من «ثقب» ميزانية المغرب؟

من «ثقب» ميزانية المغرب؟ عبد الرحيم أريري
في خرجة سابقة لعزيز أخنوش، رئيس الحكومة، قال إن «ميزانية المغرب مثقوبة ولا يمكنها أن تلبي كل الانتظارات».  وهنا الالتباس الخادع الذي أراد رئيس الحكومة تنويم الشعب به. فهناك فرق بَيِّنٌ بين كون الميزانية مثقوبة، وبين أنه تم إحداث ثقب في هذه الميزانية بفعل فاعل سياسي أو مسؤول عمومي.
فمفهوم «الميزانية مثقوبة»، يفيد بأنّ البلاد تتوفر على موارد محدودة وعلى مسؤولين يخافون الله ويتشبثون بالمصلحة العليا للوطن، ويوجهون تلك الموارد المالية إلى ما ينبغي أن تصرف فيه لتأمين رغد العيش ورفاهيّة الشعب المغربي، لكن «الله غالب» مع محدودية الهامش. أما مفهوم الميزانية المثقوبة بفعل فاعل، فيفيد بأن هناك وزيرا أو رئيس جهة أو واليا أو رئيس جماعة أو مدير شركة عمومية، هم من «ثقبوها» بالسرقة والنهب والتبذير وإهدار المال العام في ما لا ينفع العباد والبلاد، أي أن هناك فاعلا أراد السّوء بالمغاربة. 
وسنبيّن بالحجّة والدّليل أن ميزانية المغرب غير مثقوبة، بل تمّ «ثقبها» من قبل عدد من السّياسيين الفاسدين وبعض المدبرين العموميين الناهبين للمال العام.
 
العنوان الأول لهذا الفساد هو الرّيع الذي يستفيده منه هؤلاء المشرّعون والمسيرون الذين يسيرون الحكومة والبرلمان والجماعات الترابية. ففي السنة يلهف هؤلاء المنتخبون «باسم الديمقراطية» مليار و200 مليون درهم من التعويضات والامتيازات تحول للوزراء والبرلمانيين ولمنتخبي الجماعات الترابية.

العنوان الثاني للفساد بالمغرب، هو تسونامي الأحكام القضائية التي صارت مضخّة لشفط الأموال العمومية ونهبها. فبحسب الوكيل القضائي للمملكة، فإن نحو 10 آلاف قضية ترفع ضد الدولة المغربية سنويا، وهي قضايا معظمها تخسرها الدولة في المحاكم...لماذا؟ لأن هناك موظفين مسؤولين يتلاعبون بالمساطر، أو «يركدون على وثائق ملف» لتجاوز الآجال لكي تخسر الدولة الملف ليحصل  المتلاعبون  على «الهمزة والكرمومة» من أطراف الدعوى. ونتيجة لهذا الفساد تصدر المحاكم أحكاما ضد الوزارات والجماعات والشركات العمومية، لتغريم الخزينة العامة في مبلغ سنوي ضخم يقارب 7.3 مليار درهم.

العنوان الثالث للفساد، يتجلى في التبذير المرعب الذي يميز الإدارات العمومية، إذ من المعلوم أن 10% من مجموع نفقات الإدارة المغربية (مركزيا وجهويا ومحليا)، يذهب هباء منثورا كل سنة بسبب التبذير و»لخوا الخاوي»، أي حوالي 22 مليار درهم تذهب سدى كل سنة.

العنوان الرابع للفساد، يكمن في أن السياسة الفاشلة للمسؤولين الحكوميين والبرلمانيين ومدبري الشأن المحلي، تقود الناس إلى الاحتجاج في الشارع كل حين. وهاته الاحتجاجات أضحت تتسرطن في كل المدن والقرى، بشكل يتطلب تسخير أعوان القوة العمومية من رجال الأمن والدرك والقوات المساعدة وأعوان السلطة لتأطير المظاهرات الاحتجاجية بالشارع العامّ، علما أن تسخير القوة العمومية يكلف مجهودا ماليا باهظا لتموين تنقل الوحدات الأمنية وضمان اللوجستيك حفاظا على النظام العام (محروقات، وقطع الغيار، مصاريف مبيت ومأكل أفراد القوة العمومية، ومكالمات هاتفية، وتعويضات الساعات الإضافية، إلخ...). وإذا استحضرنا أن كل مظاهرة احتجاجية بالمغرب تكلف حوالي مليون درهم، وبأن معدل المظاهرات الاحتجاجية في السنة هو 18 ألف مظاهرة، فمعنى ذلك أن كلفة تأطير هذه الاحتجاجات تمثل 18 مليار درهم في العام.

العنوان الخامس للفساد، يرتكز على التّقرير الأخير لـ»ترانسبراني»، الذي بين أن الرشوة والتلاعب بالصفقات العمومية في بلادنا يحرم المغرب من 50 مليار درهم كل عام، أي ما يساوي 10 في الناتج الداخلي الخام في السنة
وبالتالي إذا جمعنا مايهدر في هذه العناوين الخمسة للفساد سنصل إلى أن المغرب يخسر سنويا ما مجموعه 100 مليار درهم تقريبا. أي ما يشكل مجموع تحويلات مغاربة العالم في سنة.
 
و«بالعربية تاعرابت»، فالفساد (من خلال هذه العناوين الخمسة) يتسبب في إهدار مبلغ يساوي ثلث حاجيات المغرب من العملة الصعبة !! 
 
لنقلب الآية ونتساءل: ماذا لو كان الوزراء والرؤساء والولاة والعمال ومدراء مؤسسات عمومية رحيمين بالمال العام؟
 
الجواب بالتأكيد هو أن المغرب (لو توفرت له هذه الطينة من المسؤولين)، كان سيوفر 100 مليار درهم سنويا، وهو ما سيخفّف علينا جميعا لهيب ارتفاع غلاء المحروقات والأسعار ونقص المستشفيات والمنتزهات والمختبرات ومحطات تحلية المياه والأنفاق والطرق السيارة، وغيرها من مقومات دولة الرفاه، حتّى يستفيد المغاربة من الثروة وحتى يشمل الإنصاف ورغد العيش كل أقاليم وعمالات المغرب.