لماذا لا تنخرط النساء بالكثافة المطلوبة والفعلية في العمل الجمعوي؟ ما هي العوائق الموضوعية والذاتية التي تحول دون ذلك؟ ما هي السبل الكفيلة بدفع النساء إلى المشاركة الفعالة في العمل المدني المؤسستي؟ كيف ينظر الفاعلون المدنيون والجمعويون إلى هذه المشاركة؟ وما هي مقترحاتهم للنهوض بالمشاركة النسائية في الجمعيات والمنظمات المدنية؟
هذه الأسئلة حملتها "أنفاس بريس" إلى جمعية المواهب للتربية الاجتماعية، على هامش مؤتمرها الوطني السادس عشر، الذي سينعقد خلال الفترة الممتدة ما بين 26 و28 ماي 2023، ببوزنيقة، تحت شعار: "نبض متجدد للترافع حول قضايا الطفولة والشباب والمساهمة في تطوير أداء الجركة الجمعوية التطوعية بالمغرب".
فقد أكد رئيس جمعية المواهب للتربية الاجتماعية، عبد الله مسكيتو، أنها هناك معيقات متعددة لحضور النساء في العمل الجمعوي، وقسمها إلى معيقات ذاتية تتمثل في عدم إفصاح النساء عن إرادتهن الصريحة، سواء أثناء المشاركة في هيئات وتنظيمات المجتمع المدني أو أثناء ترشيحهم في الأجهزة، بالإضافة إلى عدم تمكن النساء من خلق فضاء عمومي يسمح بإعطائهن الفرصة من أجل التعبير عن إمكانياتهن ومؤهلاتهن في ميادين تدبير الشأن التقافي والجمعوي، فضلا عن ضعف الثقة في الإمكانيات الذاتية مما يولد سلوكا سلبيا ينحصر في التعامل واستهلاك المبادرات المطروحة والمستهلكة دون الارتقاء إلى مستوى الخلق والإبداع.
ويضيف عبد الله مسكيتو، في تصريح لـ "أنفاس بريس" أن من المعيقات الذاتية، التي يمكن إدراجها في هذا الصدد، ضعف التواصل البيني داخل الجسم الجمعوي نفسه، وهو ما يؤدي إلى تشتيت الجهود داخل البنية الواحدة، والقبول بالحلول التوفيقية والتوافقية.
وبخصوص المعيقات الموضوعية- وهي معيقات أساسية، فضلا عن كونها سببا جوهريا وأصليا في إفراز العوائق الذاتية- قال عبد الله مسكيتو إنها تكمن في العقلية الذكوربة التي تمارس سيطرة رمزية وعنفا رمزيا هادئا غير محسوس وغير مرئي على المرأة، وذلك بواسطة الطرق الرمزية الخالصة للتواصل والمعرفة والثقافة والدور النمطي للمرأة وتكريس الصور النمطية أو التنمية وترسيخ تلك النظرة الاجتماعية التقليدية في المجتمعات، والتي تعتبر أن الوضع الطبيعي للمرأة هو الزواج وحياة البيت، حيت تُقسم الأدوار بناءا على التمييز، مما يعيق استكمال الفتاة لمسيرتها التعليمية، إلى جانب طبيعة الثقافة الاجتماعية السائدة داخل الأسرة، وفي مؤسسات العمل والخدمات ومؤسسات التعليم التي تعطي التفوق الحتمي المسبق للاعتبارات الذكورية على ماهو أنثوي.
وذهب المتحدث إلى أنه لا يجب أن نغفل عدم جرأة البنيات المؤسساتية القائمة خصوصا منها الجمعوية والثقافية في تجاوز التأثيرات السلبية لطبيعة الثقافة الذكورية السائدة، وذلك في تمكين النساء من الفرصة لإثبات عكس منطق الأطروحات السلبية المهيمنة، فضلا عن غياب نظام قانوني قائم الذات يأخذ بالمفهوم الإيجابي لمبدأ المساواة، ويستند إلى المفهوم الشامل لنظرية العدالة، سواء من خلال الدستور كتشريع أسمى للدولة أو من خلال التشريعات العادية.
من جهتها، قالت لطيفة والباشا، عضو المجلس الوطني لجمعية المواهب للتربية الاجتماعية، في تصريح لـ "أنفاس بريس"، إن مشاركة النساء في الحياة الجمعوية غير بعيدة عن المشاركة السياسية، وهو الأمر الذي تطلب مجهودا كبيرا من أجل تشجيع هذه المشاركة، وهو ما تقوم به الحركة الجمعوية، وخاصة على مستوى الجمعيات الوطنية التي ما فتئت تشجع مشاركة النساء، وتعمل على تحقيق حضورها في اتجاه المناصفة في جميع هياكلها وخاصة التقريرية منها.
وأردفت والباشا أن مشاركة النساء في تدبير الجمعيات بصفة عامة، يظل حكرا على الذكور، إذ نادرا ما تتولى المرأة المناصب القيادية، وقالت: "يرجع السبب إلى عدة عوامل، منها ماهو اجتماعي من الأدوار النمطية التي كانت تناط بالمرأة والتي أضحت متجاوزة اليوم، ومنها ماهو اقتصادي وهو المحرك الأساس الذي يرتبط بالاستقلالية المالية، وبالتالي المساهمة بشكل مريح في العمل التطوعي والمدني والجمعوي".
وواصلت قولها: "على الرغم من مجموعة من المكتسبات، يبقى الدور الريادي للمرأة في مكاتب التدبير حبيس بعض التكليفات المرتبطة بالطفل والمرأة والأسرة (وهو ما يعيدنا إلى الأدوار النمطية) التي أصبح من الضروري تجاوزها، وقليلة هي الجمعيات- إن لم نقل تنعدم- التي تشتغل في مواضيع عامة، وتترأسها المرأة، وهذا يرجع ربما إلى الحاجة إلى الثقة والفرصة في التجربة، كما يرجع في بعض الأحيان إلى ضعف الكفاءة، وغالبا إلى الانشغالات التي تحول دون المساهمة بشكل جيد، الأمر الذي يؤدي إلى تصحيح الصورة وبناء الثقة، إلا أن مسألة المقاربة المبنية على النوع هي متغير رهين بالزمن والتحولات السوسيواقتصادية، وهي مرشحة دائما للتجاوز أمام الكفاءة والاستعداد لتحمل المسؤولية في قريب السنوات".
أما حبيبة بنعياد، رئيسة جمعية "رباط الخير" للثقافة والتنمية الاجتماعية، فاعتبرت أن هناك حضور وازن للعنصر النسوي في العمل الجمعوي، ذلك أن هناك عددا مهما من المنخرطات، إلا أن المشكل المطروح هنا يتجلى في عدم تسليط الضوء على مجهوداتهن، خاصة إذا كانت المناصب الرئاسية في أيدي الرجال.
وأبرزت بنعياد الأسباب التي تجعل الفاعلات الجمعويات ينحصرن في خانة جنود الخفاء، ولا تمنح لهن الفرصة لإثبات أنفسهن في هذا المجال، في عدم ملائمة أوقات العمل الجمعوي للمرأة، وكذا المسؤوليات العائلية والعملية أحيانا التي تقع على عاتقها وغيرها من الإكراهات؛ وهي الإكراهات نفسها التي أكدتها، حبيبة العزاوي، بصفتها رئيسة جمعية "البر" لمساندة ذوي الاحتياجات الخاصة، مشددة على أنه رغم الارادة القوية التي تتحلى بها النساء واستعداد عدد مهم منهن لتسجيل حضورهن في الأعمال الاجتماعية، إلا أن الظروف غالبا ما تكون غير ملائمة للعنصر النسوي، وليست في صالحه، على عكس الرجال، خاصة من ناحية الوقت، إذ غالبا ما يشكل هذا العمل عبئا إضافيا عليهن.
واعتبرت المتحدثة ذاتها أن المساهمة المادية أيضا تدخل في خانة الإكراهات التي تحد من انخراط المرأة في العمل الجمعوي، نظرا لكون عدد مهم من المنخرطات هن ربات بيوت، لذا تقتصر مساهمتهن في الأنشطة على الجانب المعنوني وإنجاز بعض المهام.
وحددت بشرى البكاري، عضو المكتب الوطني لـشبكة القراءة" ورئيسة فرع بن امسيك الدار البيضاء، في تصريح لـ "أنفاس بريس"، أسباب ضعف حضور المرأة في العمل الجمعوي في قلة وعيها بمدى أهمية العمل الجمعوي والعمل التطوعي بصفة عامة، إذ أن شريحة عريضة منهن تعتبرها مجرد مضيعة للوقت، بالإضافة إلى أن التربية التي تخصع لها المرأة المغربية والعربية عامة، داخل مجتمعنا الذكوري، دائما ما تهيئها لتكون أما ومسؤولة عن أسرة لا غير، وألا تهتم كليا بالشأن العام أو المواضيع السياسية أو الثقافية وغيرها.
وأوضحت البكاري أنه غالبا ما يكون انخراط المرأة في العمل الجمعوي انخراط محدودا في العمل التضامني، في حين أن مسارات العمل الاجتماعي متعددة، مشيرة إلى أن ذلك يعود إلى طبيعة تكوين المرأة، فقد خلقت بطبيعة جياشة تغلب عليها العاطفة.
ومن الأسباب التي تجعل مشاركة المرأة في العمل الجمعوي ضعيفة، تقول البكاري، قصر ذات اليد، بمعنى أن الجانب المادي يكون حاضرا كقائق لانخراط المرأة في العمل الجمعوي الذي يقوم على التطوع، ويتطلب مجموعة من التضحيات، بما فيها التضحيات المادية.
وأشارت بشرى البكاري إلى أن ما يفسر قلة تولي المرأة لمراكز القرار يرجع إلى أن العقلية الذكورية السائدة في المجتمع المغربي والعربي عامة، فهي في نظرهم ليست لها القدرة على تحمل المسؤوليات الكبيرة مع أنها باتت تشتغل في البيت وخارجه، على عكس الرجل، لذلك نلاحظ أن فئة مهمة منهن تفكرن في ولوج العمل الجمعوي بعد أن تخف مسؤولياتهم، أي عندما يكبر الأبناء، لتفادي الإحساس بالملل.