عندما يبادر المرء إلى إعلان موقفه أو يظهر في مشهد ما، ينعت، حسب السياق أو الظرفية أو الغاية، بصفته أو موقعه أو مهنته أو منصبه أو وظيفته المعروف بها؛ وغالبا ما يطلق عليه نعت: إما مناضل أو حقوقي أو سياسي أو إعلامي أو فنان أو رياضي.
وما يهم في هذا الصدد هو أننا اكتشفنا بأننا فشلنا في أن نكون سياسيين بالمعنى الذي تقتضيه الواقعية والمصلحة والنفعية، كما فشلنا في أن نصير مناضلين بالمعنى الذي يتطلبه الصراع الاجتماعي والسياسي والفكري في أبعاده الجماعية، في ظل تصاعد المد الفرداني وانتعاش المبادرات المصلحية الضيقة النزوع. لأنه كل ما نملك مجرد مقاربات شخصية يتطلب تنفيذها احتلال موقع للسلطة وتملك مصدر للقوة.
مما يجعل أغلبنا مجرد موضوع للسياسة والسياسيين يطلب منا تصريف المواقف وفق جدول أعمال يعتمد تعبئة من أعلى، ورغم أنه ليس كل فشل قدري؛ فإن إشكالية التموقع بين " المناضل " و"السياسي " يمكن أن تكون محل سجال ونقد أنطولوجيين لارتباطه بعنصر القدرة على التموقع والريادة بدل الخضوع لمنطق إرادة الاصطفاف والوعي بجدوى الانتماء للتفكير والتدبير الجماعيين.
وإذا كان لابد من التعبير عن الانتماء فإننا ننتمي لجيل النرجسيات الجماعية والذي قدر له أن يتعايش مع جميع أقرانه في جيل القنطرة، مخضرم بين استقلال لم يكتمل، وديمقراطية موءودة، وعدالة مترددة، واشتراكية مبتذلة في الأحلام فيما يشبه الكوابح الذاتية السائلة.
حقا نجحنا في تبوء موقع ضمن المجال العام أو الفضاء العمومي ، لكن حضورنا يظل مجرد كومبارس يخدم مصلحة صانعي القرار الأمني أو الحزبي لا فرق؛ لنظل مجرد ضحايا هيمنة المجال السياسي المغلق وفريسة لعوالم التواصل الافتراضي، مما يتطلب منا خوض معارك إثبات الذات والشقاء ولفرض الوجود من أجل البقاء؛ وبتجديد النفَس، والإقرار بالنفْس ، لتصير الكلفة مضاعفة ، ومضطرين لتكثيف التفكير بحس إنساني حتى لا يسقط وعينا المتراكم في العدم ، وتفاديا لأي تماه عبثي بين مطلب " أعرف نفسك " المعنوية وواجب " اهتم بنفسك " الثقافية !