العميد يوسف البحيري في حوار خاص حول الحكامة الأمنية والتعاون الدولي في مجال مناهضة الإرهاب

العميد يوسف البحيري في حوار خاص حول الحكامة الأمنية والتعاون الدولي في مجال مناهضة الإرهاب العميد يوسف البحيري

بمناسبة الذكرى ال67 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني، يسر "أنفاس بريس" و"الوطن الآن" أن تستضيف العميد يوسف البحيري أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض بمراكش، لتقريب القراء حول مدى التزام المؤسسة الأمنية بالمعايير الدولية للحكامة الامنية، وتحليل استراتيجية المغرب في مجال مناهضة الإرهاب، ودور المؤسسة الأمنية في نجاح التجربة المغربية في الأزمة الصحية كوفيد19، دون الحديث عن الحفاظ على أمن المواطنين وسلامة الممتلكات.

 

بداية، ماهي قراءتكم لرهانات الحكامة الأمنية بالمغرب؟

تشكل الحكامة الأمنية احدى توصيات هيئة الانصاف والمصالحة التي تعتبر تجربة فريدة في العدالة الانتقالية في العالم، حيث شكلت المبادرة الملكية بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة بمرسوم ملكي بمقتضى الصلاحيات الدستورية لجلالة الملك بصفة حاميا لحقوق المواطنين وحرياتهم، وتنصيبها بتاريخ 7 يناير ،2004 محطة بارزة في تاريخ المغرب الحديث لمساهمتها في البناء الديموقراطي وارساء دعائم دولة القانون ببلادنا.

كما يروم التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان في وثيقة 2011 إلى وضع مرجعية للحكامة الأمنية وضمان انخراط المؤسسة الأمنية بكل مكوناتها في البناء الديمقراطي واحترام الحقوق والحريات الأساسية. فمن المستجدات التي جاءت بها الوثيقة الدستورية نذكر:

- الحق في الحياة: " الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق"، (الفصل 20 )

- الحق في السلامة الشخصية: "لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه"، (الفصل 21 )

- الحق في عدم التعرض للتعذيب أو غير من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية: "لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لاإنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون"، (الفصل22 )

- الحق في المساواة أمام القانون: "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له "، (الفصل 6 ) .

ونذكر مسألة المعايير الدولية للحكامة الأمنية في تطبيق القانون بالمغرب لقيت قدرا من الاهتمام وفق مقتضيات المواثيق الدولية ذات الصلة، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 24/169 المؤرخ في 17 دجنبر 1989 الذي يتضمن مدونة سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون وتشمل الموظفين الذين يمارسون صلاحية الحفاظ على النظام العام:

فالمادة 1 من المدونة تؤكد على أنه: "يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون أن يؤدوا الواجب الملقى على عاتقهم وفق مقتضيات التشريعات الجاري بها العمل في جميع الظروف"

المادة 2: يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون بأن يحترموا أثناء قيامهم بواجباتهم، الكرامة الإنسانية ويحمونها، ويحافظون على حقوق الإنسان لكل الأشخاص ويوطدونها.

المادة 3: لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون إستعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لأداء واجبهم.

المادة 5: يتعين على الموظفين المكلفين لإنفاذ القانون حظر التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية.

المادة 8: يتعين على الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون العمل على منع وقوع خروقات للقانون، وعند حدوث أي انتهاك لمدونة السلوك عليهم إبلاغ الأمر إلى السلطات العليا والأجهزة المختصة التي تتمتع بصلاحية المراجعة ورفع التعسف.

 

فإذا كان الدور الأساسي للمكلفين بإنفاذ القانون يتمثل في تعزيز وحماية النظام العام، إلى أنهم يتمتعون بنطاق واسع من الصلاحيات والسلطات التقديرية الممنوحة لهم لتمكينهم من أداء مهامهم وواجباتهم، ولهذا فالمواثيق الدولية تهدف في هذا الإطار إلى ضرورة إعمال مبادئ المشروعية والضرورة والإلمام بالقانون، أثناء مراقبة الهوية، وذلك من أجل مناهضة جميع أشكال التجاوزات المرتبطة والقبض على الأشخاص واحتجازهم تعسفا أو دون سند قانوني.

 

إلى أي حد يساهم المغرب في إرساء دعائم التعاون الأمني الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب؟

سبق لوزارة الخارجية الأمريكية أن أشادت في تقريرها السنوي حول الإرهاب، بإستراتيجية المغرب في مكافحة الإرهاب، معتبرة أن الدولة المغربية نموذجا فريدا في التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، إضافة إلى توفره على استراتيجية شاملة في هذا السياق ترتكز على التنمية البشرية والاقتصادية وتأطير المجال الديني قصد محاربة التطرف.

إن أهم ملاحظة أساسية يمكن تقديمها بشأن  تقرير وزارة الخارجية الأمريكية هو أنه يعتبر الدولة المغربية "حليفا رئيسيا خارج الناتو"  وشريكا رئيسيا في سياسة مكافحة الارهاب، وهو ما يجعله يحظى بالثقة الدولية لهيئة الامم المتحدة والمجتمع الدولي، حيث ترأس المغرب حاليا بشكل مشترك مع كندا المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، ويفسر لماذا يستضيف هذا البلد مناورات الأسد الأفريقي السنوية وإحتضانه لمكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في أفريقيا، كما نوه تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بإستضافة المغرب لاجتماع فريق العمل المعني بمكافحة الإرهاب في إطار مؤتمر وارسو الخاص بالتمويل غير المشروع للتنظيمات الإرهابية.

وتجب الإشارة، إلى أن لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن اعتبرت الدولة المغربية نموذجا فريدا لعدة اعتبارات في غاية من الاهمية، أولها انخراط المصالح الأمنية المغربية في مكافحة الإرهاب على المستوى الداخلي والمساهمة في مكافحة الإرهاب على الصعيد العالمي، وذلك من خلال تبادل معلومات استخباراتية مهمة مكنت مجموعة من الدول الصديقة من الوقاية وتفادي وقوع عمليات إرهابية تستهدف أمنها ومصالحها، خصوصا وأن سهولة تنقل المقاتلين من سوريا والعراق ساهم في توافد عدد كبير من الجهاديين الى  كل أنحاء العالم. وفي هذا السياق أشار تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الى أن المغرب يؤسس تعاونا أمنيا وثيقا مع شركائه الأوروبيين، ولا سيما بلجيكا وفرنسا وإسبانيا، لإحباط التهديدات الإرهابية المحتملة في أوروبا.

 

 كيف يمكنكم تحليل المقاربة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب؟

إن جريمة الإرهاب أضحت ظاهرة عابرة للقارات تخلف العديد من القتلى من جنسيات مختلفة والعشرات من الجرحى والبعض منهم سيعيشون بعاهات مستديمة نتيجة فقدان أعضاءهم ويمكن ان يرتكبها الافراد او الجماعات من اجل نشر الخوف وعدم الاستقرار، والجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1994، وضعت تعريفا للإرهاب، على اعتباره "يندرج في الأعمال الإجرامية التي يقصد منها إشاعة حالة من الرعب، لأغراض سياسية وايديلوجية بين عامة الجمهور.

إن العمليات الارهابية كانت بمثابة امتحان حقيقي وجسدت محطة أساسية لإختبار مدى قدرات الاجهزة المعنية على إحترام مبادئ وضوابط الحكامة الامنية في مناهضة الإرهاب، وهو ما يؤدي إلى تقوية آليات الدولة في إعمال القانون وفي تكريس دور الأجهزة الأمنية في أن تكون في خدمة المواطنين وحماية الأرواح والممتلكات العمومية، وأن تساهم في ذات الوقت في السلم الاجتماعي ومأسسة البناء الديموقراطي و المجتمع الحداثي، مع منح كافة الضمانات لمحاكمة عادلة ومنصفة للمتابعين في ملفات جرائم الإرهاب، متضمنة فرص براءة المتهم، وحق اختبار الأدلة والحق في الدفاع وغيرها.

 

لقد انخرطت الدولة المغربية في دينامية مقاربة هامة متعددة الأطراف في مجال مكافحة الإرهاب، التي لا ترتكز فقط على الجانب الأمني، بل تتجاوزه نحو إستراتيجية دينية وروحية ناجحة، تروم نشر القيم والمبادئ الإسلامية المتجسدة في التسامح والاعتدال والوسطية، وذلك من منطلق المكانة الدستورية والسياسية لجلالة الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين وضامنا للأمن الروحي والديني لدى مكونات المجتمع المغربي.

والجانب الثاني الذي يجب استحضاره في تحليل الاستراتيجية المغربية،  هو التركيز على المقاربة في مجال التنمية السوسيوـ اقتصادية في سياقات مكافحة الإرهاب، والتي تضع الفرد في صلب انشغالاتها من اجل محاربة الاقصاء والتهميش والتي تستخدمه الجماعات الارهابية من اجل توظيف عناصرها. وأكد المغرب أمام الدورة السابعة لمؤتمر الأطراف في معاهدة الأمم المتحدة باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة المنعقدة في فيينا، على توفره على استراتيجية متعددة الجوانب لمواجهة الجريمة المنظمة والإرهاب بمحاربة التطرف الديني وحماية المجتمع من الهشاشة، وكذلك إدماج المهاجرين في المجتمع المغربي.

وعلى المستوى الميداني، فالسلطات الأمنية المغربية تمكنت بشكل مستمر من تفكيك خلايا إرهابية كانت تخطط لمهاجمة أهداف مختلفة، من بينها مبان عامة وشخصيات ومواقع سياحية. كما نجحت منذ عقدين من الزمن  في تفكيك شبكات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة بمنطقة الساحل لا سيما “فتح الأندلس” و”المرابطون الجدد” المكونة من أعضاء من جبهة البوليساريو وجماعة أمغالا. ويحذر المغرب منذ سنوات من التواطؤ القائم بين القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي ومليشيات البوليساريو في منطقة الساحل وما يشكله من تهديد حقيقي للاستقرار بدول شمال افريقيا.

 

ماهي الدروس المستقاة من مساهمة المؤسسة الأمنية في انجاح التجربة المغربية فيما يخص التدابير والإجراءات المتخذة لمكافحة جائحة كورونا؟

كما تعلمون، أدى  إنتشار جائحة  كورونا  إلى خلق أزمة صحية كونية غير مسبوقة أرعبت  المجتمع الدولي، فالمغرب كباقي دول العالم واجه  تحديا حقيقيا، يتجلى في ضرورة اتخاذ مجموعة من التدابير الصحية  والقانونية، تجلت في فرض حالة الطوارئ والحجر الصحي والالتزام بقواعد النظافة والسلامة الصحية، والتي ساهمت في تجنب الأخطار  المتعددة لفيروس كوفيد -19، وحماية ووقاية المغرب من الوباء وانخفاض حالات الوفيات و المصابين بالفيروس والحفاظ  على الصحة العامة للمواطنين.

لقد اتخذ المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس عدة تدابير اجرائية فعالة لمواجهة فيروس كورونا، وهي التي ساهمت الى حد بعيد في الحد من خطورة الوباء وتجلت في إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية ووضع الحواجز الأمنية للحد من تنقل الأفراد، والرفع من وتيرة التحاليل المخبرية، وإتباع بروتوكول علاجي بالنسبة للمصابين بفيروس كورونا، وآخرها إطلاق تطبيق الكتروني لتعقب الأشخاص المصابين بفيروس كورونا لمنع تفشي الوباء.

فالدولة المغربية كانت سباقة لفرض حالة الطوارئ، مما أعطى صلاحيات استثنائية للسلطات العمومية والمؤسسة الامنية في إطار الدستور والقوانين، التي تقوم على حظر التجول على نطاق واسع بهدف الحجر والعزل قصد الحد من انتشار الفيروس القاتل، مع توزيع الكمامات الطبية على المواطنين بأثمان مناسبة تستجيب للقدرة الشرائية للفئات العريضة من المواطنين المغاربة.

فمن الدروس المستقاة من مكافحة جائحة كورونا بالمغرب، هو أن المؤسسة الأمنية قامت بدور فعال لتحسيس عموم المواطنين للتضحية بالحياة العادية والعلاقات الاجتماعية والتجول والرياضة والترفيه، ويمكن استغلال الفرصة لتحية القطاع الطبي والأمني والمكلفين بإنفاذ القانون ونساء ورجال التعليم والقضاء والإعلام وقطاع النظافة على روح المواطنة والتفاني في خدمة هذا البلد الأمين.

ولكن بالمقابل، أبانت الأزمة الصحية وجود نوع من الانفلات من حين لآخر، والذي يتجلى في عدم اكتراث بعض المواطنين بحالة الحجر الصحي، رغم مطالبة السلطات المختصة بالمزيد من الحذر والالتزام بالبقاء في البيوت، خصوصا وأن البؤر العائلية في الأحياء الشعبية شكلت تهديدا حقيقيا على الصحة العامة للمغاربة.

وربما هذه الجائحة الوبائية تدعو للتأمل والتفكير بجدية وحزم في ضرورة الاستثمار في التربية على المواطنة كرهان حقيقي لبناء المجتمع الحداثي وتلقين قيم التضامن والقدرة على المبادرة واحترام القانون.