اختلطت المشاعر في حفل تقديم كتاب "حليب هيفاء الطبيعي" للزميل الراحل توفيق مصباح، سكرتير تحرير المجموعة الإعلامية "الوطن الآن" و"أنفاس بريس"، وذلك يوم الثلاثاء 14 يونيو 2023، بمركب الصقلي بالدار البيضاء. حفل حضره أفراد أسرة وعائلة الراحل مصباح، وزملاؤه في المهنة إلى جانب عدد من المثقفين والمبدعين، وقد تم خلال هذا الحفل التكريمي تقديم كلمات في حق الراحل توفيق مصباح الذي رحل عنا في فورة وغمرة شبابه وعطائه، لكنه يبقى حاضرا في قلوب أسرة التحرير، ممن لفوا وشاح المحبة حول روحه في هذا اللقاء.
فيما يلي الكلمة التي ألقيت باسم المجموعة الإعلامية، "الوطن الآن" و"أنفاس بريس":
أيتها الأخوات أيها الإخوة...
نقف اليوم، في هذا المساء، الثلاثاء 13 يونيو 2023، هنا، بالمركب الثقافي حسن الصقلي، بمقاطعة سيدي البرنوصي، بالدار البيضاء، لإلقاء تحية أخوية على روح صديقنا وزميلنا الإعلامي والقاص والسيناريست توفيق مصباح.
تَحيَّةٌ مِن نوعٍ خاص لإنسانٍ استثنائي، من طينةٍ -لنْ نقولَ نادرةٍ- معجونةٍ بالوفاءِ والثقة والمحبّة. أجلْ لقد كنتَ استثناءً بيننا، نحنُ زميلاتُكَ وزملاؤُكَ في "البيضاوي" و"الوطن الآن" و"أنفاس بريس"... لقد كنتَ -بعدَ مدير النشر عبد الرحيم أريري- مايسترو هيئة التحرير، لا تمَلُّ ولا تَكَلُّ؛ تسهرُ على تصويبِ هَنَّاتِنَا في اللغة والتراكيبِ، حتى أنَّ بعضنا كان يُسمِّيكَ سيبويه الجريدة، وأحياناً أُخَر الخليل بن أحمد الفراهيدي. أنتَ الأكثرُ حِرصاً بيننا على سلامة التعابير في مقالاتنا، في الثقافة والسياسة، في الرياضة والاقتصاد، إلخ... ليسَ لأنَّكَ سكرتير التحرير فقط، بل لأنك تقفُ إلى جَانبِ الصوابِ ضد الخطأ، إلى جانبِ الجودةِ ضد الرداءةِ، إلى جانبِ اللغةِ ضد اللغو... ذلكَ لأنَّكَ لمْ تُغادرْ قَطُّ الكِتابةَ.
الكِتابةُ، بالنسبة لكَ، أوّلاً وأخيراً، هَمُّكَ اليومي. هيَ عَينُ الحيَاةِ. هِيَ الأنَا والآخَرُ. هِيَ المَشيُ الذي مَشينَاهُ. هِيَ القِصةُ. هِيَ هذا الحَليبُ الذي نَشربُهُ، نقرؤهُ الآنَ مَعكَ. هِيَ هذه الأضمومةُ التي سَمّيتها "حليبُ هيفاء الطبيعي". أنتَ أمسَ والآنَ وغداً حاضرٌ فيهَا، حاضرٌ معنَا. منْ قَالَ إنَّكَ غادَرتَ الحَياةَ مُخطِئٌ. منْ يَقولُ إنَّ المَوتَ يُنهِي الصداقَةَ مُخطِئٌ أيضاً.
وإذاً أنتَ الآن بَينَنا، عزيزنا توفيق، وَكنتَ دائماً تقولُ لنا بلسانِ ابن عربي: "كلُّ محبَّةٍ لا يُؤْثِر صاحبُها إرادةَ مَحبوبهِ على إرادتهِ فَلا يُعوَّل عليهَا"، وَكنتَ في هَذَا لَا تُقَفِّصُ ضَميرَ المُتكَلِّمِ حتَّى يَهرَبَ إلى حُضنِ ضَمِيرِ المُخاطَبِ، ولَا تَمنعُ حُضنَ ضميرِ المُخاطَبِ حتَّى يستَضيفَ ضَمِيرَ المُتكَلِّمِ.
هكذا نَرى فرحَ طفلٍ في عينيكَ: "يَاهْ، ما أجملَ ذلك البريقَ الأزْرقَ الذي اندلع في عينيْ جُودي فُّوسْتر وهي تنظر في وجه أُنتوني هوبْكينزْ"؛ وهذا الشاعرُ الّذي يتركُ الحياةَ وراءهُ ويَمشي، مع كلبه، بمحاذاة شاطئ البحر فِي فيلم "الأبديَّةُ ويومٌ وَاحِدٌ"...
سؤالٌ وَاحِدٌ، عزيزنا توفيق، يَعْمَلُ في الذِّهنِ حِينَ تُناديكَ الأبَديّةُ: "كَمْ سيَدُومُ الغَدُ؟". شَريطُ ذكرياتٍ يَعيشها المُقبلُ على الأبديّةِ في هذا اليَّومِ الواحِدِ، يُصبِحُ الزَّمنُ فيهِ طِفلاً، والطفلُ -في نهايةِ المطافِ- لا يَكبُرُ ولا يَهرَم، ذلكَ لأنَّهُ يَكونُ فِي البَدءِ ويَدومُ الخَتمِ...
رحمك الله أخانا توفيق وأسكنك جنات الخلد..