ندوة وطنية حول المنهاج تؤكد الحاجة إلى مصالحة مادة الاجتماعيات مع المجتمع

ندوة وطنية حول المنهاج تؤكد الحاجة إلى مصالحة مادة الاجتماعيات مع المجتمع الانتقال من البرامج إلى المناهج بمثابة قطيعة ابستمولوجية وديداكتيكية
في سياق التفاعل مع الاستحقاقات الضاغطة التي يطرحها تدريس مواد الاجتماعيات بالمغرب، نظمت اللجنة التحضيرية للجمعية الوطنية لأساتذة المادة ندوة عن بعد، يوم الخميس 20 أبريل 2023، أطرها نخبة من الديداكتيكيين.
وتأتي هذه الندوة استجابة لاستحقاقين: الأول بيداغوجي يتعلق بالمساهمة في النقاش العمومي حول مراجعة المنهاج، والثاني تنظيمي يتصل بمحاولة تأسيس الجمعية الوطنية لأساتذة المادة كبنية تنظيمية مدنية للترافع عن تجويد تدريس مواد التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة.
 
 حسن شكير: ضرورة مصالحة مادة الاجتماعيات مع المجتمع
اعتبر الخبير التربوي والمفتش السابق، ذ.حسن شكير، أن إقرار المنهاج مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999، هو بمثابة منعطف في محطات الإصلاح، مما يقتضي تحقيب تدريس مادة الاجتماعيات وفق مرحلتين فاصلتين:
-   مرحلة البرامج: ترجع جذورها إلى سنة 1920م، إثر اعتماد سلطات الحماية لمادة الاجتماعيات برهانات إيديولوجية تنبني على تلقين الجوانب المشرقة للتاريخ الفرنسي بوصفها حقائق مطلقة، في مقابل تبخيس التاريخ الوطني بانتقاء الأحداث الملازمة للأزمات والصراعات والمشاكل التي تبرر التدخل الاستعماري الفرنسي بالمغرب.
ورغم حصول المغرب على استقلاله، سنة 1956، إلا أن رواسب الفترة الاستعمارية لتدريس المادة بقيت مقاومة للتغيير والإصلاح، ويمكن استحضار مثال دال، على المستوى المنهجي، استمرار القوالب الجامدة في الكتابة (ثلاثية هربرت: المقدمة- العرض- الخاتمة) مما يشكل عائقا في منهجية تدريس المادة، انضافت إليه، في سبعينات القرن 20، مشكلة الازدواجية من حيث اللغة والطرق والموضوعات.
وبالاعتماد على التدريس بالأهداف (1987/2000)، انفتح الحقل التربوي على مفاهيم وطرق جديدة، غير أن هذه الحلقة انتهت إلى الفشل، مما هيأ شروط الانتقال إلى المنهاج.
-  مرحلة المنهاج: دشنها صدور الميثاق الوطني سنة 1999م، الذي أقر اعتماد المقاربة بالكفايات مما يعني التركيز على التعلمات بدل المضامين، والاحتكام إلى الإطار المرجعي في التقويم، والاستغناء عن الكتاب الوحيد وبالتالي تبني تعددية الكتب المدرسية.
وفي ختام مداخلته، ألح ذ. حسن شكير، الذي شارك في تأليف الكتب المدرسية الموجهة للمتعلم(ة) وأثرى الساحة التربوية بدلائل منهجية لتدريس التاريخ، على ضرورة إحداث المصالحة بين المغاربة ومادة الاجتماعيات لتحييد العوائق التي تحول دون تحقيق غايات تدريس المادة.
 
شكير عكي: المنهاج مرآة تعكس توجهات المشروع المجتمعي
إذا كان الانتقال من البرامج إلى المناهج بمثابة قطيعة ابستمولوجية وديداكتيكية، فإن "المراجعة" المنتظرة، التي تستشرفها أعمال الندوة من حيث المكاسب والرهانات، لن تكون شاملة لعدم إرساء المؤسسات المعنية بذلك، ولغياب الجرأة، ولسيادة منطق استمرارية المؤسسات، بحسب شكير عكي أستاذ الديداكتيك التخصصي بمركز تكوين المفتشين.
إننا، إذن، بصدد الجيل الثاني من المنهاج التربوي، الذي يجب أن يبنى، وفق تصور مؤلف "التفسير التاريخي"، من إعادة كتابة النص (التوجيهي) في قالب منهاجي، وبتوظيف لغة إجرائية، تتوخى تدقيق الكفايات المستعرضة والنوعية للمادة، وتنتقل من المنطق الموسوعي للبرامج إلى التفكير في خارطة معرفية، منفتحة على مقاربات مختلفة، ومرتكزة على استراتيجيات خاصة بتدريس المادة، ومستوعبة لمختلف المقاييس التي تتمفصل في صلبها الأبعاد العالمية والوطنية والجهوية والمحلية.
وبعد استنفاذ "صلاحية" الكتاب المدرسي، الذي يشكل حلقة أساس ضمن سلسلة المنهاج، يستشرف الفاعلون التربويون إنتاج جيل جديد من الكتب المدرسية بناء، أولا، على التوصيات التي ستفرزها الاستشارات مع المؤسسات والهيئات والشركاء، مما يقتضي الوعي بأن الكتاب المدرسي هو نتاج مخاض سياسي واجتماعي واقتصادي. وثانيا، تأطير المراجعة والتطوير وفق البناء العام لدفتر التحملات السابق مع تحيينه لاستدماج المستجدات التربوية وتفعليها في إطار نموذج بيداغوجي مفتوح، فضلا عن التعديلات التي تهدف إلى تهيئة البيئة التنظيمية السليمة والديمقراطية لإنتاج الجيل الثاني من الكتاب المدرسي المنشود.

 
محمد صهود: التنبيه من إغفال الكفايات للجوانب القيمية والوجدانية
في السياق ذاته، نبه محمد صهود، أستاذ الديداكتيك بكلية علوم التربية، من أن انتهاء العمر الافتراضي للكتاب المدرسي (أكثر من 20 سنة!)، يجعله في حالة عجز عن استيعاب التحولات العميقة للبحث العلمي في حقول التاريخ وعلوم التربية والديداكتيك. بيد أن المراجعة المنتظرة تسلتزم البناء على / ترصيد مكتسبات المنهاج التربوي الحالي، من حيث التأكيد على المرجعية الديداكتيكية والابستمولوجية/ المنهجية لتعلم الفكر التاريخي، التي غيّرت براديغم التعلم بالانتقال من الاهتمام بالمنتج إلى تركيز الاهتمام على سيرورة بناء المعرفة من طرف المتعلم(ة)، في إطار المقاربة بالمجزوءات، ما ساعد على استشكال المعرفة التاريخية وأجرأتها في إطار الزمن الطويل، كما يتجسد ذلك بشكل ملموس في الكتاب المدرسي للجذوع المشتركة، إلى جانب إدماج مفاهيم وأدوات جديدة، مثل شبكة الحضارات والبيوغرافيا وغيرهما في الثانوي الإعدادي.
وفي استشرافه للرهانات المنتظرة من مراجعة منهاج مواد الاجتماعيات، وخاصة في درس التاريخ، ركز صاحب كتاب "التحقيب التاريخي"، ذ. محمد صهود، على دعامتين: الأولى بيداغوجية، تقتضي تعريف الكفاية بوصفها مفهوما ينطوي على الطرق والاستراتيجيات وأبعاد المادة لتفادي أثار الغموض الذي يكتنف صياغة الكفاية في المنهاج الحالي، وبالتالي الحاجة إلى صياغتها – الكفاية- وفق القواعد البيداغوجية، وباستحضار الجوانب الثقافية لما تنطوي عليه الإنسانيات من جوانب قيمية ووجدانية.
أما الدعامة الثانية، ذات طبيعة منهجية، فتتطلب انفتاح المنهاج المنتظر على أبعاد جيوتاريخية أخرى ساهمت كياناتها في التحولات التاريخية المدروسة، مما سيسمح بتوظيف مكتسبات مبحث التاريخ العالمي وتجاوز مركزية التاريخ الأوربي، على سبيل المثال، في مستوى التحقيب.

 
تفاعلات: المنهاج في مواجهة أسئلة الأساتذة المؤطرين والممارسين
حظيت الندوة، التي نسق أشغالها ذ.جواد التباعي، بتفاعل خصب كشف الهوة بين ماهو مأمول على المستوى النظري، وما هو كائن ومنجز واقعيا في الفصول الدراسية، مما يستدعي، وفق تصور مفتش الاجتماعيات سابقا ذ. أحمد الشرقاوي، الحاجة إلى تجاوز الاستشارات الانطباعية، وبالتالي البناء على الدراسات العلمية التقويمية للمنهاج، في إطار تصور عام تنصهر فيه المرتكزات الاجتماعية والمرجعيات البيداغوجية والديداكتيكية.
وانصبت مجمل المداخلات على ملامسة الجوانب المنهجية والمعرفية وشروط أجرأتها في الفصول المدرسية، من حيث الحاجة إلى استثمار الوسائط الحديثة واقتراح كتاب مدرسي رقمي أو إلكتروني يخضع للتحيين المستمر لمواجهة التحديات الرقمية التي يطرحها عالم سريع التطور. كما تردد مطلب بناء المنهاج بإشراك الأساتذة الممارسين وبتفعيل المنهاج الجهوي والتركيز على النفعية الاجتماعية لمكونات المادة، غير أن هذه الآمال "الرومانسية" ستبقى معلقة بوجود "سندويتشات" التكوين وفي غياب آلية مستدامة تضمن التكوين المستمر والجيد.
ولأن المنهاج موضوع تجاذب وصراع، فقد استرجع ذ. حميد لحنيكات، مفتش سابق ومشارك في لجان تأليف الكتب المدرسية، ظروف "إجهاض" المنهاج بقرار سياسي واستبداله بدفتر التحملات، مما طرح الكثير من المفارقات والانعكاسات، مثل إصدار الكتاب المدرسي سنة 2003 وانتظار هدر ست سنوات لإصدار الإطار المرجعي، فضلا عن غياب الانسجام في الأجرأة على مستوى الأسلاك التعليمية.