الخراب الذي تعرضت له العديد من المدن الفرنسية بسبب التظاهرات العنيفة التي شهدتها عدد من المدن من طرف شباب غاضب وصغار في السن تستمر لليلة الخامسة على التوالي ومست ليلة السبت جادة الشانزلزيه مركز التسوق والاستهلاك بفرنسا. وهو ما يعني ان كل التعزيزات التي اعنتها اللحكومة الفرنسية في الأيام الأخيرة لم تجدي في وقف الاحتجاج والعنف. هذه الاحداث التي بدأت بعد مقتل الفتى نائل البالغ من العمر 17 عاما برصاص شرطي أثناء عملية مراقبة للمرور في مدينة نانتير التي توجد بضاحية العاصمة. وهو ما جعل العديد من ضواحي باريس ومدن أخرى تشتعل بالعنف والتخريب. واستهداف العنف مدارس ومراكز للشرطة البلدية ومراكز تابعة للبلديات ومراكز اجتماعية وحافلات وعربات الترام ومراكز تجارية ومقر المقاولات.
وذلك بعد ان انتشر فيديو عملية القتل عبر شبكات التواصل الاجتماعي حيث اعتبر هؤلاء الشباب هذه العملية بمثابة "اعدام". وهو ما جعل الداخلية تنشر أكثر من 45 ألف من عناصر الشرطة والدرك والمصفحات، واقفال العديد من مراكز المدن بالليل وهو ما يجعل عدد من المدن تعيش تحت حالة الطوارئ وذلك دون إعلانها قانونيا، وهو امر هددت الوزير الأولى اليزابيت بورن باللجوء اليه في حالة استمرار العنف.
هذا الحادث المأساوي وهو قتل شاب من طرف شرطي في عملية مراقبة مرور روتينية، اعادت الى الواجهة صورة الشرطة الفرنسية التي يعتبرها البعض "الأعنف في العالم"، ولم تتردد المفوضية الأممية في اتهام شرطة فرنسا بالعنصرية، وهو ما اعتبرته الخارجية الفرنسية انه امر لا أساس له من الصحة. قالت أم الضحية منية، والدة نائل، لقناة فرانس 5، إن الشرطي "رأى فتى عربيا، فتى صغيرا، ورغب في التخلص منه". وهو تعليق يلخص العلاقة بين شباب الضواحي الفرنسية من أصول اجنبية وبين جهاز الشرطة. وحول هذا الجهاز قالت الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رافينا شمداساني خلال مؤتمر صحافي في جنيف الجمعة الماضية «حان الوقت ليعالج هذا البلد بجدية مشاكل العنصرية والتمييز العنصري المتجذرة في صفوف قوات الأمن". وأضافت مجموعة من النصائح لباريس في تدبير وضعية الشغب بقولها "ندعو السلطات الفرنسية على الدوام لضمان أن تحترم الشرطة لدى استخدامها القوة مبادئ المساواة والضرورة والتناسب وعدم التمييز والحذر والمساءلة، لدى تعاملها مع العناصر المسببة للعنف خلال التظاهرات".
وهو الامر الذي تتقف معه العديد من الجمعيات الحقوقية حتى الفرنسية حول سلوكات قوات الامن بهذا البلد واختراقها من طرف نقابات عنصرية. جمعية "ايس اوايس راسيزم"المناهضة للعنصرية نبهت لما يحدث وسط جهاز الشرطة، التي تعتبر جهازا مؤثرا وقويا على الحكومة ولا أحد يجرؤ على المطالبة بإصلاحه وتكوين افراده مهنيا.
الحكومة الفرنسية بالطبع تنفي هذه الوقائع ورئيس ايمانويل ماكرون اعتبر ان ما حدث هو بسبب مسؤوليات الاسر وشبكات التواصل الاجتماعي. التي طلب منها حذف مشاهد الشغب "الحساسة".
ورغم هذه التقارير الدولية والمحلية حول عنف هذا الجهاز لا أحد تحدث عن ضرورة اصلاح القوانين المنظمة لاستعمال القوة العمومية واو اصلاح هذا الجهاز بفرنسا. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اختصر زيارة لبروكسل الجمعة لعقد ثاني اجتماع أزمة لوزرائه، أعلن عن نشر قوات أمنية إضافية للسيطرة على أعمال الشغب، فيما أعلنت رئيسة الحكومة عن نشر مركبات مدرعة. كما اضطر الرئيس الى الغاء زيارته الرسمية الى المانيا التي كانت ستبدأ يوم الاحد وتدوم تلاث أيام.
هذه الاحداث المأساوية وحالت الشغب التي عاشتها العديد من المدن الفرنسية منها سان دوني،مرسيليا، ستارسبورغ، ليون ، تولوز وليل وعدد من المدن الكبرى لطخت صورة فرنسا على المستوى الدولي، ودفعها الى الغاء العديد من التظاهرات بمختلف المدن واقفال بعضها في المساء. حيث تنشط السياحة في العديد من المدن الفرنسية خاصة في المساء.
حالة الطوارئ تتم في عدد من المدن وهو ما رفضت الإعلان عنه حتى الان رئيسة الحكومة اليزابيت بورن،وهو ما يسمح للحكومة باتخاذ تدابير استثنائية مثل منع التجول وهو ما تم اللجوء اليه في الماضي خلال التظاهرات التي مست الضواحي في نوفمبر 2005 بعد 10 أيام من أعمال شغب في الضواحي اندلعت إثر وفاة اثنين من المراهقين صعقا بالكهرباء بعد اختبائهما في مولد كهربائي هربا وخوفا من الشرطة.
الرئيس الفرنسي يجد نفسه امام امتحان جديد، واما اشتعال المدن الفرنسية بسبب سلوك الشرطة، فهل سيخرج من هذا المعضلة وهل سيجد الكلمات المناسبة، ام ان احداث العنف سوف تستمر وسوف تعصف بالقليل من الثقة التي يتمتع بها خاصة لدى الراي العام المحافظ ولدى المسنين التي يعتبر الامن أحد أكبر انشغالاتهم.
للخروج من مختلف الازمات التي عاشتها فرنسا اعتمد ماكرون على الشرطة، سواء في مواجهة احتجاجات السترات الصفراء التي شهدت عنفا استثنائيا، في تطبيق حالة الاستثناء اثناء جائحة كورونا وفي مواجهة المحتجين ضد اصلاح نظام التقاعد. فهل تنقده الشرطة مرة أخرى من هذه المعضلة ام ان هذه الاحداث التي مازالت في بدايتها سوف تعصف بالحكومة وبالثقة في الرئيس.