"الجهاد الإسلامي" سلاح أمريكي ضد الخصوم والحلفاء !

"الجهاد الإسلامي" سلاح أمريكي ضد الخصوم والحلفاء ! صورة أرشيفية
ماذا بعد أن انكشفت خدعة "الجهاد الإسلامي"، وثبت بالملموس، وعلى أعلى مستوى، أن هذا الجهاد ما هو إلا تجنيد أمريكي لدول عربية وإسلامية بعينها، السعودية ومصر وباكستان، من أجل استعمال المتشددين الإسلاميين ضد الاتحاد السوفياتي؟
لقد سبق لولي العهد السعودي أن كشف لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، قبل أكثر من خمس سنوات (مارس 2018)، أن استثمار بلاده في نشر الوهابية كان بطلب من الحلفاء خلال فترة الحرب الباردة بهدف منع الاتحاد السوفييتي من التغلغل أو كسب نفوذ في دول العالم الإسلامي. وهو ما يؤكد، بما يدع أي مجال للشك، أن "الجهاد الإسلامي" مجرد "أكذوبة"، وأن "الصحوة الإسلامية" مجرد توظيف "حربي" للإسلام خدمة لمصالح دولة "اليانكي"!
وحسب مجموعة من التقارير، فإن صفقة "الجهاد الإسلامي" مع كل من السعودية ومصر وباكستان بدأت في دجنبر 1979 عندما أقر مجلس الأمن القومي الأمريكي خطة بعنوان "الجهاد في أفغانستان ضد الإلحاد" وضع تفاصيلها زبيغينيو بريجنسكي، وهو مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق جيمى كارتر لشؤون الأمن القومي. وما إن وافق المجلس على الخطة حتى بدأ المستشار بريجنسكى جولة فى الشرق الأوسط لإقناع قادة الدول الإسلامية المعنية بخطته (الملك خالد بن فيصل، الرئيس أنور السادات، الرئيس ضياء الحق)، داعيا هؤلاء القادة إلى  لعب دور قيادى فى مخطط الحرب ضد الاتحاد السوفياتى "الملحد" الذى غزا دولة إسلامية (أفغانستان).
وإذا كانت السعودية قد تكلفت بتوفير التمويل المالي للمخطط الذي يقضي بتحويل أفغاستان إلى وجهة جهادية للإسلاميين، فإن بريجنسكى ركز، في لقائه مع الرئيس المصري أنور السادات، كما يقول محمد حسنين هيكل صاحب كتاب "نحن وأمريكا"،  على أن كلا من الأزهر والإخوان المسلمين سيكون لهما دورا كبيراً في الحرب ضد السوفييت، موضحا أن أهمية دور الأزهر ترجع لكونه المرجعية المقبولة من المسلمين، بالإضافة إلى أن كبار قيادات الجهاد في أفغانستان هم من خريجي كليات الأزهر وتربطهم به علاقات وثيقة (مثال ذلك برهان الدين ربانى، وعبد رسول سياف).
وأضاف بريجنسكى أن دور الإخوان المسلمين ربما يكون أكثر أهمية من دور الأزهر، خصوصا أن لهم فروعا تابعة لهم في معظم الدول الإسلامية، بالإضافة إلى أن أكبر القيادات فى أفغانستان ينتمون إلى جماعة الإخوان (مثل القيادى الشهير عبد الله عزام مثلا).
 وشدد بريجنسكى على ضرورة التنسيق بين الأزهر والإخوان، وطلب من  السادات أن يقوم بمهمة توحيد الجهود المشتركة لهما، وفسر بريجنسكى ذلك باعتبار أن السادات يملك سلطانا على الأزهر، ولأنه من جهة أخرى تربطه علاقات طيبة بقيادات الإخوان.. 
لقد استطاعت أمريكا تجنيد قادة دول تعتبر الأبرز في معادلة "الإسلام"، ونجحت في إطلاق تلك "الصناعة الجهادية" التي أنتجت ملالي "الطالبان"، والأفغان العرب، و"القاعدة" و"عبد الله عزام" و"أسامة بن لادن" و"أيمن الظواهري" و"أبو مصعب الزرقاوي" و"أبو بكر البغدادي" و"القاعدة" و"داعش" وتتمة المسمّيات والأسماء للتنظيمات الجهادية في سوريا والعراق ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، ونيجيريا ومالي والنيجر.. إلخ، وهي التنظيمات التي "ابتكرتها" أمريكا، وتسوقها للعالم باعتبارها "الأذرع الشيطانية" التي على الجميع العمل على بترها. بل إنها دأبت على إنتاج خطاب دعائي يجعل منها رائدة للحرب على الإرهاب، وأنها الجندي الأول الذي يبذل روحه ودماءه من أجل ملاحقة الإرهابيين.  والحال أن مخطط بريجنسكي يكشف أمام الجميع أن واشنطن تتعامل مع "الإرهاب" (السلاح الذي صنعته وخططت لاستعماله) من وجهة نظر براغماتية وانتهازية وحربية، وأنها استعملت نفوذها لإلحاق قادة دول بمخططها، مثل أي سلاح قد تضعه على عنق أي منافس أو عدو محتمل، بما في ذلك الدول الحليفة لسياساتها. 
إن مخطط "الجهادي" لبريجنسكي، الذي كُرِّسَت له مبالغ مالية للمساهمة في تدريب المقاتلين وتزويدهم بالسلاح والأدوية والسلع الغذائية، مجرد تجارة وأرباح وخسارة (ولنا في صواريخ ستنيغر خير دليل، وهي الصواريخ التي كانت تعبر عن الدعم اللوجستيكي الأمريكي للحركة الجهادية). وهذا ما يكشفه ضابط الاستخبارات الأمريكية المركزية، روبرت باير، في كتابه "النوم مع الشيطان"، حيث أكد أن الإخوان المسلمين كانوا  "المفرخة" الأولى للمقاتلين فى أفغانستان، قبل أن تنجح أموال "الوهابية" في نقل 35 ألف مقاتل من 43 دولة عربية، بما فيها الدول المغاربية، إلى أفغانستان، بعد إنتاج  ما يزيد عن 300 فتوى اتفقت كلها على فريضة الجهاد بالمال والنفس في أفغانستان! وهذا هو الدور الذي أنيط بشيوخ الوهابية وفقهائهم، من أمثال عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين، وشيوخ مستقلين وأكاديميين ودعاة ووعاظ كانوا كلهم محاطون بأموال البترول التي كانت تغدق عليهم بسخاء.
وتبعا لذلك، فإن "الجهاد الإسلامي" في أفغانستان، الذي أنتج لنا السلفيين الجهاديين والمقاتلين الإرهابيين، ما هو إلا برنامج عسكري أمريكي. كما أن شيوخ الحركات الجهادية ومنظريهم  ما هم في حقيقة الأمر إلا أبواق للدعاية الأمريكية، وأوراق لإعلان النفير ما زالت تُخْلَطُ، حتى الآن بإتقان، من أجل إنجاح "انتهازية أمريكا" التي جَرَّت دول عربية إلى أتون نار ما زالت تحرق الجميع، فضلا عن إحكامها السيطرة على تنظيمات إسلامية واسعة الانتشار (جماعة الإخوان المسلمين نموذجا).
إن "الجهاد الإسلامي" ما هو، في الأجندة الأمريكية، إلا سلاح حربي وإيديولوجي استنفذت غرضها الأول منه، لكنها لم تتخلص منه نهائيا، بل خططت لاستعماله ضد دول وحكومات، بما فيها الدول الحليفة، مما يؤكد أن هذا "الجهاد"، بمجرد التأمل في تفاصيله، ينتمي إلى "الثقافة الاستهلاكية" للمجتمع الأمركي، وأنه يخضع لإعادة التدوير لاستعماله  ضد زعماء، وضد حركات، وضد حكومات، وضد منظومات اجتماعية وسياسية واقتصادية، قبل التخلص منه ورميه في مزبلة التاريخ!