يونس التايب: هو عيد الأضحى وليس شيئا آخر ...!

يونس التايب: هو عيد الأضحى وليس شيئا آخر ...! يونس التايب
ما أعرفه هو أن الدين الإسلامي ليس فيه شيء يختزل عيد الأضحى في مسألة "ذبح الأضحية". لذلك، رغم ما بذلته من جهد لاستيعاب معاني التركيز التواصلي الذي يواكب العيد بالحديث عن الخروف، عن سعره ونوعه والكميات المتوفرة محليا أو المستوردة، بشكل يفرغ الشعيرة من دلالاتها وروحانيتها، لكنني فشلت في استيعاب معنى ما يجري من سجال يكاد لا يتوقف، حول أسعار الخرفان ومصدرها.
لا شك أن موضوع أضحية العيد، محسوم فيه من الناحية الشرعية باتفاق العلماء. لكن قدرنا أن يتجدد الخوض في الموضوع بشكل "دراماتيكي" ينتصر للبعد المادي في المسألة، بروح سلبية فيها كثير من المغالاة.
وقد نكون من أكثر المجتمعات التي تتناول الموضوع بطريقة تواصلية بعيدة عن الجوهر الديني الذي يحيل على التدبر والصبر والعطاء والفرح. وهنا، لابد من طرح أسئلة من باب التذكير والتنبيه:
- هل يوجد شيء يلزم الإنسان بشراء أضحية العيد، إذا كان ثمنها يتجاوز إمكانياته و ظروفه المادية ؟؟ طبعا، لا ...
- هل يعتبر "ذبح الأضحية" فرض عين على كل مسلم، وممارسته واجبة لا يتم الدين إلا بها، وعليه يجب على كل مسلم القيام بها حتى يتم تدينه...؟ طبعا، لا ...
- من الناحية الشرعية الصرفة، أليس قيام ولي الأمر بذبح أضحية العيد نيابة عن أبناء الأمة، كاف و فيه تمام الأجر و الثواب للجميع؟ بالتأكيد، نعم ...
- لماذا، إذن، كل هذه "الجذبة" الجارية منذ شهر، بخصوص موضوع شراء أضحية العيد، وما معنى ما نراه من شكاوى من ارتفاع أسعار الخروف التي انخرط فيها الجميع، بينما المسلم معفي إذا لم يتوفر له ثمن الأضحية ؟
- لماذا تصر غالبية المواقع الإلكترونية و القنوات التلفزية، على اجترار نفس الروبورطاجات من الأسواق، مع تركيز الحديث حول أثمنة الأضحية، شكلها و وزنها و نوع فصيلتها، عوض تنبيه الناس وتذكيرهم بأن جوهر شعيرة عيد الأضحى يكمن في قيم التضامن و التضحية، والصبر على كل حال، وإكثار العطاء للفقراء والأيتام و المحرومين ...؟؟
- لماذا نغفل عن القيم الإنسانية السامية التي لأجلها يحتفل المسلمون بعيد الأضحى، في مقابل ديناميكية تواصلية ممنهجة تدفع تفكير الناس نحو الشق المادي المرتبط بالخروف ولحوم الأضاحي؟
- لماذا نضيع، كل سنة، أسابيع وأيام في كثرة "الهضرة" بشأن مسألة محلولة على أساس ديني واضح، ملخصها "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" ...؟
- لماذا لا يتم التركيز على تذكير المواطنين بأن عيد الأضحى هو فرصة سنوية رائعة ليسارع الأغنياء بمساعدة المحتاجين و الأرامل و الأيتام و الفقراء، إما بدعمهم جزئيا لشراء أضاحي، أو بتقاسم لحوم الأضحية عبر صيغ تضامنية متعددة، يمكن أن تتم مباشرة في الأحياء السكنية أو عبر جمعيات إحسانية تدعم الأسر في وضعية هشاشة و الأيتام؟
لقد قضينا أشهرا صعبة، منذ نهاية سنة 2022، عانت فيها الأسر من ارتفاع الأسعار، واستمرت أولويات متنوعة يفرضها الواقع (مصاريف التطبيب / مصاريف المدرسة / واجبات مختلفة)، تحتاج منا أن نركز تواصلنا حولها، عوض نشر ثقافة استهلاكية أفرغت شعيرة عيد الأضحى من قيمها، وركزت التفكير على الأضحية، وزادت من الضغوط لاستيراد الماشية، حتى وصلنا إلى دعم مستوردين مفترضين، رغم أننا نعلم أن ما سيستوردونه لن يؤثر في مستوى أسعار الخروف إذا استمر عبث المضاربين والسماسرة و"الشناقة" في الأسواق.
في رأيي، من الناحية الشرعية، من استطاع إلى الخروف سبيلا، الله يبارك له فيه وبالصحة والعافية، وهنيئا له تأدية الشعيرة وأكل أضحيته. ومن لم يستطع توفير ثمن شراء أضحية العيد، بإمكانه أن يسعى للأجر والثواب من أبواب أخرى ولا حرج عليه.
أما من الناحية الاقتصادية، إذا كانت أسعار أضحية العيد مرتفعة وأثر ذلك في مستوى الطلب، أكيد سيكون ذلك إيجابي لأنه يوفر عرضا كافيا من رؤوس الأغنام، خلال الأشهر القادمة من السنة، و يحافظ بذلك على استقرار أثمنة اللحوم.
ما من شك أن التركيز على موضوع الأسعار مرتبط بهشاشة الوضع الاجتماعي الذي لا حل له سوى بتدابير وسياسات عمومية وبرامج هادفة، تمكن من تطوير نسبة النمو وخلق فرص شغل أكبر. لكن، بموازاة ذلك، يتعين العودة إلى ما تتيحه قيم التضامن المجتمعي التي توحد الناس حول الأهم الذي هو أن عيد الأضحى أكبر من مجرد ذبح شاة.
ولعل ذاكرة كثير من الناس، تحمل صورا عن أيام كانت تجتمع فيها أسر كثيرة، في الأحياء والقرى، لتحضر ذبح أضحية ببهيمة واحدة، يتقاسم الجميع ما تيسر من لحمها، وهم سعداء لأنهم نجحوا في تدبير إمكانياتهم المحدودة بشكل تضامني يعين على استدامة القدرة على الصمود أمام مشاكل الواقع.
بالتأكيد، إن تعقد الوضع الاقتصادي في العالم وازدياد المشاكل بسبب سطوة ليبرالية عنيفة تتقوى حدتها، يجب أن يدفعنا إلى استلهام القيم التي تنبعث من أصالة المجتمع المغربي، بما فيها من سلوكات راقية تحث على النبل الإنساني وزرع الروح الطيبة بين الناس، بما يمكن أن يعيننا على الصمود الجماعي حتى تظل الدولة قوية ويصير المجتمع أقوى. لذلك، من الحكمة تركيز الجهود لإيجاد حلول للمشاكل والتحديات الكثيرة المطروحة، عوض ما يتم من تأزيم للوضع النفسي للأسر بسبب عيد الأضحى الذي يريد البعض اختزاله في "شراء خروف"، بينما لم تكن "الأضحية" يوما هي المنتهى والمأمول من تدين الأمة المغربية وكل المجتمعات الإسلامية.