"المشرملين"، أصلا هذا النعت يدل على صفة المنعوتين به لاعتبارهم أفراد يلحقون الأذى بأنفسهم و يظهر ذلك من خلال آثار الأذى الواضحة على بنيتهم الفيزيولوجية، لذلك حينما يتم التدخل الأمني في الحالات القصوى والشاذة بواسطة السلاح الناري يكون مرده لحالة التمرد الشاذّ وحالة العنف المرضي الناتج عن الانحرافات النفسية والسلوكات الباثولوجية الشاذة التي تستدعي نوعا من التدخل عبر السلاح الأمني. وهو ما يسمى في السيكولوجيا بـ «العنف والعنف المضاد».
فحينما يباشر هؤلاء «المشرملين» عنفا باستعمال السلاح الأبيض بجميع أشكاله، ويتدخل رجل الأمن بالسلاح النّاري يطلق عليه بأنه «عنيف»، فهو ليس كذلك، وإن كان عنفا مضادّا فهو تدخل أمني مهيكل ومنظّم بمساطر لأجل حماية شخص أتحفظ بإطلاق اسم «المشرمل» عليه، سواء من إلحاق الأذى بنفسه أو برجل الأمن الذي يكون في مواجهة مباشرة معه. وفي جميع الأحوال فرجال الأمن و«المشرملين» هم جميعا مواطنين مغاربة يتمتعون بنفس الحق في الحياة الذي يكفله لهم الدستور المغربي. فمشروعية استخدام رجل الأمن للسلاح الوظيفي يكون مشروعا حينما يتمّ بشكل قانوني، لأنه رجل دولة وآلية لإقرار الأمن لأجل الحفاظ على الحق في الحياة لذلك «المشرمل» بالدرجة الأولى، ولرجل الأمن وباقي المواطنين حفاظا على المصلحة العامة.
فالمجتمعات الغربية «أمريكا، كندا، فرنسا..» رغم أنها تتوفر على منظومة قانونية تؤمن رجل الأمن، إلا أنها سيكولوجيا هي مجتمعات تنزع إلى الفردانية وإن كانت الأكثر تنظيما من حيث إرساء آليات حقوق الإنسان، فهي مجتمعات تؤمن بمشروعية التمركز حول الذات، لأن الأفراد يعيشون حالة التمركز حول ذواتهم «النّزوع حول الأنانية» يؤمنون بالحق في الحياة و ينزعون إلى حب الحياة ، ويرون أن الحق في الحياة هو واجب فردي ملزم لهم أولا، و للجهة المكفول لها رعاية هذا الح ثانيا.
حينما يتدخل رجل الأمن فهذا واجب ملزم له من أجل حماية نفسه من خطر المواجهة وحماية المواطن المعرض للضّرر. وحينما يستعمل السلاح في نظر الإنسان الغربي فهو يستعمله لأجل حمايته كمواطن «أي المواطن الغربي»، نسبة النّزوع للأنانية وحب الذات كمحب للحياة يجعلانه يتحفّظ في انتقاد الوضع، وفي هذا النوع من إرساء المنظومة الحقوقية، لأنه يعتبرها جزءا من منظومته الحياتية، وجزءا من حقه في العيش الكريم والسلامة الأمنية والبدنية.
لكن في حالة تدخله بشكل غير ديمقراطي ومتجاوز لشروط استخدام واجبه بآليات أخرى غير مرخصة أو تدخل في حكم الاعتداء العنصري، هنا ينتفض المواطن الغربي أمام خرق استخدام السلطة الأمنية، بخلاف المجتمع المغربي الذي يعتبر نفسه يعيش بمعزل عن منظومة الفردانية كمجتمع إسلامي ويميل إلى الحياة الجماعية المشتركة التي تجعله مجتمعا متضامنا ليس فقط في النوائب والمصائب بل حتى في تبرير دواعي «التشرميل» فهو لا يتضامن مع «المشرمل» من أجل مشاركته والتواطؤ معه في شذوذه الإجتماعي، وإنّما من أجل حمايته سيكولوجيا من خلال التعاطف معه في تبرير دواعي وقوعه في الإنحراف المجتمعي في ظل علم النفس الإجتماعي، حيث يتم تبرير الخطأ بالتعاطف مع الآخر في الإحساس بالضعف والظّلم وليس في إقرار الظلم.
في المجتمعات العربية والمغاربية، منطق العاطفة في تبرير السلوكات الإجتماعية وظواهرها هو السائد. فالمواطنون يتعاطفون أحيانا مع المعتدي، لأنهم في الغالب يتقاسمون معه سيكولوجية الإنسان المقهور. لماذا؟. لأنهم لا ينظرون إلى سلوكه الإجرامي كسلوك فردي في علاقته بالشخص، وإنما كظاهرة إنسانية في بعدها السيكوسوسيولوجي، أي أن التعاطف مع المعتدي لا يكون بمعزل عن الأسباب والمسبّبات التي دفعت به إلى الإعتداء، وإنما كضحية مجتمعية وليس كمعتد، ويجد له مبررات لسلوك الإعتداء، إذ يعتبر أن سلوك المعتدي ناتج في الأصل عن سلوكات ممنهجة من قبل طرف آخر قد يكون إحدى أجهزة السّلطة، أو الأجهزة التي تمتلك سلطة القهر بحكم الصلاحيات الخدماتية للشأن العام الموكولة لها كيفما كان نوعها. ويكون بذلك الضّحية الحقيقي هو نفسه المعتدي، و إن كان الضحية الفعلي أثناء المواجهة هو رجل السّلطة فإنه ينظر إليه على أنه المعتدي الحقيقي لاعتباره ينتمي إلى إحدى الأجهزة الممثلة لسلطة القهر في التمثل الشعبي، والسلطة غالبا ما تترجم في الأجهزة الحكومية المهيكلة إلى سلطة قاهرة، وغالبا ما تتم مناصرة المعتدي حينما ينظر إلى رجل الأمن كرمز للسلطة ولو كان هو الضحية. وهو ما يفسّر التبريرات التي تكون لصالح المعتدي «المشرمل» وإن كانت ضدّ رجل الأمن.
فالسّلاح وفق ما هو مشرّع له من أجل التّخويف والتهديد قبل الحديث عن حدوث جناية القتل أثناء المواجهة، ولو أن الجناية لها أركان و شروط مع نية القتل، الشيء الذي لا يتوفر بالإطلاق في المنظومة الأمنية، لأن المقاربة المعتمدة وفق فصول دستور المملكة هي مقاربة وقائية للحماية الإجتماعية والسلامة الأمنية، لذلك لا يمكن الحديث عن الحماية من القتل بالسلاح ما دام الهدف من استخدامه هو الحماية بإستثناء وجود حادث أو خطأ وظيفي في استعمال السلاح قد يؤدي إلى القتل غير العمدي وبدون نية الوقوع في الخطأ المهني، أثناء حماية «المشرملين» أو المجرم من إلحاق الأذى بنفسه أو غيره داخل مسرح الحادث .
الوسيلة الأنجح للإستنكاف، هي استعمال بدائل أخرى مشروعة ومقنّنة خلال التدخل تكون موصى بها تقنيا وأمنيا تحدث شللا حركيا أثناء المواجهة تمنع المعتدي من إيذاء نفسه أو غيره سواء كان مواطنا من العامة أو رجل أمن، وتمكن من إحباط عملية الهروب. وهذا التّدخل الصحي ينبغي أن لا يحدث أذى أو ضررا نفسيا أو بدنيا يزيد من تعميق الإحساس بالقهر، وليست له انعكاسات جانبية على صحّة المعتدي داخل مقاربة أمنية حقوقية شاملة.
مريم زينون/ أخصّائية سيكولوجية