اسويح: الإعلام الدولي وقضية الصحراء المغربية

اسويح: الإعلام الدولي وقضية الصحراء المغربية ابراهيم بلالي اسويح
إن تناول موضوع الاعلام الدولي وقضية الصحراء المغربية، فرض علينا وقفة تقييمية للإعلام الوطني، على الرغم من مواطن الخلل التي لازمته في مراحل معينة كان له بالغ الفضل في ترسيخ وتعبئة الجبهة الداخلية حول النزاع المفتعل حول شرعية مغربية أقاليمنا الجنوبية منذ استرجاعها سنة 1975. 

فلا تكاد تخلو أي تغطية يومية سواء للصحافة الرسمية أو المستقلة من إثارة هذا الملف، الذي يشكل رهانا وجوديا ووجدانيا لكافة المغاربة. 

هذا المنحى الذي يوجه بوصلة الإعلام المحلي تحكم في قواعد الترافع للدفاع عن هذه القضية المصيرية لكافة المغاربة.

لكن هذا الزخم من التعبئة قد يصطدم بإعلام دولي أصبح اليوم خاضعا للمناورة وتجاذبات المصالح والتحالفات لدول ولوبيات توجهه، وفق أجندة جعلت من التحكم في تدفق المعلومات وتوجيهها والتموقع داخل البيئة الاتصالية الحديثة التي ترسم معالمها الرقمنة، أمر لا محيد عنه في ظل تنامي الاستباق المحموم نحو كسب السبق المباشر والاستحواذ على أكبر عدد من المساحات الافتراضية لتمرير المغالطات، وتوجيه الرأي العام الدولي ضد سيادة ووحدة الأراضي المغربية. 

تغطية قضية الصحراء المغربية في الإعلام الدولي رغم عدم تجانسه ومستوى توجيهه بين الغربي خصوصا الإعلام الأمريكي ودول أوروبا الغربية في المقدمة الفرنسي والاسباني، ثم إعلام أمريكا اللاتينية ودول روسيا ومن يدور في فلكها إضافة إلى الإعلام الدولي العربي والافريقي مرئيا كان أم مكتوبا، كلها تتناول تطورات قضية الصحراء المغربية بشكل مناسباتي تبعا لحدث مستجد خصوصا على مستوى أروقة الأمم المتحدة أو ميدانيا عبر زيارات الوسيط الأممي. 

لذا ومن زاوية تحليلية مختلطة لما هو كمي وكيفي نخلص إلى أن غالبية التغطيات الإعلامية التي تشكل مادتها الإعلامية ملف الصحراء المغربية، لا تخرج في الغالب عن ثلاثة أبعاد تنسجم مع الخط التحريري لمعظمها والذي يتأرجح ظاهريا بين يافطة "الحياد" أو الدفاع عن مصالح جيو استراتيجية للمتحكمين في مقاليد تسييرها. 

البعد الأول، تاريخي وإلى حد ما قانوني وهنا تكاد لا تخلو أي تغطية دولية لملف الصحراء المغربية من الإشارة إلى معطيات تاريخية لتحديد طبيعة هذا النزاع المفتعل، وسرد هذا التسلسل التاريخي لا يعني التعريف بالكرونولوجيا التي تؤرخ لهذا النزاع بقدر ما يكون مصدرا لتمرير المغالطات  والتأسيس لتوجيه الرأي العام الدولي المتتبع لبناء موقف يتماشى مع الانحرافات، وهو ما فرض على الإعلامي المغربي منهجية الخطاب التاريخي ليتماشى مع الرد الدولي المقنع، بعيدا عن الحماسة في سرد معطيات تاريخية قد لا تكون على واقعيتها مقنعة أو توجيهها في المكان الخطأ.

فقضية الصحراء المغربية موجودة في الأمم المتحدة منذ بداية الستينات بسبب مطالب المملكة المغربية باسترجاع اقاليمه الجنوبية المستعمرة، بما فيها طرفاية وسيدي إفني. كما ان الروابط التاريخية والقانونية تؤطرها علاقات سيادية تنسجم مع اساليب الحكم والنفوذ، ومع هذا وذاك لم يعترض المغرب يوما ما على اي مبادرة للتسوية السياسية والسلمية، رغم حسمه لاسترجاع الإقليم المتنازع عليه نهائيا منذ 6 نوفمبر 1975 بتنظيم المسيرة الخضراء للمغفور له الملك الحسن الثاني مسبوقا بالإرادة الحاسمة التي وسبق ان عبر عنها والده المغفور له الملك محمد الخامس خلال خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان لاسترجاع هذه الأقاليم الجنوبية المبتورة منذ بداية القرن التاسع عشر من لدن المستعمر الاسباني. 

البعد الثاني في تعاطي الاعلام الدولي مع مستجدات قضية الصحراء فيتعلق بمسار التسوية ومخرجات الحل النهائي، وفي هذا الإطار فإن ملف الصحراء المغربية عرف تغيرا كبيرا ليس فقط على مستوى المسار أو خطة التسوية بل على مستوى الحل بحيث أن القانون والممارسة الدوليين يؤكدان حاليا على ان المفاوضات هي الوسيلة المفضلة للوصول إلى الحل النهائي المتفق بشأنه. 

وهنا لابد من استحضار المبادرة المغربية المقدمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة سنة 2007 وذلك بمنح الأقاليم الجنوبية للمملكة حكما ذاتيا. 

وللأمانة فإن المغرب حتى قبل سنة2007 كان منخرطا في المسلسل الأممي الذي ثبت على إن أغلب المقاربات التي جاء بها وسطاء الأمميين المتعاقبين فشلت لاستحالة تطبيقها على ارض الواقع كما أن ذلك يعكس خصوصية هذا الملف التي لا تخضع للمعايير المغلوطة لتصفية الاستعمار، والتي تنبني على قاعدة غير ممكنة لتحديد هوية ساكنة موزعة على ثلاثة دول هي المغرب والجزائر وموريتانيا، ناهيكم عن الاستفتاء لم يعد الوسيلة المفروضة أو الطريق الوحيد للوصول إلى تحقيق مبدأ تقرير المصير، وهو أمر خلصت إليه ديباجة مسودة المبادرة المغربية التي اعتبرت أن المقترح المغربي بمنح حكم ذاتي يطابق مبدأ تقرير المصير للشعوب في المنحى الجديد الاممي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا يعني بالضرورة الاستقلال، وقد تعزز ذلك من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2625 سنة 1970 في فقرته الرابعة حيث أشار إلى أن تقرير مصير الشعوب يمكن ان يكون امتلاك أي نظام سياسي يختاره يشكل لهذا الأخير ممارسة لهذا الحق. 

وكذلك الأمر بالنسبة للمختصين والباحثين كما هو الشأن بالاكاديمي الفرنسي تيودور كريستاكي (Théodore christakis ) الذي ذهب الى اعتبار هذا المبدأ أقرب لمفهوم الديموقراطية، كما أن واقع الحال يشير إلى أن الأربعة والستين نزاعا ترابيا دوليا كانت الامم المتحدة أشرفت على تدبيره، هناك ثلاثة فقط التي تم حلها عن طريق تنظيم استفتاء الباقي تم حلها عن طريق مفاوضات سياسية. 

ان قرارات مجلس الأمن المتعاقبة منذ 2007 بما فيها القرار رقم 1754 الصادر في أبريل والاخر رقم  1783الصادر في أكتوبر من السنة مرورا بالقرار رقم 1813الصادر في أبريل 2008 ثم القرار رقم 1920الصادر في أبريل 2010وصولا الى القرار 2602 الصادر في 29 أكتوبر 2021, كلها تعتبر المبادرة المغربية ذات مصداقية وتحترم مبدأ تقرير المصير للشعوب. ينضاف الى هذا وذاك كون قرار مجلس الأمن الأخير 2654 الصادر في 27 أكتوبر 2022 قد اعاد التوجه لمعالم الحل السياسي بالموازاة مع إدخال تعديلات لدفع الأطراف وليس الطرفين فقط نحو احراز التقدم والتعاون مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة حاليا "ستيفان دي ميستورا" عبر الجلوس حول طاولة المفاوضات. 

البعد الثالث يتعلق بما يجري من مفاوضات منذ وقف إطلاق النار سنة 1991 ورغم ما قيل عن مفاوضات هيوستن بالولايات الأمريكية في عهد الراحل الملك الحسن الثاني بداية تسعينيات القرن الماضي الا ان موقف المغرب في ظل الظروف المحيطة كان منسجما مع الشرعية الدولية تلتها مفاوضات اخرى بمنهاست وارمونك بالولايات المتحدة الأمريكية خرج خلالها الامين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي عنان ليقول بان طرفي النزاع أبديا مواقف متباينة بشأن تقرير المصير مما يعكس توجهين لهذا المبدأ الأول تقليدي والثاني ما بعد حداثي. 

تلا ذلك مفاوضات أخرى مباشرة وغير مباشرة بلشبونة ومؤخرا بجنيف عكست الطابع التفاوضي لهذا الملف تكلل مؤخرا بتبني شكل جديد من هذه المفاوضات حول المائدة المستديرة مما يعني اقتناع المجتمع الدولي بالأطراف الفاعلة الحقيقية لهذا المشكل وعلى رأسهم الدولة الجزائرية. 

ان عجز القانون الدولي عن ايجاد التسوية لهذا النزاع المفتعل والغموض الذي يلف مواقف بعض القوى الدولية ثم تناقضات تطبيق مبدأ تقرير المصير للشعوب يجعلنا نؤمن بان الحل متروك لمبادرات الدول المعنية كما هو الشأن بالحرب الروسية الاوكرانية حاليا، وهو أمر نجح المغرب فيه الى ابعد الحدود بالتحكم في زمام قاعدة الحل السياسي الذي يضمن منطق لا غالب ولا مغلوب من خلال مبادرته المعروضة كأساس للتفاوض. 

إن مكاسب الدبلوماسية الملكية المغربية في هذا الملف كانت على المستويين السياسي والمعياري تؤطره الحجج السالفة الذكر، وهو أمر دفع البعض للحديث حول دبلوماسية إعلامية وهو أمر نستبعده لعدة اعتبارات نخص بالذكر منها اثنين:  أولها أن أي دبلوماسية تحكمها الخصوصية فالدبلوماسية الرسمية تعرف بالسرية ولغة المصالح اما الدبلوماسية الرياضية فتعمد على البعد الإشعاعي للأنشطة الرياضية، وثانيها هو ذلك البعد التنظيمي وهما امرين لا ينطليان على الاعلام الذي من المفروض على الدبلوماسي والسياسي والحقوقي والرياضي أن يكون على دراية بتقنيات الاعلام من اجل إنجاح مهامه.
 
ابراهيم بلالي اسويح/محلل سياسي في الدبلوماسية والقانون الدولي