بالتزامن مع ما تعيشه إدارات المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير، من حركة احتجاجية، آخرها إضراب وطني يوم الجمعة 19 ماي 2023، مع عرض ثلاثة موظفين أمام مجلس تأديبي، فإن التصعيد يبقى هو سيد الموقف داخل الاتحاد المغربي للشغل، منددين بما وصفوه "تغول المندوب السامي وتحديه للقانون واستخفافه بالضوابط والأخلاق".
وقد ظهرت بوادر هذا التصعيد خلال المواجهة بين الفريق البرلماني للاتحاد المغربي للشغل لمما طلب رئيسه البرلماني النقابي نور الدين سليك الكلمة في إطار نقطة الإحاطة لتنبيه الحكومة إلى ما يشهده قطاع المقاومة وجيش التحرير وكذلك بعض المؤسسات في قطاع الاتصال من حرب معلنة على العمل النقابي. وقد سجل البرلماني سليك على الحكومة تهربها من المسؤولية، رغم أن المندوب السامي يدبر مؤسسة تحت الإشراف المباشر لرئيس الحكومة.
واعتبر الميلودي مخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، في بيان له بأن المندوب السامي مصطفى الكثيري، الذي قضى في المؤسسة ما يزيد عن 22 سنة و"بلغ من الكبر عتيا"، تجاوز كل الحدود، وقد شدد الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل من لهجته التنديدية بالمندوب السامي الاتحادي للمقاومة خلال استضافته من طرف قناة موقع "العمق"، يوم الجمعة 19 ماي الجاري، لما صرح بأن "هذا الشخص (مصطفى الكثيري) حرام يكون مندوب وسامي..." وذلك لأنه "يقوم بممارسات مشينة تجاه العمل النقابي.. سلوكه شبيه بالاستعمار الفرنسي". وأضاف الميلودي مخاريق بأنه "تجاوز حدود الله".
ويضاف هذا التصريح القوي إلى قوة الشعارات التي رفعت صباح الجمعة 19 ماي 2023 خلال وقفة احتجاجية غير مسبوقة في تاريخ المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير تطالب برحيل مصطفى الكثيري عن إدارة اعتبرها المحتجون استثناء بين الإدارات المغربية. وقد رفعت أصوات نقابية تطالب بمحاسبة مصطفى الكثيري ومساءلته قانونيا كما جاء في بيان الاتحاد الجهوي لنقابات جهة خنيفرة بني ملال، المنضوي تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، الذي طالب حسب بيانه هذا ب" إلزام هذا المسؤول، الذي يتصرف في الإدارة كضيعة، باحترام كرامة الموظفين وعلى رأسهم المناضلين النقابيين باعتبارهم مواطنين كاملي المواطنة محميين بمقتضى أحكام الدستور والتشريع الجاري به العمل، وإيفاد لجنة تقصي الحقائق لإجراء بحث دقيق في قطاع عليه ما عليه من المآخذ". ويعتبر هذا المطلب الشديد اللهجة إحياء لمطلب بمساءلة مصطفى الكثيري وعناصر متنفذة في محيطه، سابقا وحاليا، من طرف القضاء بسبب مخالفات منسوبة إليه تضمنها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي قدمه الرئيس السابق إدريس جطو في صيف 2019، وتضمنها أيضا ملفا ما يزال مفتوحا لدى النيابة العامة والفرقة الوطنية للشرطة القضائية. زيادة على تقارير أخرى شخصت حالة القطاع خلال تدبير مصطفى الكثيري له، و كلها تعتبر مصطفى الكثيري شخصا تجاوز الحدود ويتصرف وكأنه فوق القانون وفوق المحاسبة.
وقد حظي إضراب موظفي المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ليوم الجمعة 19 ماي 2023 بدعم واسع من الجامعات الوطنية والنقابات الوطنية والاتحادات الجهوية والإقليمية والمحلية والاتحاد النقابي للموظفين والشبيبة العاملة المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، التي أصدرت ببيانات تضامن مع مناضلي الاتحاد المغربي للشغل بقطاع المقاومة، عقب إصدار الميلودي مخاريق لبيان ناري يوم الخميس 18 ماي 2023 تضمن هجوما لم يسبق أن تعرض له الكثيري من نقابيي المندوبية السامية للمقاومة.
وقد رد المندوب السامي على الاتحاد المغربي للشغل بواسطة بلاغ هاجم فيه الموظفين المضربين ومعهم المركزية النقابية التي ينتمون إليها، معتبرا الإضراب والوقفة الاحتجاجية أمام المندوبية السامية مجرد "إنزال" و"بلطجة" لا تليق بمقام مركزية نقابية تعتبر نفسها مساهمة في معركة استقلال المغرب. وأضاف مصطفى الكثيري في نفس البلاغ بأن الهدف من الوقفة الاحتجاجية لم يكن الغرض منه سوى: "الإساءة إلى مؤسسة وطنية آلت على نفسها خدمة قضايا وشؤون أسرة المقاومة وجيش التحرير، وحفظ وصيانة الذاكرة التاريخية الوطنية، ونشر ثقافة الوطنية الصادقة وقيم المواطنة الإيجابية والمسؤولة في صفوف الناشئة والأجيال الصاعدة والمتعاقبة، شحذا لهممها وإذكاء لعزائمها للإسهام في الأوراش المفتوحة والدفاع عن المصالح العليا للوطن".
وقد استهجنت المصادر النقابية (ا. م.ش) الداعية لهذا الإضراب الوطني بالقطاع هذا الزعم الذي تضمنه بلاغ الكثيري معتبرة ذلك مجرد ادعاءات فضفاضة من المندوب السامي الاتحادي للمقاومة يفندها الواقع، مضيفة ذات المصادر في رد شديد موجه مباشرة إلى مصطفى الكثيري: "لا مجال للتشدق بما يسمى ب"الوطنية الصادقة" و"المواطنة الإيجابية" و"خدمة المصالح العليا للوطن" من طرف من نعرف حقيقتهم بدقة. فمثل تلك الخصال المزعومة تشترط في من يدعيها أن يشتغل بصدق وأمانة وإيثار وتضحية، وأن يؤدي ما بذمته من ضرائب للوطن، والإمساك عن إتيان أفعال معيبة جدا في المهمة العمومية شخص بعضها تقرير المجلس الأعلى للحسابات المقدم إلى ملك البلاد في صيف 2019، وبعضها بيد النيابة العامة والفرقة الوطنية للشرطة القضائية للشرطة القضائية، وبعضها مبسوط في مذكرات مقدمة للقضاء الإداري طعنا في قرارات مشوبة بالشطط. كما أن المسؤول الذي استهدفته الوقفة الاحتجاجية بشعارات ومطالب مسؤولة ليس فوق الانتقاد أو المؤاخذة، والمؤسسة التي يسيرها ليست مقدسة بدورها".
واعتبرت تلك المصادر حق الإضراب والاحتجاج حق مشروع وليس بلطجة أو تجاوزا للحق، مصرحة: "فحق الإضراب والاحتجاج حق كوني ودستوري وقانوني منصوص عليه في دستور المملكة والتشريعات الوطنية والدولية الجاري بها العمل. وقد خاض الموظفون إضرابهم ونظموا وقفتهم الاحتجاجية لمدة ساعة أمام مقر الإدارة بمسؤولية، ورفعوا شعارات معبرة عن الواقع السيء بالمؤسسة. وعلى من يعيبون عليهم ذلك أن يخجلوا من تصرفاتهم هم. فالمضربون والمحتجون موظفون شرفاء وهم غير ضالعين في أفعال فساد يعيبها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وغير مرتشين، وغير منحرفين بالمهام والوسائل العمومية عن أهدافها او مستغلين للنفوذ الذي تهبه المهمة او الوظيفة".
و أضاف نفس المصدر: "ضاق الموظفون ذرعا بالتنقيلات التعسفية، بينما يستفيد آخرون من تنقيلات على أساس المحاباة والزبونية، والتقارير الكيدية، وبالإقصاء من الترقي، وبعضهم حرم حتى من حق الترقي بالتسقيف، كما حرم أخرون من حق الترخيص لاجتياز مباراة التعليم العالي.. كما ضاقوا بتكليفهم بالقيام بأعمال ليست من اختصاصهم (السخرة لدى خواص)، وضاقوا من التمييز في التنقيط عبر منح نقط سلبية للمغضوب عليهم رغم كدهم، ومنح نقط جيدة للمحاسيب رغم عدم أحقيتهم، ومن حرمانهم من الإجازة كاملة".
ودخل الاتحاد النقابي للموظفين الذي توجد على رأسه النقابية سميرة الرايس، عضو الأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل ببيان تنديدي شديد اللهجة جاء في إحدى فقراته بأن: «وصف التضامن النقابي ب «البلطجة" من قبل "المندوب السامي" لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير فعل غير مسؤول وتسلطي، يذكرنا بتصريحات المستبدين والدكتاتوريين الذين ألقي بهم في مزابل التاريخ".
وطالب نفس البيان الصادر عن الاتحاد النقابي للموظفين البيان المندوب السامي للمقاومة ب "بتقديم اعتذار رسمي وعلني على ما بدر منه من تعد سياسي ومعنوي صارخ ضد الحق في التظاهر والاحتجاج، وضد ممارسة العمل النقابي المستقل، باعتبارها حقوق أساسية مكفولة بموجب الدستور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالحريات النقابية، وعلى وصفه الشاذ للتضامن النقابي باعتباره فعل "بلطجة". وهدد نفس البيان باللجوء إلى القضاء وإلى المنظمات الدولية المكلفة بقضايا الشغل والعمل النقابي.