كشف محمد الطيار، الخبير في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، أن دوافع اهتمامه بطبيعة سياسة النظام العسكري في منطقة الساحل الافريقي يعود الى رغبته في كشف الوجه الحقيقي للاستراتيجية المعتمدة من طرف النظام العسكري في علاقته بمحيطه الإقليمي، الذي يستهدف خلق بيئة غير آمنة في المنطقة. وهذا يلاحظ بشكل كبير خاصة فيما يتعلق بالمغرب وبوحدته الترابية، حيث عمد النظام العسكري الى تسليح مليشيات البوليساريو ودعمها بشتى الوسائل، وهي نفس الاستراتيجية تقريبا المعتمدة في جواره الإقليمي ولكن بأساليب أخرى، حيث نلمسها في سياسته المعتمدة في شمال مالي، في منطقة ازواد، ونلمسها في العلاقة مع تونس منذ عام 2013، وفي علاقته مع موريتانيا منذ 2005 إلى 2010.
ونبّه الطيار، في مداخلة له، حينما حلّ ضيفا على فقرة ضيف التحرير بقناة "ميدي 1 تيفي"، يوم الأربعاء 7 من الشهر الجاري، لتحليل مضمون مقاله الذي نشره موقع "نيوزلوكس" الأمريكي، والذي يتهم الجزائر بدعم الإرهاب في شمال مالي، حيث تطرق إلى كون هاته الاستراتيجية التي يتبناها النظام الجزائري لها نفس الوجه، فقط تختلف حسب الوسائل وحسب الممثلين. فالنظام العسكري يعتمد في استفزار المغرب على ميليشيات البوليساريو، وفي أزواد على تنظيم "نصرة الاسلام والمسلمين" ينسب نفسه إلى القاعدة، وهذا الأمر حدث منذ 2003 منذ تأسيس ما يعرف ب " إمارة الصحراء"، التي كانت تبايع جماعة" السلفية للدعوة والقتال " التي تحولت بعد ذلك إلى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي."
وسار الطيار إلى القول أن "هذا الدور الخطير الذي يلعبه النظام الجزائري لزرع بيئة غير آمنة، يهدف بالأساس إلى عرقلة التنمية في المنطقة، وأيّ شكل من أشكال وحدة شعوب دول المنطقة".
وأكد الطيار على أن "أزواد هي منطقة شاسعة في شمال مالي، على مساحة822 ألف كيلومتر مربع، أي 66 في المائة من مجموع التراب المالي، وقد راهن النظام العسكري الجزائري على جعلها بيئة غير آمنة، لأن هاته المنطقة التي تضم جزءا من حوض تاودني الذي يزخر بثروات معدنية ونفطية كبيرة جدا، تشترك فيه الجزائر مع مالي وموريتانيا. والجزائر ليست لديها أي مصلحة لتستفيد مالي وموريتانيا، وقد راهنت في البداية على زرع تنظيم " القاعدة" على يد المختار بلمختار، المسمى في الجزائر بـ"بلعور" أو "مالبورو". والهدف هو منع مالي وموريتانيا من استغلال ثروات هذا الحوض، وهو ما تطرقت إليه وزيرة الخارجية الموريتانية سنة 2009، حيث تحدثت في لقاء جمعها مع القائم بأعمال السفارة الامريكية، تطرقت له وثيقة من وثايق و" كليك " حيث ابرزت المسؤولة الموريتانية أن الهدف الذي تسعى إليه الجزائر هو المنع من استثمار هاته الثروات من طرف مالي وموريتانيا، لتعود بالنفع على شعوبها، وحتى تجعل المنطقة يسودها العنف والاختطافات، وقد سبق في سنة 2003 وأن تم اختطاف 33 سائحا أجنبيا والذهاب بهم إلى شمال مالي ، على يد الجزائري عمار الصّايفي الملقب بعبد الرزاق البارا الذي نسب نفسه لتنظيم القاعدة ، و كان يشغل منصب الحارس الشخصي لوزير الدفاع خالد نزار، وقد حصل على فدية كبيرة مقابل اطلاق سراحهم . والذي يعيش اليوم كالأمير تحت حماية الأمن العسكري الجزائري، بعد توقيفه وتسليمه لعسكر الجزائر الذي نظم له محاكمة صورية".
ونبّه الطيار إلى أن للنظام الجزائري يلعب دورا مزدوجا في منطقة ازواد وذلك منذ 1963 حيث وقعت تحركات مطالبة بحكم ذاتي ،وكانت تتدخل الجزائر على أساس أنها فاعل خير، وتم عقد لقاء مصالحة بمدينة تمرناست بعد انتفاضة 1990, بإشراف الجزائر ورعاية فرنسا، و نفس الامر خلال أعوام 1992 و2006 و2015، فهي تبين للعالم أنها ترعى السلام، وفي الخفاء تعمل على تأجيج الأوضاع وتصعيدها ، وذلك لم يعد خافيا على ساكنة منطقة الأزواد، حتى أنه من المعروف أن عددا مهما من أمراء الحرب يحملون الجنسية الجزائرية، لهم العديد من الممتلكات في جنوب الجزائر . وقد أشرفت الجزائر على كل لقاءات المصالحة التي يكون مصيرها في الأخير الفشل، لتلعب فقط دورها المزدوج بدعوى رعاية السلام، وفي نفس الوقت ترعى الإرهاب".
وشدّد الخبير الطيار على أن "السياسة المعتمدة من قبل الجزائر خاصة بعد أحداث 11 شتنبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية، تقوم على الضهور أمام العالم على أنها في واجهة محاربة الإرهاب، لكن منذ 2013 بعد تفجيرات مركب عين أميناس في جنوب الجزائر، وأحداث جبل الشعانبي بتونس، تأكد تورط المخابرات الجزائرية في العمليات الإرهابية التي عرفتها تونس، وتأكد أنها راعية الإرهاب الأولى في المنطقة.
بالنسبة للجنوب الجزائري ومنطقة أزواد حيث تسود حالة الفقر والبؤس، فهو امر متعمد من طرف الجزائر، رغم أن 40 في المائة من ثروات الجزائر تستخرجها من مناطق الجنوب وقد حرص النظام العسكري الجزائري على أن تعيش المنطقة فقرا مدقعا، حتى لا يتعود الناس على التمدن والاستقرار، مما حدا بساكنة المنطقة بتأسيس (حركة أبناء الجنوب التي قمعها النظام الجزائري)، وحركة الجنوب من أجل العدالة والاجتماعية التي تأسست عام 2015، من المطالبة بالمساواة والاستفادة من ثروات منطقتهم ، لكن النظام العسكري ومن أجل الحفاظ على وضع مزر يسوده انعدام الامن، يضاعف من قمعهم وتهميشهم .
وأشار الخبير الطيار إلى أن المخابرات الجزائرية اعتمدت على أياد غالي الذي أمضى شبابه بالجنوب ويسكن بلدة تينزواتن، وهي بلدة يتواجد نصفها في الجنوب الجزائري والنصف الآخر في مالي، وهو شخص معروف بارتباطه بالمخابرات الجزائرية. وقد سيق وتم تعيينه قنصلا لمالي في جدة في المملكة السعودية، وتم استقدامه بسرعة لما سقط نظام القذافي في ليبيا، محاولة من الجزائر لاحتواء الحركة المطالبة بالانفصال عن مالي، التي شهدتها منطقة أزواد.
فدفع النظام الجزائري بإياد غالي لترؤس الحركة الشعبية لتحرير أزواد (الحركة الوطنية لتحرير أزواد لاحقا)". بعد فشله في تحقيق ذلك دفعته لتأسيس حركة" أنصار الدين" التي أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة. وبعدها في سنة 2007 أصبح زعيما "لتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين" الذي توحدت تحت مظلته كل الجماعات التابعة للمخابرات الجزائرية التي تنسب نفسها للقاعدة.
ونقل ضيف "ميدي 1تيفي" أن صحيفة النبأ التي تصدرها داعش تتساءل بدورها في عددها 238 لسنة 2019، عما الذي يحدث في المنطقة: لماذا تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" يزحف بشكل مكشوف ولا يتعرض لأي قصف. وتتساءل عن مبررات كل هذا الدعم الذي تحظى بها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التي يقيم أغلب قادتها بمدن الجزائر الجنوبية كتيماوين وتينزواتن .
وأكد الطيار أن "تنظيم الدولة الاسلامية في الصحراء الكبرى " /داعش، خرج من رحم البوليساريو، فمؤسسه هو أبو الوليد عدنان الصحراوي، الذي ينحدر من مخيمات البوليساريو. كما أن أغلب قادة "تنظيم الدولة " ينحدرون من مخيمات البوليساريو وهو تنظيم إرهابي من صنع نفس الصانع الذي يقف وراء نشر الإرهاب في المنطقة.