عبدالرزاق بوقنطار: قراءة نقدية في النصوص التشريعية لحماية المستهلك

عبدالرزاق بوقنطار: قراءة نقدية في النصوص التشريعية لحماية المستهلك عبدالرزاق بوقنطار
 يعتبر مجال استهلاك في إطار الظرفية اقتصادية الحالية ﺃبرز المواضيع القانونية، فقانون المستهلك ﺃو قانون المستضعفين كما عرفه بعض الفقه الشرعي أثار انتباه الباحثين والمتخصصين والمهنيين وبالطبع مناصري قضايا المستهلك وخاصة جمعيات المستهلكين.
كما تعتبر كل من كوارث الزيوت المسمومة سنة 1959 وزلزال أكادير سنة 1960 بمثابة الواقعتين التين عجلتا بظهور أكثر من 300 نص تشريعي وتنظيمي وعدد من تدخلات الوزارات تناولت مواضيع تهتم بالمستهلك. وفي هذا عرفت القوانين المعاصرة تطورا سريعا وأهمية متعاظمة في مجال حماية المستهلك درئا للمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها، إذ لم نقف عند حد ضمان السلامة البدنية وإنما تجاوزتها إلى السلامة المعنوية للمستهلكين تفاديا للوقوع في التضليل والغش والاستغلال.
كما أنه تعتبر مجموعة من القوانين بمثابة الإطار العام لهاته الحماية، كظهير 29 أكتوبر المتعلق بالمحافظة على الصحة العامة وقانون 12 أكتوبر 1971 المتمم بمقتضى قانون 4 شتنبر 1975 المتعلق بتنظيم مراقبة الأسعار، وأيضا قانون 5 أكتوبر 1984 المتعلق بزجر الغش في البضائع وكذا النصوص المتخذة لتطبيقه.
لكن في الأصل فإن بداية اهتمام المشرع المغربي ببعض جوانب حماية المستهلك تعود إلى سنوات الحماية الفرنسية، إذ تعاقبت عدة قوانين على الصدور منذ ذلك الحين، لتتواصل في مرحلة الاستقلال التي تم التأكيد خلالها على أهمية الاحتساب ودور المحتسب على امتداد التاريخ الإسلامي للدولة المغربية في هذا المجال غير أن ذلك لم يشكل سوى معالجة جزئية مرتبطة بجوانب متعددة ومحدودة تفتقد المنظور الشمولي لمفهوم المستهلك وطبيعة القواعد الحمائية التي تستهدف الموازنة بين مصالح الأطراف وبين الروابط الاجتماعية بين المستهلكين والمهنيين، وهو ما أدى إلى عدم تسجيل أي نسيج مشترك يجمع شتات هذه التشريعات ويسمح بتقديمها في شكل نظام قانوني خاص. وهو ما حاول قانون حماية المستهلك رقم 08. 31 القيام به .
أما مفهوم المستهلك فقد عرف نقاشا فقهيا كبيرا حيث عرفه البعض بأنه" كل طرف ضعيف في العلاقة التعاقدية متى كان ضعفه راجع إلى كونه غير محترف وجاهل بموضوع المعاملة محل التعاقد ".
أما اتجاه المفهوم الواسع في تعريف المستهلك فإنه يعرفه بأنه " الشخص الذي يسعى للحصول على حاجته من مختلف السلع والخدمات. وذلك بأسعار معتدلة في كل اﻷوقات وتحت كافة الظروف مع دفع ﺃي ﺃخطار ﺃو عوامل من شأنها اﻹضرار بمصالحه ﺃو حقوقه وتؤدي إلى خداعه وتضلله ﻷن حماية المستهلك ورعايته في مقدمات الواجبات اﻷساسية للدولة بمختلف ﺃجهزتها".
لعل ما ينبغي الإشارة إليه أن موضوع حماية المستهلك يحظى بأهمية قصوى بالنظر إلى المجال الواسع والشاسع للأشخاص المستهدفين بمقتضياته لذلك أولته القوانين المقارنة عناية خاصة.
فهذه اﻷهمية القانونية فرضتها اﻷهمية اﻹقتصادية وضرورة تقنين وتنظيم مجال يشكل عصب اقتصاد ومحور التنمية ومرتكز استثمار والمبادرة الفردية، فبدون استهلاك ومستهلكين محميين لا يمكن الحديث عن نموا وازدهار اقتصادي خصوصا مع تسليط الضوء على هذا المجال إثر اللازمة اﻹقتصادية العالمية، ونحن نبرز ﺃهمية الموضوع لا يمكن ﺃن نغفل جانبه اﻹجتماعي وتأثيره على القدرة اﻹجتماعية لفئة عريضة، ومن خلال ما سبق وفي ظل ملائمة القوانين المغربية مع القوانين اﻷوروبية أصبح طرح التساؤلات ﺃمرا مشروعا.
فما هي المجالات التي نظمها مشروع المستهلك؟ وما هي الزاوية التي عالج بها موضوع المستهلك؟ وهل ﺃتى بمقتضيات جديدة تحمي المستهلك في ظل شبه الفراغ القانوني وقصور القوانين الحالية على توفير الحماية؟
إذا كان مجتمعنا اليوم مجتمع استهلاكي بامتياز، فإنه في نفس الوقت مجتمع دعاية، إلا أن هذه الدعاية لا تترجم حقيقة ما يقدم إلى المستهلك، لأنها لا تمتلك في أحيان كثيرة إلا الجوانب السيئة.
وبما أن عقد الاستهلاك يجمع من جهة بين مستهلك يجهل في الغالب كنه ما هو مقبل عليه، وبين منتج له القدرة الفنية والتقنية التي تخوله إمكانية التحكم في ظروف التعاقد، وشروطه بحيث يجعل المستهلك يوقع على عقد لا يساهم في إنشائه بل بإرادة متبصرة، متنورة وواعية بكل حيثيات الاتفاق وتداعياته.
إن من مظاهر حماية إرادة المستهلك قبل إبرام العقد الالتزام بإعلام هذا الأخير باعتبار هذا الإعلام من الحسنات والمستجدات التي جاء بها قانون حماية المستهلك.
إن المعرفة التي يحملها للمستهلك والمقارنات التي يسمح له بالقيام بها، يبدو الحق في الإعلام وطرق تجسيده العنصر الأساسي في أي مشروع قانون لحماية المستهلك، وتماشيا مع هذا السياق ورد القسم الثاني من قانون حماية المستهلك رقم 08.31 بعنوان * إعلام المستهلك * وأول ملاحظة تشد الأنظار إليها في هذا المقام هو الربط بين إعلام المستهلك وتكوين عقود الاستهلاك، وهدا الربط ليس من قبيل الصدفة وإنما فيه دلالة قوية على أن إقدام المستهلك على إبرام عقد من عقود الاستهلاك، ينبغي أن ينبني على إعلام صحيح وبيان واضح لكل معطيات السلعة أو الخدمة التي يريد التعاقد بشأنها، وهذا فيه نوع من الربط الصحيح بين عنصر الرضا في عقود الاستهلاك وعنصر الإعلام، فالرضا لا يكتمل في هذه العقود إلا بعد توفير المهني للمستهلك الظروف والوسائل التي تسمح له بمعرفة كل المعلومات والعناصر بخصوص السلعة أو الخدمة المعروضة أو المطلوبة، وكل غياب أو نقص في عملية الإعلام هذه يؤثر على عنصر الرضا في عقد الاستهلاك ويعطي الحق للمستهلك في ترتيب كل آثار عيوب الرضا المعروفة في قانون الالتزامات والعقود.
إن فوائد الإعلام بالنسبة للمستهلك عديدة منها:
- الحق في الإعلام يجعل المستهلك هو المتحكم في العملية الاستهلاكية.
- الحق في الإعلام شرط في عملية استهلاك واعية وسليمة.
- الحق في الإعلام وقاية من المساس بمصالح المستهلك.
- الحق في الإعلام عامل مهم وضروري من أجل تطوير المنافسة.
لهذه الأسباب كلها ارتأى المشرع، أن يفتتح بمادة أولى بمثابة تصدير تتضمن توثيقا لما يعتبر حقا أساسيا للمستهلك ومن بينها الحق في الإعلام، وهذا الحق كحق قانوني للمستهلك، يمكن صرده في نقطتين:
1- الإخبار المتعلق بالمميزات الأساسية للمنتوج أو للسلعة أو للخدمة محل العقد.
تنص المادة 3 من القانون رقم 08. 31 على انه" يجب على كل مورد أن يمكن المستهلك بأي وسيلة ملائمة من معرفة المميزات الأساسية للمنتوج أن السلعة أو الخدمة وأن يقدم إليه المعلومات التي من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باعتبار حاجياته وإمكانيته..."
فهاته المادة تفرض على المورد التزاما عاما بإعلام المستهلك في مرحلة ما قبل إبرام عقد الاستهلاك يوفر بمومجبه للمستهلك الظروف والوسائل التي تمكنه من التعرف على المميزات الأساسية للمنتوج أو الخدمة أو السلعة محل العقد، وهذا التزام جديد يوافق عقود الاستهلاك منذ مرحلتها الأولية الابتدائية، فهو التزام قبل تعاقدي يقع على عاتق المورد اتجاه المستهلك، موضوعه وخصائصه كما يلي:
- جعل المستهلك يتعرف على الخصائص والمميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة محل العقد.
- استعمال أي وسيلة ملائمة في الإعلام.
- الإعلام يجب أن يكون صحيحا وواضحا وشاملا للعناصر والمعلومات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة.
2- الإعلام المتعلق بالأثمان وشرط البيع
في سياق الحديث عن الالتزام بالإعلام خصصت الفقرة الثانية من المادة 3 والمادة4 من القانون للإعلام المتعلق بالأثمان وشروط البيع... حين نصت الفقرة الثانية في المادة 3 على انه"...يجب على كل مورد أن يعلم المستهلك بوجه خاص عن طريق وضع العلامة أو العنونة أو الإعلان... بأسعار المنتوجات والسلع...." ونصت المادة 4 على ما يلي" يجب أن يشمل البيان المتعلق بالسعر أو التعريفة....السعر أو التعريفة الإجمالية التي يتعين على المستهلك دفعها بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة....."
ففي هاتين المادتين يتسع أكثر نطاق الحق في الإعلام لفائدة المستهلك ليشمل:
-الإعلام بأسعار المنتوجات والسلع وبتعريفات الخدمات وذلك عن طريق العلامة أو العنونة أو الإعلان... الموضوعين على المنتوج أو السلعة.
-الإعلام بالشروط الخاصة بالبيع أو لتقديم الخدمة
-الإعلام بالحدود المحتملة للمسؤولية العقدية.
-الجب الأداء وقد فرضت المادة 4 أن الثمن او السعر المعلن هو الثمن أو السعر الإجمالي الواجب الأداء من طرف المستهلك، بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة وكذا تكلفة الخدمات الإضافية وجميع الرسوم والتكاليف الأخرى الواجبة الأداء من طرف المستهلك.
- يجب على المورد كذلك أن يسلم فاتورة أو مخالصة أو تذكرة صندوق أو أي وثيقة أخرى تقوم مقامها إلى كل مستهلك قام بعملية شراء وذلك وفقا للمقتضيات الجبائية الجاري بها العمل.
وبيانات هذه الفاتورات أو المخالصات أو التذاكير تحدد بنص تنظيمي.
و مما تجدر الإشارة إليه في هذه النقطة بالذات أن الحق في الإعلام هنا يتجسد في الوسائل التي يمكن من خلالها تجسيده وهي العنونة أو العلامة، أو إلصاق البيانات بالمنتوج، أو الإعلان أو أي طريقة مناسبة وقد ركزت المادة 3 و4 على هذه الوسائل واعتبرتها إجبارية في المواد المعروضة للبيع.
3- الإعلام المتعلق بآجال التسليم
تفرض المادة 12 من القانون على المورد إذا كان موضوع العقد بيع منقولات أو تقديم خدمات إلى المستهلك، إذا تجاوز السعر التعريفة المتفق عليها الحد المقرر بنص تنظيمي دون أن يقل عن 1000 درهم، وكان تسليم المنقولات أو تقديم الخدمات غير فوري أن يحدد كتابة العقد أو الفاتورة أو تذكرة الصندوق أو المخالصة أو أي وثيقة أخرى تسلم للمستهلك الأجل الذي يتعهد فيه بتسليم المنقولات أو تقديم الخدمات.
وحددت المادة 13 و14 من القانون الجزاء المترتب في حالة تجاوز الأجل المحدد في المادة 12 السابقة الذكر.
وتتمثل عناصر المدة في هذه المواد فيما يلي:
- أنه يجب على المورد الالتزام بمقتضيات المادة 12 من المشروع.
- إقرار الحق للمستهلك بفسخ العقد دون حاجة إلى طلبة قضائيا إذا تم تجاوز الأجل الملتزم به للتسليم بمدة معينة( 7أيام) وذلك خلال اجل 5 أيام من تاريخ انتهاء هذه المدة (7 أيام) وذلك إذا لم يعزى التأخير إلى قوة قاهرة.
- التزام المورد بإرجاع المبالغ الإجمالية التي تسلمها من المستهلك وذلك خلال أجل 7 أيام من تاريخ تسلم الرسالة المضمونة.
يحق للمستهلك المطالبة بالفوائد القانونية ابتداء من اليوم الثامن في حالة عدم إرجاع المورد للمبالغ المسلمة إليه داخل الأجل القانوني( 7أيام).
يذهب بعض الفقه إلى أن الشرط التعسفي هو الشرط المحرر مسبقا من جانب الطرف الأكثر قوة، ويمنح لهذا الأخير ميزة قوة عن الطرف الآخر .
أما المشرع الفرنسي فقد عرفه في المادة 321 من قانون الاستهلاك الفرنسي لعام 1995 حيث صرح" في العقود المبرمة بين الموردين والمستهلكين تعتبر تعسفية الشروط التي يكون موضوعها أو أثرها هو خلق اختلال مبالغ فيه بين حقوق والتزامات أطراف العقد على حساب الطرف المستهلك".
والملاحظ أن هذا التعريف الأخير هو الذي أخذ به المشرع المغربي لحماية المستهلك رقم 08. 31 في المادة 15 منه.
والملاحظ أيضا في هذا الصدد أن أغلب التعريفات الواردة تتفق على أن الشرط التعسفي يكون مدرجا في عقد بين المورد والمستهلك ومحررا مسبقا من طرف المورد ويعطي ميزة قوة لهذا الأخير مما يخل بتوازن العقد.
وقد حاول قانون 08. 31 تحديد نماذج للشروط التي تعتبر تعسفية من خلال المادة 18 والتي يمكن إجمالها في النقط التالية:
1- إنقاص أو إلغاء أو عرقلة حق المستهلك في إقامة دعوى قضائية أو مطالبة بالتعويض أو إعفاء المورد من المسؤولية في حال إخلال هذا الأخير بالتزاماته التعاقدية أو تنفيذها بشكل معيب أو بتغييره لخصائص السلع والخدمات أو بنود العقد دون سبب مشروع.
2- فرض شروط دون الاطلاع عليها أو تعويضات مبالغ فيها على المستهلك والسماح بفسخ العقد أو إنهائه بشكل تعسفي في حال إخلاله( أي المستهلك) بالتزاماته التعاقدية.
3- التنصيص على حق المورد في تغيير سعر أو تعريفة المنتجات والسلع والخدمات دون أن يكون للمستهلك حق نسخ العقد عندما يكون السعر أو التعريفة مرتفعة جدا، أو تخويله حق تحديد ما إذا كانت السلعة أو الخدمة مطابقة لما هو منصوص عليه في العقد.
والملاحظ أن القانون قد أورد هذه النماذج على سبيل المثال لا الحصر وحسنا فعل لأن تحديد الشروط التي تعتبر تعسفية على سبيل الحصر يعتبر مغامرة غير محمودة العواقب على اعتبار أنها قد تختلف من عقد لآخر ومن حالة لأخرى بالنظر إلى الوضعية القانونية والاقتصادية والمعرفية للمتعاقدين ولا يمكن بالتالي حصرها مما يفتح المجال أمام السلطة التقديرية للقضاء لتحديد الشروط التي تعتبر تعسفية، وذلك بالرجوع وقت إبرام العقد إلى جميع الظروف المحيطة بإبرامه مع الأخذ بعين الاعتبار الشروط الأخرى الواردة في العقد حسب ما نصت عليه المادة 16 من القانون...
 
عبدالرزاق بوقنطار، فاعل جمعوي في حماية المستهلك