تعدد في الإبداع والكتاب.. عبد العزيز كوكاس يكشف في شهر عن ثلاثة إصدارات

تعدد في الإبداع والكتاب.. عبد العزيز كوكاس يكشف في شهر عن ثلاثة إصدارات الإعلامي عبد العزيز كوكاس
على هامش صدور كتبه الثلاثة "ليكن هناك نور" الجزء الثالث من سلسلة أحلام غير منتهية الصلاحية، و"حبل قصير للمشنقة" الذي يتضمن شذرات مليئة بقلق أسئلة الوجود، الحب والموت، ثم ديوان "رائحة الله" الذي قدم له الشاعر الكبير عبد الرفيع جواهري والصادرة كلها عن منشورات النورس، كان لنا هذا اللقاء الماتع مع الإعلامي عبد العزيز كوكاس.
 
في ظرف شهر واحد، كشفت عبر ثلاثة إصدارات عن تعدد في الإبداع والكتاب، أين تجد نفسك أكثر في الصحافة أم في الشعر أم في الشذرة التي تزاوج بين الشعر والفكر؟
الحقيقة أني لا أختار أجناس كتاباتي الأدبية بل هي من تختار شكل مخاضها وولادتها، الصحافة بالنسبة لي قدر مهني وعشق لا يقاوم، مدين لها برغم كل متاعبها بإبقائي يقظا اجاه القضايا الحيوية لمجتمعي، أنصت بأذن يقظة لكل ما تعج به تفاصيل الوقائع والأحداث، وأظل قريبا من أنين ووجع المغلوبين، وصراع المد والجزر في التأهيل الديمقراطي ببلدي، لذلك فإن كتاباتي الأدبية قريبة من النبض الإنساني منغمسة في قلب الانشغالات الكبرى لما يعبر المغرب وما تواجهه الإنسانية عامة من أسئلة وقلق وجودي.
 
"ليكن هناك نور" و"حبل قصير للمشنقة" و"رائحة الله" عناوين جد مثيرة تميز كل كتبك، من أين تستلهم عناوينك التي تبدو محملة بشعرية باذخة حتى وأنت تخط مقالا صحافيا؟
العنوان ليس مجرد حلية نضعها على جيد النص من أجل الزينة، إنه وسم به نسمي وجع مخاضنا الإبداعي هذا الذي نسميه "سعيد" حتى قبل أن يولد أحيانا، لعنوان هوية المكتوب أيضا إما أن يصيب أو يخيب، إنه عتبة أساسية لبيت النص أمامه نتعلم حسن الضيافة في حضرة الإبداع والكتابة عموما، لذلك يأخذ مني العنوان وقتا كبير في الصياغة وإعادة التسمية بما يليق بجلال المكتوب، إن الإثارة هنا ليس ما يتداول عامة في الصحافة في إشارة إلى التضخيم وخلق البوز، أبدا.. إنه تميمة نخطب بها ود القارئ كي لا يزرع الروح فيما نكتب من خلال قراءة نصوصنا، والعنوان جزء من بنية النص حتى ولو كان كتاب صحافيا أو سياسيا كما في الجزء الثالث من سلسلة أحلام غير منتهية الصلاحية، فعبارة "ليكن هناك نور" استقيتها أساسا من الصحافي الأمريكي الشهير "آرثر سالزبورجر" مؤسس جريدة نيويورك تايمز؛ حين "إن رأي أي إنسان في أي قضية لا يمكن أن يكون أفضل من نوع المعلومات التي تقدم إليه في شأنها، أعط أي إنسان معلومات صحيحة ثم اتركه وشأنه، سيظل معرضا للخطأ في رأيه ربما لبعض الوقت، ولكن فرصة الصواب سوف تظل في يده وإلى الأبد، أحجب المعلومات الصحيحة عن أي إنسان أو قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف، إذن فقد دمرت كل جهاز تفكيره، ونزلت به إلى ما دون مستوى الإنسان" وختم كلامه بالقول: "إن دور الصحافة هو أن يكون هناك نور". ثم هناك البعد الديني الذي يشر بالنور إلى الحقيقة في الوجود التي يريد البعض إطفاءها لكن الله متم نوره ولو كره الكارهون.. بالإضافة إلى ما يحفل به التراث الصوفي في مقام النور، وحين قال سقراط "تلكم حتى أراك" كان يعني أن عنوان فهم هوية شخص مرتبط بما ينطق به، بشكل تسميته للأشياء والموجودات، ذات الشأن يقال عن "رائحة الله" التي وردت في المتن الصوفي بشكل جلي، أما "حبل قصير للمشنقة" كما في كتاب الشذري فهو دليل على الألم والطريق الأقرب إلى الموت أي العدم.
 
كيف تراكم هذا الزخم من الكتب في الوقت الذي نشتكي فيه من غياب القراءة؟
سأحكي لك حكاية لها دلالتها، مرة كنت أدرس شبانا أمريكيين في معهد للصحافة بالرباط حول تاريخ الصحافة بالمغرب، وبحماسة العارف تحدثت عن غياب المقروئية وتقلصها، فطرح علي طالب أمريكي سؤالا بسيطا: هل لديك إحصائيات حول تدني المقروئية؟ فخجلت من نفسي حقا، لأننا نتحدث بالانطباعات والحدوس المشتركة دون أي دليل، هناك إحساس عام بتدني القراءة أو تراجعها، ولكن ليس لدينا معرفة علمية بالموضوع، دعني أقول لك إن هناك كتبا طبعتها ثلاث مرات واستنفدت من السوق، روايتي ذاكرة الغياب، كتاب جبهة بوليساريو وكتابي المترجم حول الخط الأمامي لجبهة الحرب، وهناك من لا يزال يطلب هذه الكتب، في حين هناك كتب أخرى لي أخجل من أرقام مبيعاتها، ولا أعرف حقا أين المشكل؟ لأن ليس هناك دراسات متخصصة لقياس حجم المقروئية والسبب إذا كان الامر كذلك وهل يصدق التراجع على كل أصناف القراءة من جرائد ورقية وإلكترونية وكتب ومجلات، وحسب تصنيفاتها واختصاصاتها من الترجمة إلى الإبداع فالدين فالفلسفة فالموضة....
 
ألم تيأس حتى بعد كل هذا التراجع العام؟
الكتابة هي الداء الوحيد الذي لا يوجد له دواء في الصيدليات، ليس لدينا قدر آخر غير الكتابة، فهي أس وجودنا وبها نكون ونصير، نقاوم الموت والرداءة، نتقاسم قدرا الإمكان أسئلتنا وقلقا مع قرائنا المفترضين، ولا تهمني شخصيا الكثرة هنا فلست نبيا يطمح في إيمان الخلق برسالته ولا زعيما سياسيا يهمه الحشود والأصوات الانتخابية، قد نبدو في بعض الأزمنة مثل حرفي لا يعرف إلا الكتابة وحين تبور الحرفة يستمر في فتح دكانه وصناعة خزفه أو تلميع نحاسه التقليدي، فيما العالم يتحول بسرعة قاسية من حوله، لكن له وحده تلك الفرحة الوجودية بالإحساس أنه ينتج شيئا جليلا وأن العالم سيندم يوما على عدم تقدير ما ينتج أو سيأتي زمان آخر يقدر بقوة ما أنتجه ويعيد الاعتبار له حتى بعد رحيله، إننا نداوي جراح اليأس بالكتابة.