وإذا كان مفهوما أن تتمتع دولة الفاتيكان باستقلالها عن حكومة روما لدواع تاريخية ترتبط بالمد والجزر بين حكم الكنيسة والحكم المدني، فإن غير المفهوم هو أن تبقى المنطقة المحاذية لمحطة الميترو "لوريتو" بميلانو (وهي اختصارا لكلمة NORD DE LORETO)، منبتا " للإجرام والعنف والدعارة والقوادة والشواذ والمتحولين جنسيا وبيع الأسلحة النارية والكوكايين".
ذلك أن ميلانو بقدر شهرتها بكونها عاصمة عالمية للموضة واللباس وعاصمة العلم والصناعة والسياحة، فإن حي NOLO ( وهي كلمة مختصرة لعبارة Nord de Loreto)، بشارع Via padova، يعد عاصمة الإجرام وتصفية الحسابات بين العصابات الخطيرة المنتمية لأعراق مختلفة التي تتبنى اصطفافا حسب جذورها الجغرافية:( عصابات ألبانية، كولومبية، صربية، دومينيكانية، مصرية، صينية، نيجيرية،فينزويلية، بوليفية، بيروفية، إلخ....).
شارع بادوفا بميلانو الذي يمتد من محطة الميترو "لوريتو" إلى المدار الطرقي الشرقي للمدينة Tangenziale Est، لم يخلق ليكون حاضنا للانحراف والقتل والمواجهة بين المجرمين بالأسلحة النارية وبالسيوف، بل سيرورة الدينامية الحضرية بميلانو لما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت هي السبب في تحول هذا الشارع، المشهور والقريب من قلب ميلانو، إلى "إمارة الإجرام". إذ بعد الحرب العالمية الثانية تحولت منطقة Nolo، إلى قلعة انتخابية للشيوعيين الإيطاليين، ومع تزايد وتيرة النمو الصناعي بميلانو وحاجة المدينة لليد العاملة، بدأت موجات المهاجرين تتدفق ليس على ميلانو لوحدها بل على كافة إيطاليا، وخاصة بشمالها الغني والمزدهر والحاضن لأقوى الشركات. وجذب Via padova المهاجرين من مختلف الجنسيات لدرجة أن الشارع والأزقة المتفرعة عنه، تتعايش فيه أكثر من 65 جنسية( مع الغلبة للجالية المصرية ومهاجري دول أمريكا اللاتينية) لتساهل الشيوعيين واحتضانهم لقيم الهجرة والمهاجرين.
هذا التعدد الإثني، بدل أن يكون رافعة للتعايش والعيش المشترك، تحول إلى مضخة للكراهية والعنف والإقصاء وانغلاق كل إثنية داخل قوقعتها.
إهمال هذا الحي سيتفاقم أكثر في التسعينات من القرن العشرين بعد انتعاش التيار العنصري والفاشي بإيطاليا، مما قاد إلى تغييب منطقة Nolo من رادار الإنفاق العمومي الإيطالي من جهة، وهروب نازحين أجانب إضافيين من أحياء أخرى بميلانو للاستقرار بشارع بادوفا من جهة ثانية، مما أدى إلى تحويل Via padova إلى أكبر غيتوGhetto بعاصمة الموضة والمال ! وبالتالي تمددت سلطة الإجرام وسلطة العصابات بميلانو، فأصبح الشارع مرادفا "للفار ويست"، نسبة للسيبة التي كانت تعرفها مدن الغرب الأمريكي في القرن 19.
وتكاد سنة 2009 تكون السنة المرجعية لإعلان "استقلال via padova" عن سلطة ميلانو وعن سلطة الطاليان. إذ في تلك السنة ستشهد ميلانو أعنف مواجهة عرقية بين المصريين والأمريكولاتينيين( بعد مقتل مصريين اثنين بالسلاح على يد عصابة ينحدر أفرادها من بوليفيا والبيرو). حينها بدل أن تعتمد سلطات ميلانو خطة لدمج المهاجرين وخطة للتجديد الحضري بالمنطقة المذكورة، استسلمت إيطاليا لخطاب اليمين المتطرف وأرسلت تعزيزات أمنية تضم 800 من رجال القوة العمومية، الذين بدل أن يعملوا على إخماد الفورة العرقية زادوا الوضع لهيبا واشتعالا وانفلاتا.
ومن يدري فبعد أن توفقت إيطاليا عام 1929 إلى إبرام اتفاق مع الكرسي الرسولي لتدبير الفاتيكان، قد تلجأ سلطات إيطاليا في المستقبل، إلى إبرام معاهدة مع عصابات أمريكا اللاتينية والعصابات المصرية والنيجيرية والصربية لتدبير تراب via padova. وبالتالي تصبح إيطاليا محجا للكاثوليك في العالم ومحجا لتجار الكوكاكيين والدعارة والقوادة والشواذ والمتحولين جنسيا في العالم !!