حكومة مواطنة أم حكومة القراصنة؟!

حكومة مواطنة أم حكومة القراصنة؟! عبد الرحيم أريري
من كان يظن أن ثمن المتر المربع لأرض عارية بشارع المسيرة الخضراء بالدار البيضاء سيتراوح بين 60 ألف و80 ألف درهم؟
من كان يتوهم، حتى في الحلم، أن ثمن الأصل التجاري بشوارع حي راسين أو أنفا أو عين الذئاب سيتضاعف 10 مرات في ظرف خمسة أعوام؟
من كان يستحضر أن لوبي مستوردي السيارات بالمغرب سيجني أرباحا جد فاحشة بالدار البيضاء وهي أرباح لا يجنيها حتى مصنعو السيارات بكوريا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد وأمريكا، مادامت الدار البيضاء يحقق فيها هذا اللوبي نصف المبيعات سنويا مقارنة مع ما يباع بالمغرب ككل؟
إن هذه «الهمزات» ما كان لها أن تتحقق بالدار البيضاء، لولا الاستغلال الفاضح والفظيع لضرائب المواطنين، وهي الضرائب التي تحول لتهيئة شوارع بعينيها أو تحابي لوبيات معينة قريبة من «مدفأة السلطة» حتى يراكموا الثروات الفاحشة في رمشة عين..
ففي كل مدن العالم هناك معايير وقوانين تضبط العلاقة بين الجبايات والاستثمارات العمومية المحلية مع وضع الكوابح لكي تبقى فوائض الاستثمار وعائدات الأرباح في المدينة المعنية، باستثناء الدار البيضاء التي تشذ عن هذه القاعدة العالمية بشكل يفاقم من عذابات السكان ويضعف من جودة العيش بها.
 
إليكم هذه الأمثلة: 
شارع المسيرة، شارع أنفا، شارع الزرقطوني، أو الكورنيش أو عبد اللطيف بنقدور وغير ذلك من أزقة حي راسين، تنفق عليها بلدية البيضاء الملايير للتهيئة والتوسيع والإنارة الجيدة والأغراس بشكل يؤدي أوتوماتيكيا إلى رفع القيمة المالية للعقارات المحاذية أو الموجودة بمحيط الشوارع المذكورة. ولما تتم عملية بيع العقارات الموجودة بهذه الشوارع تتدخل الدولة - في شخص وزارة المالية- وتقوم بقرصنة ضريبة الأرباح عن هذه العقارات، بدون أن تكون للدولة أو لوزارتها في المالية أية مساهمة في كلفة التهيئة، فتحرم المدينة من عائد مهم لا يسمح بتحويله للإنفاق على جهة أخرى محتاجة (درب السلطان أو ليساسفة أو حي مبروكة أو سباتة، أو التشارك، أو درب مولاي الشريف، إلخ..). والنتيجة هي أن سكان الأحياء الشعبية يصبحون مثل مضخة للضرائب لتزيين وتحسين التهيئة بشوارع الملاكين الكبار للمحلات التجارية، وللشركات المالكة للعقارات المتعددة بوسط المدينة.
نفس الشيء في قطاع السيارات، إذ أن الحظيرة بلغت بالدار البيضاء مليونا و600 ألف سيارة، وكل سيارة تسدد ضريبة «الفينيات» سنويا. وهي ضريبة معمول بها في الدول المتحضرة ليبقى عائدها بكل مدينة لإصلاح الطرق وتهيئة القناطر والأنفاق وإحداث الإشارات المرورية وصيانتها وتثبيت الكاميرات
لتنظيم السير وتخصيص جزء منها لإنفاقه على وسائل النقل العام (حافلات، ميترو، ترام...) وإحداث المرائب الأرضية (باطنية أو عمودية...) لضمان انسياب المرور، باستثناء الدار البيضاء التي -ويا للأسف- تقوم الدولة مرة أخرى في شخص وزارة المالية، بنهب ضرائب «الفينيات» لضخها في خزينة الدولة بسبب عجز الحكومات المتعاقبة على المغرب (منذ الاستقلال إلى اليوم) على ابتكار صيغ أخرى لتوسيع الوعاء الضريبي وخلق الثروة لجني العائد الضريبي، فـ «تهرف» على «الحائط القصير»، ألا وهو المواطن الذي يسدد الضرائب دون أن تسخر تلك الضرائب لخدمة مصالحه اليومية بمدينته وتحسين جودة العيش بالحي الذي يسكن فيه، علما أن الدار البيضاء تساهم لوحدها في حدود 200 مليار سنتيم سنويا تقريبا من منتوج «فينيات» السيارات، وهو مبلغ لو خصص للغرض الذي أحدثت بسببه الضريبة لتحولت شوارع الدار البيضاء إلى «زبدة» ولتحول التنقل فيها إلى نزهة في «روض من رياض الجنة»!
لكن أنى لذلك أن يتحقق وكبار الملاك العقاريون والمنعشون هم الذين يمسكون بالقرار المحلي والجهوي والبرلماني والحكومي، قاموا بتثبيث «حكومة القراصنة» بدل «الحكومة المواطنة» !!