الفاعل الحقوقي محمد حمضي يتذكر انتفاضة 20 يونيو 1981

الفاعل الحقوقي محمد حمضي يتذكر انتفاضة 20 يونيو 1981 محمد حمضي ومشهد من انتفاضة 20 يونيو 1981
في مثل هذا اليوم ( 20 يونيو ) من سنة 1981 (42 سنة ) لعلع الرصاص بمدينة الدار البيضاء التي استجابت فيها الطبقة العاملة المغربية وعموم المواطنات والمواطنين كباقي ربوع الوطن ، لدعوة الاضراب العام الذي نادت بخوضه المركزية النقابية، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بعد أقل من ثلاثة سنوات على تأسيسها ، احتجاجا على قصف الحكومة جيوب المغاربة بإعلان زيادات صاروخية في أثمنة مواد غذائية حضورها أساسي فوق موائد الفقراء .
    - ولأنني كنت شاهدا على الكثير من تفاصيل هذا اليوم المشهود ، وأنا طالب بالرباط ، ارتأيت بمناسبة حلول الذكرى 42 للانتفاضة المجيدة ، الكشف عن بعض التفاصيل يمر شريطها  اليوم أمام عيني وكأنها حدثت بالأمس.....
قبل أقل من أسبوع على يوم السبت 20 حزيران ، كنت حاضرا بمقر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ( 10، زنقة فاطمة الفهرية ، ديور الجامع ، الرباط ) متابعا لأشغال الندوة الصحفية التي أجاب فيها الزعيم النقابي محمد نوبير الأموي ( رحمه الله برحماته الواسعة  ) على أسئلة الصحفيين . ولا زال عالقا بذاكرتي جوابه عن سؤال من صحافي، جاء بالصيغة التالية " ماذا سيكون موقف المركزية النقابية اذا تعنتت الحكومة ، ولم تتراجع عن قرارها ؟" ، ( الجواب) اختزل كل المعارك المنتظرة في كلمة واحدة " سنناضل " .
ودائما قبل يوم السبت 20 يونيه وفي إطار التعبئة نظم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تجمعا بمقر الحزب بحي العكاري ، ترأسه عضو المكتب السياسي للحزب الأستاذ محمد اليازغي ، و أتذكر كيف كان المقر مطوقا برجال الأمن الذين حاولوا اعتقال طالب اتحادي " الأخ باهتا" كان يتابع دراسته بكلية العلوم ، وكيف أننا تعاركنا معهم حتى حررنا أخانا من قبضتهم وبقيت " جاكيت ممزقة في حوزتهم ….
- دائما قبل اليوم المعلوم كنا نحن مجموعة صغيرة من الطلبة الاتحاديين قد نظمنا وقفة ستتحول إلى مسيرة قرب باب السويقة بالرباط ، رفعنا فيها شعارات تعبوية ، وما هي إلا لحظات حيث سيتم اعتقال الأخ يحيى البوعبدلاوي ،  وربما كذلك الشاب عادل بنسعيد …. ولتفويت الفرصة على "أصحاب الحال" تسللنا بين الأزقة في أكثر من اتجاه ،( أنا والأخ أحمد بوراس - حسني - سرنا جنبا لجنب ) 
اشتغلنا كذلك ( جمال اغماني ، محمد حمضي ، محمد الزواني، محمد الجندالي، محمد النوالي، .....) في كتابة شعارات تعبوية على الجدران ليلا . … لم تخرج شعاراتنا عن سقف المعركة النضالية التي تعزز استراتيجية النضال الديمقراطي التي اختارها حزبنا انذاك في مؤتمره الاستثنائي ( 1975).
 وللتاريخ فقد كان الفقيد سي عبد الرحيم بوعبيد قد قال في الملتقى الوطني للطلبة الاتحاديين بالمعمورة (نهاية مارس من نفس السنة) بأنه " ينتظرنا صيفا ساخنا " .وقد كان فعلا صيفا ساخنا ( الاضراب العام و ما تبعه من اعتقالات ، اعتقال قيادة الحزب بسبب الموقف من الاستفتاء بالصحراء المغربية ، الانسحاب من البرلمان .، فشل المؤتمر 17للاتحاد الوطني لطلبة المغرب ...) .
صباح يوم السبت 20 يونيه تواجدنا نحن مجموعة من الشباب الاتحادي بمقر الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بالرباط بجانب عمال و قيادات وطنية واقليمية ( منشد ، خيرات ، الاشعري ، ملاقاة ....)  ومن هناك تحركنا في أكثر من اتجاه لمراقبة الوضع ، ودخلنا في مواجهة مع بعض التجار بحي العكاري  ( فران ، جزار ...) وبعد مشادات  كلامية معهم بعد ان حصلت لنا  قناعة بأن السلطة جندتهم لتكسير الإضراب العام، حدث ما حدث …….
حوالي منتصف النهار حضر عبد اللطيف جبرو لمقر النقابة  ، وهو يصعد درج مقرها  ، التقطت أذناي ما قاله لقيادي نقابي ،" كازا لعلع بشوارعها الرصاص هذا الصباح…." 
 الوقت يمر بسرعة وانفلات الوضع بالعاصمة الاقتصادية تنقله الهواتف الثابتة ، كل ذلك لم يوقف تدفق العمال والطلبة على  مقر الكونفدرالية الديمقراطية ( 10 زنقة فاطمة الفهرية ، ديور الجامع).
عقارب الساعة محصور تحركها بين الساعة الرابعة  والخامسة ، في هذا الحيز الزمني نجحت  قوات الامن في تطويقنا داخل المقر . بالموازاة  مع هذا الحصار يتم استدعاء قيادة المركزية النقابية بالرباط للقاء عاجل  بالعامل …. لقاء لم يعد منه الوفد القابي الذي لم أعد أتذكر منهم غير  المرحوم سي محمد الملاقاة 
جاهز قرارهم نافذ قرارنا لن تمر المهزلة ……..لفك الحصار على المقر تسلل البعض منا ( الجندلي ، حمضي ، أغماني ....) خارج المقر ، وتوجهنا لشارع الحسن الثاني ، وبالضبط قرب فندق ظهير حيث شرعنا في ترديد الشعارات مما جعل رجال الأمن الذين كانوا يطوقون المقر ، ينتقلون حيث نحن ، وهو ما سمح للعديد ممن كانوا داخل المقر بمغادرته  ……
حوالي الساعة التاسعة ليلا نزلت أول قنبلة مسيلة للدموع على المقر . ….ولأن الأمر كان جديد علينا ، فقد نبهنا الاخ عبد الهادي خيرات بضرورة أخذ قطع الثوب من اللافتات الموجودة ورشها بالماء ووضعها على الأنف والفم …..وهكذا  كان .
الحضور الكثير ( طلابي بالدرجة الأولى ) ، ينتقل للقاعة الكبرى بالمقر حيث ألقى سي محمد الأشعري كلمة ، مباشرة بعدها سننظم عملية فرار كبيرة من الجهة الخلفية للمقر التي تطل على "فيلا " لأسرة اتحادية….
- قيادة النقابة ظلت مرابطة بالمقر ، والأجهزة الأمنية لم تنتبه لعملية الفرار …..!
- أنا والأخ الجندلي بقينا ببيت الأسرة الاتحادية ، وكان المرحوم مصطفى الحسناوي ( معروف بسائق اليازغي ) صلة الوصل بيننا وبين القيادة المحاصرة التي كان من بين أفرادها  الأخ أحمد أطرطور. وقد نقل لهم القليل من الطعام وفرته الأسرة الاتحادية .
-بعد منتصف الليل بقليل ، داهمت الاجهزة الامنية مقر النقابة ، وفوجئوا كيف تم النجاح في تنظيم عملية فرار عدد كبير من المحاصرين والمحاضرات ….وقد تسلل إلى مسامعنا التعذيب البشع الذي تعرض له البعض قيل لي فيما بعد بأن الأمر تعلق بكل من أحمد أطرطور ، وقبال ( حارس المقر) .
- قضينا الليلة انا والمرحوم سي محمد الجندالي ببيت الاسرة الاتحادية ، وحوالي الساعة الثامنة صباحا تسللنا بعيدا عن انظار الأجهزة الأمنية …. سي محمد  الجندالي تابع الطريق نحو  بيته الغير  بعيد ،وانا إستقبلني المرحوم  ادريس أوبيضار (وزاني)، على أمل أن نلتقي….
 - جرت بين البعض منا اتصالات ، ووقع الاتفاق على تنظيم تظاهرة باليوسفية ، قرب مركز القوات المساعدة إن لم تخني الذاكرة . 
- ذهبنا انا والإخوة عبد اللطيف موقين، حسين بنعياش ، ووجدنا هناك المرحوم الفلاحي وآخرين ، افتضح امرنا والتجمع يكبر ، فحاولت فيالق امنية الهجوم علينا واعتقالنا ، إلا أن الاخ عبد اللطيف  مقين استعمل الدراجة النارية التي احتمينا بها في اتجاه المعهد الوطني للزراعة والبيطرة حيث اختفيت هناك ……
 - يوم الاثنين وبعد ان كان قد وصل لوزان خبر  اعتقالي ، سيلتحق والدي رحمه الله بالسويسي ( الحي الجامعي ) لتقصي الحقيقة ، وهنا سيلتقي صدفة بطالب اتحادي الذي طمأنه بأنه كان معي قبل دقائق .
- وتبدأ رحلة أخرى كلها معاناة ولكنها كانت "جميلة" بجمرها مقارنة بزمن التفاهة  الذي نعيشه  اليوم  …..تفاصيل كثيرة تحتويها  الجعبة الكشف عنها قضية وقت وسياق
رحم الله برحماته الواسعة من نعتهم وزير أم الوزارات آنذاك بـ " شهداء الكوميرة" .