وتأتي هذه الندوة استجابة لاستحقاقين: الأول بيداغوجي يتعلق بالمساهمة في النقاش العمومي حول مراجعة المنهاج، والثاني تنظيمي يتصل بمحاولة تأسيس الجمعية الوطنية لأساتذة المادة كبنية تنظيمية مدنية للترافع عن تجويد تدريس مواد التاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة.
حسن شكير: ضرورة مصالحة مادة الاجتماعيات مع المجتمع
اعتبر الخبير التربوي والمفتش السابق، ذ.حسن شكير، أن إقرار المنهاج مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999، هو بمثابة منعطف في محطات الإصلاح، مما يقتضي تحقيب تدريس مادة الاجتماعيات وفق مرحلتين فاصلتين:
- مرحلة البرامج: ترجع جذورها إلى سنة 1920م، إثر اعتماد سلطات الحماية لمادة الاجتماعيات برهانات إيديولوجية تنبني على تلقين الجوانب المشرقة للتاريخ الفرنسي بوصفها حقائق مطلقة، في مقابل تبخيس التاريخ الوطني بانتقاء الأحداث الملازمة للأزمات والصراعات والمشاكل التي تبرر التدخل الاستعماري الفرنسي بالمغرب.
ورغم حصول المغرب على استقلاله، سنة 1956، إلا أن رواسب الفترة الاستعمارية لتدريس المادة بقيت مقاومة للتغيير والإصلاح، ويمكن استحضار مثال دال، على المستوى المنهجي، استمرار القوالب الجامدة في الكتابة (ثلاثية هربرت: المقدمة- العرض- الخاتمة) مما يشكل عائقا في منهجية تدريس المادة، انضافت إليه، في سبعينات القرن 20، مشكلة الازدواجية من حيث اللغة والطرق والموضوعات.
وبالاعتماد على التدريس بالأهداف (1987/2000)، انفتح الحقل التربوي على مفاهيم وطرق جديدة، غير أن هذه الحلقة انتهت إلى الفشل، مما هيأ شروط الانتقال إلى المنهاج.
- مرحلة المنهاج: دشنها صدور الميثاق الوطني سنة 1999م، الذي أقر اعتماد المقاربة بالكفايات مما يعني التركيز على التعلمات بدل المضامين، والاحتكام إلى الإطار المرجعي في التقويم، والاستغناء عن الكتاب الوحيد وبالتالي تبني تعددية الكتب المدرسية.
وفي ختام مداخلته، ألح ذ. حسن شكير، الذي شارك في تأليف الكتب المدرسية الموجهة للمتعلم(ة) وأثرى الساحة التربوية بدلائل منهجية لتدريس التاريخ، على ضرورة إحداث المصالحة بين المغاربة ومادة الاجتماعيات لتحييد العوائق التي تحول دون تحقيق غايات تدريس المادة.
شكير عكي: المنهاج مرآة تعكس توجهات المشروع المجتمعي
إذا كان الانتقال من البرامج إلى المناهج بمثابة قطيعة ابستمولوجية وديداكتيكية، فإن "المراجعة" المنتظرة، التي تستشرفها أعمال الندوة من حيث المكاسب والرهانات، لن تكون شاملة لعدم إرساء المؤسسات المعنية بذلك، ولغياب الجرأة، ولسيادة منطق استمرارية المؤسسات، بحسب شكير عكي أستاذ الديداكتيك التخصصي بمركز تكوين المفتشين.
إننا، إذن، بصدد الجيل الثاني من المنهاج التربوي، الذي يجب أن يبنى، وفق تصور مؤلف "التفسير التاريخي"، من إعادة كتابة النص (التوجيهي) في قالب منهاجي، وبتوظيف لغة إجرائية، تتوخى تدقيق الكفايات المستعرضة والنوعية للمادة، وتنتقل من المنطق الموسوعي للبرامج إلى التفكير في خارطة معرفية، منفتحة على مقاربات مختلفة، ومرتكزة على استراتيجيات خاصة بتدريس المادة، ومستوعبة لمختلف المقاييس التي تتمفصل في صلبها الأبعاد العالمية والوطنية والجهوية والمحلية.
وبعد استنفاذ "صلاحية" الكتاب المدرسي، الذي يشكل حلقة أساس ضمن سلسلة المنهاج، يستشرف الفاعلون التربويون إنتاج جيل جديد من الكتب المدرسية بناء، أولا، على التوصيات التي ستفرزها الاستشارات مع المؤسسات والهيئات والشركاء، مما يقتضي الوعي بأن الكتاب المدرسي هو نتاج مخاض سياسي واجتماعي واقتصادي. وثانيا، تأطير المراجعة والتطوير وفق البناء العام لدفتر التحملات السابق مع تحيينه لاستدماج المستجدات التربوية وتفعليها في إطار نموذج بيداغوجي مفتوح، فضلا عن التعديلات التي تهدف إلى تهيئة البيئة التنظيمية السليمة والديمقراطية لإنتاج الجيل الثاني من الكتاب المدرسي المنشود.