثنائية مثل منع التجول.
كما أن مسؤولي قطاع السياحة بدأوا يشتكون من إلغاء الحجوزات بسبب صور العنف التي نقلتها مختلف القنوات الدولية عن الوضع في عدد كبير من مدن فرنسا. إثر مقتل الشاب نائل (17 عاما) الثلاثاء برصاص شرطي خلال عملية مراقبة مرور.
فهل تخرج فرنسا من دوامة العنف وهل ستجد فرنسا حلولا حقيقية بهذه الأزمة من خلال معالجة جذور هذه الأزمة.