هذه هي حقيقة قصة كتابة نص الأغنية الشعبية "تْزَوَّجْ مَا قَالْهَا لِيَّا" للفنان بُوشْعَيْبْ الجْدِيدِي (الحلقة 1)

هذه هي حقيقة قصة كتابة نص الأغنية الشعبية "تْزَوَّجْ مَا قَالْهَا لِيَّا" للفنان بُوشْعَيْبْ الجْدِيدِي (الحلقة 1) الفنان بوشعيب ناجد الجديدي

لكل إبداع حكاية جميلة أو قصة مؤثرة موشومة في الذاكرة، و وراء ولادة كل نص غنائي مخاض وألم ومعاناة من أجل أن يرى "المولود" العمل الفني النور، ويجد له العشّ الدافئ والحاضن في هذه الحياة بين أفراد المجتمع، خصوصا إن كان الإبداع الذي سنتحدث عنه ونكشف حقيقته للرأي الفني والموسيقي، أغنية شعبية تركت الأثر الطيب لدى الجمهور المتلقي في الأوساط الاجتماعية خلال نهاية السبعينيات من القرن الماضي بالمغرب وخارجه وتغنى بها ألمع الفنانين والفنانات من المحيط إلى الخليج.

الأغنية الشعبية التي سنسلّط عليها الضوء في مقالنا (تْزَوَّجْ مَا قَالْهَا لِيَّا) والتي تقول لازمتها الرائعة:

"أَنَا مَا نْوِيتْ فْرَاقُو

هُوَّ الِّلي سْخَا بِيَّا

تْزَوَّجْ مَا ﯕَالْهَا لِيَّا

حَالْفَةْ حْتَّى نْبَالِي بِيهْ"

هذه الأغنية الشعبية التي تجرأ العديد من المغنين والمغنيات الشعبيين (مغاربة وعرب) على إعادة غنائها دون ذكر اسم كاتب كلماتها وملحنها الذي عاش قصتها ومخاض كلماتها المؤثرة. فمن يكون كاتب كلماتها وملحنها وما هي حكاية أسباب نزولها؟ وما هي قصة حياة مبدعها منذ طفولته؟ وكيف رسم لنفسه مسارا فنيا راقيا مع ألمع الموسيقيين سواء داخل الوطن أو بديار الغربة بين أصدقائه الجزائريين والمصريين واللبنانيين والتونسيين...؟

في الحلقة الأولى من هذه السلسلة عن مسار الفنان الموهوب بُوشْعَيْبْ الجْدِيدِي (جده لأمه المرحومة حفيظة بنت محمد هو الشيخ الرائد الراحل الشِّيخْ محمد الدَّعْبَاجِي المنتسب لأرض الحصبة) حيث سنركز على مكان وزمان ولادة كلمات النص والقطعة الغنائية على اعتبار أننا سننشر في حلقات قادمة حول مسار وسيرة هذا الفنان الألمعي الذي فتح صدره لجريدة "أنفاس بريس"

من هو الفنان الألمعي والراقي بوشعيب ناجد الجديدي؟

بعد أن اشتد عوده في الوسط الفني بين أفراد مجموعة الجوق الموسيقي بمدينة الجديدة خلال سبعينيات القرن الماضي وهو مازال شابا (ازداد سنة 1958)، وتمرس على العزف على مختلف الآلات الموسيقية خصوصا آلة "النّاي" و "العود" و "الكمان". أصبح الفنان بوشعيب ناجد (بُوشْعَيْبْ الجْدِيدِي) صديقا لوالده المرحوم محمد ناجد الملقب بـ "الطّْرَابْشِي" بعد صراع وخصام بينهما بفعل رفضه ومعارضته تعاطي ابنه مع الموسيقى ومقاطعته للدراسة في مرحلة التعليم الإبتدائي، خصوصا أن صدمة طلاق والدته وفراقها مع أبيه، أثر فيه نفسيا بشكل كبير، ولم يجد العزاء في فقدان حضن أمه "حَفِيظَةْ" إلا في سحر الموسيقى والعزف والغناء، سواء في خلوته على سطح البيت (على آلة الليرة) أو خلال بعض المناسبات الوطنية أو الجلسات الخاصة والعائلية، وفي نفس الوقت احترف الفنان الشاب سياقة تاكسي الأجرة الصغير بعاصمة دكالة مدينة الجديدة بالتناوب مع والده الذي كان يملك محلا تجاريا لبيع الأسطوانات الغنائية والأشرطة وآلات التسجيل.

أذن موسيقية تلتقط كلمات موضوع اجتماعي من فم امرأة مكلومة

في أحد أيام عمله كسائق تاكسي الأجرة الصغير كان الشاب الفنان الموهوب بوشعيب ناجد يتجول بين شوارع مدينة الجديدة وأزقتها للبحث عن زبناء، فإذا به يرمق عددا هائلا من الفضوليين يتحلقون حول امرأة تبكي وتنوح، وتحديدا بالقرب من محلات العدول بالقرب من محكمة الاستئناف.

"كانت امرأة غاية في الحسن والجمال، تتمرغ في التراب، نازعة خرقة الرأس حيث انسدل شعرها الأسود الكثيف والطويل المنساب على كتفيها، وهي تضرب بكلتا يديها على الأرض بعصبية وتردد كلاما مؤثرا". يحكي الفنان الموهوب بوشعيب

ومن بين الكلام الذي انطلق كالسّهم من لسانها ليخترق قلب الفنان بوشعيب ناجد في تلك اللحظة كانت تلك المرأة المكلومة تردد عبارة: "آشْ دَرْتْ أَنَا حْتَّى يَتْزَوَّجْ عْلِيَّا، آشْنُو الِّلي فِيَّا خَايَبْ حْتَّى يَتْزَوَّجْ عْلِيَّا...عَلَاشْ تْزَوَّجْ أُو مَا ﯕَالْهَا لِيَّا...كُونْ غِيرْ الْهَا لِيَّا".

كانت المرأة الجميلة تبكي وتنوح وتصيح بأعلى صوتها مرددة هذا الكلام المؤثر وتعيده مرات ومرات، وتضرب بكفيها على الأرض، وهي في وضعية نفسية وعصبية جد مؤثرة.

مخاض و ولادة النص الغنائي

في هذه الأثناء تحركت قريحة المبدع الفنان واعتبر ذات الكلام يليق بكتابة موضوع اجتماعي، ونص شعري يستحق اللحن والغناء، وتداوله وسط المجتمع فكان ما كان. هكذا استعجل الفنان الشاب بوشعيب ناجد ولادة النص الغنائي، ولم يتردد في دعوة بعض أفراد الجوق الموسيقي إلى بيت أفراد أسرته، والعمل على تسجيل القطعة المذكورة بحضور والده المرحوم محمد ناجد والتي سيكون لها ما بعدها.

في هذا السياق يحكي الفنان بوشعيب قائلا: "أحضر والدي رحمة الله عليه آلة التسجيل، واجتمع أفراد الجوق بآلاتهم الموسيقية والإيقاعية في بيتنا بما فيهم إخوتي (ما زال أغلبهم على قيد الحياة أطال الله في عمرهم)، واشتغلنا على القطعة الغنائية التي اعتبرها معبرة عن واقع الحال بحب وعشق إلى أن أتممنا العمل وتسجيله على شريط/ ألبوم يضم أغاني أخرى مع الأغنية الرئيسية (تْزَوَّجْ مَا ﯕَالْهَا لِيَّا)".

حكاية استديو "الحسين بوسيفون" مع القطعة الغنائية

كان هذا هو أول عمل قام بتوثيقه الفنان بوشعيب الجديدي رفقة إخوته و والده ومجموعة الجوق الموسيقي الذي كان يشتغل معه، ومن هنا جاءت فكرة ضرورة الترويج لهذا العمل الفني عن طريق بيعه لأحد الإستديوهات بمدينة الدار البيضاء المتخصص في التسجيل والتسويق حيث يوضح بقوله: "استأجرنا سيارة أجرة كبيرة بثمن 300,00 درهم من الجديدة، وسافرنا إلى مدينة الدار البيضاء رغم أننا لا نعرف مكان تواجد استديو (الحسين بوسيفون)، ولكننا وصلنا إلى هدفنا بعد السؤال والبحث عنه بدرب السلطان".

بعد التعرف على محل الاستديو وصاحبه الحسين (مازال على قيد الحياة) خاطبه الفنان بوشعيب ناجد قائلا: "نحن أبناء مدينة الجديدة، ونريد تسجيل هذا العمل الموثق على الشريط. إن راقك العمل وأردت استنساخه على الأشرطة للتسويق فهو كذلك، وإن أدرت تسجيله بطريقتك فنحن مستعدون لتنفيذ قرارك".

لكن يضيف نفس المتحدث موضحا أن الحسين صاحب استديو بوسيفون آنذاك استمع للشريط، ورد عليه بأن هناك أغنية وحيدة "هِيَّ رَاسْ السُّوقْ" في إشارة لقطعة (تْزَوَّجْ مَا قَالْهَا لِيَّا) لذلك لم يتجاوز اقتراحه لسعر الشريط سوى ألف درهم. إلا أن الفنان بوشعيب لم يستسغ الأمر وقرر العودة للجديدة وتسجيل الشريط لوحده وتسويقه بطريقته على اعتبار أن والده المرحوم محمد ناجد كان يملك محلا لبيع الأسطوانات والأشرطة الموسيقية والغنائية وآلات التسجيل أيضا.

يقول في هذا الصدد: "في الحقيقة لم استوعب في حينه سلبية القرار الذي اتخذته، لأنني كنت شابا لا أعرف كيف أدبر مثل هذه الأمور. كان علي قبول الاقتراح وتسجيل الألبوم، على الأقل سأضمن توثيقه وتسويقه باسمي وفق ضوابط حقوق الفنان المتعارف عليها آنذاك".

واستطرد قائلا: "عند وصولي لمدينة الجديدة اقترحت على والدي أن نقوم بتسجيل الشريط لوحدنا ونسوقه بمحلنا. حيث بدأنا بتسجيل ثمانية أشرطة دفعة واحدة مستعملين ثمانية آلات تسجيل متصلة ببعضها البعض تقنيا، ونجحت الفكرة بشكل رائع". وانطلقت العملية دون مشاكل تقنية حيث لقيت الأشرطة "رواجا تجاريا مبهرا، وتناقلت الألسن محتواه الجميل وتحدثت عن القطعة المذكورة الركبان في البادية والمدينة وخارج المغرب وفي الأوساط النسائية نظرا لجرأة الموضوع الاجتماعي ومحتواه المؤثر".

وشدد الفنان بوشعيب الجديدي على أنه "انبهر ذات سنة لما حل بالجديدة في زيارة لموسم مولاي عبد الله حيث كانت أغنية (تْزَوَّجْ مَا قَالْهَا لِيَّا) تصدح بها مكبرات الصوت، ويتغنى بها الكبير والصغير، والمرأة والرجل". وأكد على أنه "غير نادم على ما وقع لأن القطعة أصبحت ملكا مشاعا بين أفراد الشعب المغربي واستحسنها الجمهور نظرا لتناولها موضوع اجتماعي غاية في الأهمية"

بعد مدة طويلة متنقلا بين المغرب وفرنسا محترفا الموسيقى والغناء سيفاجئ الفنان الموهوب بُوشْعَيْبْ الجْدِيدِي بشهرة أغنيته (تْزَوَّجْ مَا قَالْهَا لِيَّا) وبعد أن فهم معنى حقوق المؤلف ظل متقاعسا عن تسجيل وتوثيق نصوصه الغنائية التي كتبها ولحنها مثل (وَعَارْ اللهْ قِلُونِي) و (أَوْلِيدِي مَا بْغَيْتْشْ نْزَوْجَكْ) و (أَيَا مِّيمْتِي كِي سْخَيْتِي بِفْرَاقِي)...وشاعت كل أغانيه بين الفنانين الشعبيين ولقيت إقبالا ونجاحا كبيرين بين الجمهور.

عن أغاني فيلم "خَرْبُوشَةْ" لمخرجه حميد الزوغي أوضح نفس المتحدث بأنه قام بتلحينها وأن كلماتها للكاتب خالد الخضري، حيث قامت بغنائها الشيخة خديجة مركوم، وأضاف بأن من بين أعماله الفنية تأليفه لموسيقى جينريك فيلم "الَحْنَشْ" لمخرجه إدريس لمريني.