قراءة في الفيلم المغربي " أسماك حمراء" 

قراءة في الفيلم المغربي " أسماك حمراء"  فؤاد زويريق 
هل يمكننا أن نشاهد فيلما مغربيا من بدايته الى نهايته ونستمتع قدر الإمكان بواقعيته وفنيته؟ هل يمكن لفيلم مغربي أن يسلبك فكريا ونفسيا وانسانيا... طيلة مدة عرضه؟ 
نعم يمكن ذلك، فهناك تجارب تبعث من حين إلى آخر تجعلنا ننسى الى حين انتكاساتنا المتتالية سينمائيا، تجارب تفرض عليك الوقوف لأصحابها احتراما، والتصفيق لهم تشجيعا، شاهدت اليوم في ميغاراما مراكش، الفيلم المغربي الطويل "أسماك حمراء" للمخرج عبد السلام الكلاعي، فيلم يشدك من بدايته الى نهايته، فيلم مصنوع بحرفية فنية، فيه من الإبداع ما يجعلك تستمتع بتفاصيله، "جمل بصرية" مكتوبة بعناية عبر كاميرا متحركة لاتعترف بالحدود الفاصلة بين التخيلي والتسجيلي،  مما يجعل واقعيته طاغية، بعيدا عن المبالغة في التعبير الممسرح الذي يتقنه بعض الممثلين المزيفين، تقف جليلة التلمسي بكل موهبتها وطاقتها لتعطينا درسا في التشخيص الحقيقي القادر على نقل الانفعالات الداخلية بكل بساطة وسهولة وسلاسة، دون إفراط ولا تفريط، جليلة التلمسي هنا هي مركز ثقل هذا العمل، واختيارها كان فيه ذكاء، ملامحها، تعابيرها، حركاتها الجسدية... كلها عناصر شكلت الشخصية الملائمة لهذا الدور، وكأن السيناريو فصّل عليها تفصيلا، هذا الأخير الذي شكل نواة الفيلم وجعل بناءه الدرامي متماسكا وصلبا الى آخر نفس، بجانب جليلة التلمسي التي لعبت شخصية حياة هناك أيضا فريدة بوعزاوي ونسرين الراضي، الأولى كانت الدعامة الرئيسية التي ساندت جليلة وجعلت تشخيصها بهذه القوة والإبداع، وحققت توازنا بينها وبين باقي الشخصيات، كما ساعدتها على الإنطلاق بكل أريحية، أما الثانية أي نسرين الراضي فكانت ممتعة ومبدعة بشكل مبهر، وهذه حقيقة فليس من السهل لعب دور شخص مصاب بالشلل الدماغي، لكن نسرين كما دائما كسبت الرهان وكانت على قدر المسؤولية في تشكيل لوحة درامية بعمق نفسي وانساني متقن الى حد كبير،  والثلاثة في هذا العمل شكلن مفاتيح السجن برمزيته الجسدية والذكورية والترابية، فحياة/ جليلة التلمسي هي سجينة للمجتمع الذكوري فدخولها السجن كان نتيجة تصرفات زوجها الذي قتله، وخروجها من السجن ومحاولتها التأقلم من جديد داخل المجتمع جعلها تتصادم وتصدم بسلوكيات ذكورية من شقيقها، ووالد زوجها، وابنها الذي نكرها في البداية،  والمشرف على العاملات الذي تحرش بها، وسائق الشاحنة... وهدى/نسرين الراضي هي سجينة جسدها بسبب إعاقتها التي ألزمتها الكرسي المتحرك، أما أمل/ فريدة بوعزاوي  فهي سجينة الوطن الذي خذلها وفضلت الهروب منه ومغادرته بطريقة غير شرعية على البقاء فيه بجانب أختها هدى، في النهاية يتم تحرير السمكة الحمراء وإعادتها الى البحر، فهل هو أمل وحياة وتحرير لهؤلاء النسوة؟ القصة بسيطة للغاية لكن طريقة تناولها وسردها، ومعالجتها، وشحنها بالمشاعر الإنسانية الطبيعية وكذا اللغة البصرية المستعملة جعلها تشكل عملا خصبا ممتلئا بعناصر فنية أثرت علينا كمشاهدين من الناحيتين الإبداعية والإنسانية، فالابداعي هنا كل مايهم التشخيص والرؤية الاخراجية والسيناريو واختيار وتسكين الممثلين... والإنساني يهم الموضوع نفسه وعوالمه المتفرعة والمتفرقة بين الشخصيات. على كل هذه ليست مقالة تحليلية ولا نقدية هو مجرد انطباع أولي حول عمل إبداعي متقن لمخرج مجتهد طموح جعلني شخصيا أستمتع اليوم، برافو جليلة التلمسي التي حملت حرفيا الفيلم فوق كتفيها من ناحية التشخيص، برافو لنسرين الراضي التي لعبت دورا مختلفا وأظنه من أصعب الأدوار في مسارها السينمائي، لعبته باحترافية عالية جدا، برافو فريدة بوعزاوي التي أعطت كل مايمكن إعطاؤه لإنجاح هذه التجربة، برافو أيوب العمراني برافو محمد المويسي برافو لكل طاقم العمل.