بعد‭ ‬تواطئها‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬المحروقات‭:‬ بكم اشترى أخنوش صمت المعارضة؟

بعد‭ ‬تواطئها‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬المحروقات‭:‬  بكم اشترى أخنوش صمت المعارضة؟ أخنوش "يتبورد" على المغاربة بسبب فراغ الساحة ولأن المعارضة"باعت الماتش" !
لم‭ ‬يُبْتَلَ‭ ‬المغاربة‭ ‬بحكومة‭ ‬“حارقة”‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬بمعارضة‭ ‬خالية‭ ‬الوفاض‭ ‬تستلذ‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬الانتظارية‭ ‬وترقب‭ ‬“السقوط‭ ‬المفترض”‭ ‬لرجال‭ ‬أخنوش‭ ‬العاجزين‭ ‬عن‭ ‬ابتكار‭ ‬حلول‭ ‬لأزمة‭ ‬غلاء‭ ‬الأسعار،‭ ‬والمتقاعسين‭ ‬عن‭ ‬تنزيل‭ ‬إجراءات‭ ‬لمواجهة‭ ‬التضخم،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬“فرض‭ ‬ضوابط‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬الأسعار،‭ ‬إعفاءات‭ ‬ضريبية‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬السلع،‭ ‬رصد‭ ‬تحويلات‭ ‬نقدية‭ ‬أو‭ ‬مساعدات‭ ‬مالية‭ ‬للأسر‭ ‬المعوزة‭...‬”‭.‬

إنها‭ ‬ليست‭ ‬فحسب‭ ‬معارضة‭ ‬ضعيفة‭ ‬ومنكمشة‭ ‬أمام‭ ‬أغلبية‭ ‬“متغولة”‭ ‬تَحْكُمَ‭ ‬وتُسيِّر،‭ ‬دون‭ ‬مقاومة،‭ ‬ودون‭ ‬اعتراض‭ ‬أو‭ ‬تعرض،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تقع‭ ‬“خارج‭ ‬روح‭ ‬الدستور”‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬لا‭ ‬تصحح‭ ‬ولا‭ ‬تنتقد‭ ‬ولا‭ ‬تُراقِب،‭ ‬ولا‭ ‬تضع‭ ‬نصب‭ ‬أعينها‭ ‬المصلحة‭ ‬العليا‭ ‬للبلاد،‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬وجودها‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان،‭ ‬وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬“ظاهرة‭ ‬بلاغية”‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بأي‭ ‬صراع‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬صِراعُ‭ ‬الأفكار،‭ ‬ولا‭ ‬بأي‭ ‬مواجهة‭ ‬فعلية‭ ‬بين‭ ‬المشاريع‭ ‬والبرامج‭ ‬والكفاءات‭.
 
‬ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬المتتبع‭ ‬لا‭ ‬يسجل‭ ‬فقط‭ ‬الشطط‭ ‬الحكومي‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬الشأن‭ ‬العام،‭ ‬وفي‭ ‬تعميق‭ ‬الجرح‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والقفز‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الحواجز‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬تجاوزها‭ ‬توسيع‭ ‬رقع‭ ‬التوتر‭ ‬وتهديد‭ ‬الاستقرار‭ ‬الوطني‭. ‬بل‭ ‬يسجل‭ ‬تخلي‭ ‬المعارضة‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بأدوارها،‭ ‬ودخولها‭ ‬في‭ ‬“تواطؤ”‭ ‬مكشوف‭ ‬مع‭ ‬الحكومة،‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬تشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬“مسرح‭ ‬الأقنعة”،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬اللعبة‭ ‬السياسية‭ ‬أصبحت‭ ‬تمارس‭ ‬بلاعب‭ ‬واحد،‭ ‬ودون‭ ‬أي‭ ‬قواعد،‭ ‬ولا‭ ‬اختصاصات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الجمود‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬حساسة،‭ ‬مثل‭ ‬قضية‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬وقلتها‭ ‬بالأسواق‭ ‬المغربية‭.‬

ويرجع‭ ‬هذا‭ ‬الجمود،‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬منه،‭ ‬ليس‭ ‬إلى‭ ‬التباعد‭ ‬الإيديولوجي‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬المعارضة‭ ‬“اشتراكيون،‭ ‬إسلاميون،‭ ‬ليبراليون”،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬“الثأر‭ ‬القديم”‭ ‬بين‭ ‬القيادات‭ ‬الحزبية،‭ ‬وإلى‭ ‬التلاسن‭ ‬المتكرر‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬وإرباك‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬أحزاب‭ ‬المعارضة‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان‭. ‬كما‭ ‬يرجع،‭ ‬حسب‭ ‬مراقبين،‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬الكفاءة‭  ‬وتضارب‭ ‬المصالح‭ ‬بين‭ ‬المكونات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬استبداد‭ ‬“الأغلبية‭ ‬متغولة‭ ‬عدديا”،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬القيادات‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬التنسيق‭ ‬غير‭ ‬ملزم،‭ ‬وأن‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬حزب‭ ‬أن‭ ‬يكتفي‭ ‬بالعناية‭ ‬بمطبخه‭ ‬الخاص،‭ ‬مما‭ ‬حولها‭ ‬إلى‭ ‬“أقلية‭ ‬خرساء”‭ ‬لا‭ ‬تأثير‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬ولا‭ ‬أثر،‭ ‬باستثناء‭ ‬تلك‭ ‬البلاغات‭ ‬الباردة‭ ‬التي‭ ‬تسفر‭ ‬عنها‭ ‬اجتماعات‭ ‬المكاتب‭ ‬السياسية‭ ‬لأحزابها،‭ ‬والتي‭ ‬تنسجم‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬مع‭ ‬خطاب‭ ‬الأزمة‭ ‬والروح‭ ‬الوطنية‭ ‬وضرورة‭ ‬إيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬للمشاكل‭ ‬العالقة‭ ‬والوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الطبقات‭ ‬الفقيرة‭ ‬والمهمشة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تحميل‭ ‬الحكومة‭ ‬كامل‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬سيقع‭ ‬من‭ ‬قلاقل‭ ‬وتوترات‭ ‬اجتماعية‭ . ‬بلاغات‭ ‬تترجم‭ ‬بعمق‭ ‬“وكفى‭ ‬الله‭ ‬المؤمنين‭ ‬شر‭ ‬القتال”،‭ ‬إذ‭ ‬تبقى‭ ‬مجرد‭ ‬أصوات‭ ‬خافتة‭ ‬حول‭ ‬طنجرة‭ ‬الوطن‭ ‬الذي‭ ‬يغلي‭. ‬بلاغات‭ ‬للتنبيه،‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬مرغمة‭ ‬على‭ ‬الكلام‭..‬

لقد‭ ‬تحولت‭ ‬فرق‭ ‬المعارضة‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬ديكور‭ ‬سياسي‭ ‬بارد،‭ ‬لأسباب‭ ‬متعددة،‭ ‬لعل‭ ‬أقواها‭ ‬يتصل‭ ‬بالاختلالات‭ ‬الداخلية‭ ‬لأحزابها،‭ ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬استفرغت‭ ‬من‭ ‬كوادرها،‭ ‬وتعرضت‭ ‬بقوة‭ ‬للاستنزاف،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬“المعارضة‭ ‬القوية”‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬طاقات‭ ‬قوية‭ ‬وفاعلين‭ ‬أقوياء‭ ‬يجعلون‭ ‬منها‭ ‬قوة‭ ‬اقتراحية‭ ‬ضرورية‭ ‬لترسيخ‭ ‬واستمرارية‭ ‬المسار‭ ‬الديمقراطي‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬“الأحزاب‭ ‬الثلاثة”حشدت‭ ‬إلى‭ ‬صفها‭ ‬270‭ ‬مقعداً‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬مقاعد‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬وعددها‭ ‬395‭  ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬أغلبية‭ ‬مريحة‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬الثانية‭. ‬لكن‭ ‬الصحيح‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬فرق‭ ‬المعارضة‭ ‬تتوفر‭ ‬على‭ ‬124‭ ‬مقعدا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يضعها‭ ‬في‭ ‬تحدي‭ ‬كبير‭ ‬بوسعه‭ ‬أن‭ ‬يقلب‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬“الطاولة”‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هشة‭ ‬ومشتتة‭ ‬وغير‭ ‬منسجمة‭ ‬سياسياً‭ ‬وإيديولوجياً،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬ميتة‭ ‬سريريا،‭ ‬و“بايعة‭ ‬الماتش”‭ ‬فعليا،‭ ‬ومستلذة‭ ‬للإقامة‭ ‬في‭ ‬انتظارية‭ ‬لا‭ ‬أول‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬آخر‭ ‬ولا‭ ‬تجيد‭ ‬إلا‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الخصومات‭ ‬والبكائيات،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬زعيم‭ ‬الإسلاميين‭ ‬عبد‭ ‬الإله‭ ‬بنكيران‭ ‬الذي‭ ‬يطلق‭ ‬نيران‭ ‬لسانه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬مأخوذا‭ ‬بالتهميش‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬حزبه،‭ ‬كما‭ ‬لحقه‭ ‬هو‭ ‬شخصيا،‭ ‬بعدا‭ ‬كان‭ ‬ظل‭ ‬يعتلي‭ ‬المسرح‭ ‬رفقة‭ ‬عفاريته‭ ‬وتماسيحه‭ ‬لمدة‭ ‬غير‭ ‬وجيزة‭.‬

قد‭ ‬يقول‭ ‬قائل‭ ‬إن‭ ‬المعارضة‭ ‬الحالية‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬سوى‭ ‬الخضوع‭ ‬لاستبداد‭ ‬حكومة‭ ‬تمتلك‭ ‬أغلبية‭ ‬مريحة‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬مردود‭ ‬عليه‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬هذه‭ ‬المعارضة‭ ‬تقدم،‭ ‬بصمتها‭ ‬المريب،‭ ‬دعما‭ ‬سياسيا‭ ‬بـ‭ ‬“التقسيط‭ ‬المريح”‭ ‬لحكومة‭ ‬أخنوش،‭ ‬حكومة‭ ‬“المحروقات”‭ ‬و“الزيادات‭ ‬في‭ ‬الأسعار”‭ ‬و“قهر‭ ‬المواطنين”‭. ‬فالمعارضة‭ ‬تتوفر،‭ ‬دستوريا،‭ ‬على‭ ‬هوامش‭ ‬كثيرة‭ ‬للتحرك،‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬وأيضا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬وفي‭ ‬الفضاء‭ ‬العمومي‭ ‬أيضا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خبرائها‭ ‬ومثقفيها‭ ‬وسياسييها،‭ ‬وأيضا‭ ‬عبر‭ ‬انخراطها‭ ‬الفعلي‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬نقاش‭ ‬عمومي‭ ‬حول‭ ‬مقترحاتها‭ ‬واجتهاداتها‭ ‬وبرامجها،‭ ‬وعبر‭ ‬التحرك‭ ‬مع‭ ‬الفاعلين‭ ‬الاجتماعيين‭ ‬الآخرين،‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬مسؤولي‭ ‬النقابات‭ ‬والجمعيات‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المعارضة‭ ‬تعني،‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬التحيز‭ ‬إلى‭ ‬قضايا‭ ‬المواطنين‭ ‬وتأطيرهم‭ ‬وتعبئتهم،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭  ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تحريك‭ ‬الشارع‭ ‬إذا‭ ‬دعت‭ ‬الضرورة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬مرحلة‭ ‬صعبة،‭ ‬كما‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أحمد‭ ‬الحليمي‭ ‬المندوب‭ ‬السامي‭ ‬للتخطيط‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬قول‭ ‬الحقيقة‭ ‬للمغاربة‭ ‬بخصوص‭ ‬الأزمة‭ ‬الغذائية‭ ‬الحالية‭ ‬وغلاء‭ ‬الأسعار،‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬“التضخم‭ ‬محلي‭ ‬وليس‭ ‬مستوردا،‭ ‬وأنه‭ ‬حقيقة‭ ‬هيكلية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬المغربي”،‭ ‬وأن‭ ‬“الحل‭ ‬هو‭ ‬ثورة‭ ‬لتغيير‭ ‬نظام‭ ‬الإنتاج”‭.‬

وهنا‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭ ‬بقوة،‭ ‬لماذا‭ ‬تتحرج‭ ‬المعارضة‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬الهوامش‭ ‬المتاحة‭ ‬لها؟‭ ‬لماذا‭ ‬ترفض‭ ‬القيام‭ ‬بأدوارها؟‭ ‬ما‭ ‬السر‭ ‬وراء‭ ‬خفوت‭ ‬صوتها،‭ ‬مما‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬“معارضة‭ ‬أخرى”‭ ‬بالغة‭ ‬الخطورة‭ ‬تتغذى‭ ‬على‭ ‬الاحتقان‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬“انفجار”‭ ‬بوسعه‭ ‬أن‭ ‬يهز‭ ‬أركان‭ ‬البلاد؟.

لقد‭ ‬سبق‭ ‬لونستون‭ ‬تشرشل‭ ‬أن‭ ‬قال،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬رئيسا‭ ‬لوزراء‭ ‬بريطانيا:‭ ‬“لو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬معارضة‭ ‬لخلقناها”،‭ ‬وذلك‭ ‬إدراكاً‭ ‬منه‭ ‬لأهمية‭ ‬المعارضة‭ ‬في‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الحقيقية،‭ ‬فماذا‭ ‬سيقول‭ ‬أخنوش‭ ‬وهو‭ ‬محاط‭ ‬بمعارضة‭ ‬معطوبة‭ ‬ومعاقة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات،‭ ‬بل‭ ‬بمعارضة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬بعض‭ ‬مكوناتها‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬مكانها‭ ‬الطبيعي‭ ‬هو‭ ‬الحكومة‭ ‬لتنزيل‭ ‬“النموذج‭ ‬التنموي‭ ‬الجديد”؟‭ ‬ماذا‭ ‬بوسعنا‭ ‬القول‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬المعارضة‭ ‬الذي‭ ‬يتدافع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬انتزاع‭ ‬مكان‭ ‬له‭ ‬يعتبره‭ ‬طبيعيا‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬سُلب‭ ‬منه‭ ‬بسبب‭ ‬“الكولسة”‭ ‬وترتيبات‭ ‬الظل،‭ ‬وليس‭ ‬بسبب‭ ‬التموقع‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الإيديولوجي؟‭ ‬ماذا‭ ‬بوسعنا‭ ‬القول‭ ‬أمام‭ ‬معارضة‭ ‬تتبارى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطبيق‭ ‬نفس‭ ‬البرنامج‭ ‬الذي‭ ‬تقول‭ ‬الحكومة‭ ‬إنها‭ ‬بصدد‭ ‬تطبيقه؟‭ ‬ماذا‭ ‬بوسعنا‭ ‬القول‭ ‬عن‭ ‬معارضة‭ ‬ترى‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموقع،‭ ‬ليس‭ ‬لأنها‭ ‬ذات‭ ‬رؤى‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬المخطط‭ ‬الحكومي،‭ ‬بل‭ ‬بسبب‭ ‬“خصومة“‭ ‬قديمة‭ ‬مع‭ ‬رجل‭ ‬قوي‭ ‬في‭ ‬الدولة؟.

لقد‭ ‬أثبتت‭ ‬التجارب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬أن‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬المعارضة‭ ‬المؤسساتية‭ ‬يفسح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬تسرب‭ ‬معارضة‭ ‬تنبت‭ ‬بالشارع‭ ‬خارج‭ ‬كل‭ ‬تأطير،‭ ‬وخارج‭ ‬المؤسسات،‭ ‬وربما‭ ‬خارج‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬تهديداً‭ ‬لاستقرار‭ ‬النظام‭ ‬والدولة،‭ ‬والدال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الدفع‭ ‬بالمواطن‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مؤسسات‭ ‬الوساطة،‭ ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬خلال‭ ‬حراك‭ ‬الحسيمة‭ ‬وجرادة،‭ ‬حين‭ ‬تراجعت‭ ‬الأحزاب‭ ‬والنقابات‭ ‬والجمعيات،‭ ‬وتركت‭ ‬الحبل‭ ‬على‭ ‬الغارب‭ ‬لتنزيل‭ ‬أجندات‭ ‬غامضة‭ ‬بتغليف‭ ‬محلي‭ ‬ينهض‭ ‬على‭ ‬“المطالب‭ ‬الاجتماعية”‭.‬

لقد‭ ‬خول‭ ‬الدستور (2011) للمعارضة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الصلاحيات‭ ‬تجعلها‭ ‬شريكاً‭ ‬في‭ ‬وظيفة‭ ‬التشريع‭ ‬والمراقبة‭ ‬ورئاسة‭ ‬اللجان،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬المعارضة‭ ‬الحالية‭ ‬مصابة‭ ‬بإعاقات‭ ‬متعددة‭ ‬تجعلها‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بهذه‭ ‬المهام‭ ‬والحقوق‭ ‬بالجدارة‭ ‬اللازمة،‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬الصلاحيات‭ ‬والحقوق‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬قانونا‭ ‬وهذا‭ ‬يقودنا‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬سؤال‭ ‬يكتسي‭ ‬أهمية‭ ‬كبرى”‭ ‬هل‭ ‬تعي‭ ‬المعارضة‭ ‬ضعفها‭ ‬وتدرك‭ ‬مأزقها‭ ‬الوجودي؟‭ ‬لماذا‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الضعف‭ ‬“منطقة‭ ‬راحة”‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬الخروج‭ ‬منها؟‭ ‬هل‭ ‬المعارضة‭ ‬هي‭ ‬الصراخ‭ ‬في‭ ‬الجلسات‭ ‬العامة،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬بالفعل‭ ‬عمل‭ ‬تشاركي‭ ‬لإنجاح‭ ‬التجربة‭ ‬الديموقراطية؟‭ ‬ما‭ ‬موقعها‭ ‬من‭ ‬المطالب‭ ‬الشعبية؟‭ ‬وهل‭ ‬وضعت‭ ‬إجراءات‭ ‬مضادة‭ ‬للسياسات‭ ‬الحكومية‭ ‬غير‭ ‬الشعبية؟‭ ‬وهل‭ ‬هي‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تقييم‭ ‬التدابير‭ ‬الحكومية‭ ‬بعين‭ ‬ناقدة،‭ ‬ومساءلة‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬أدائها،‭ ‬وصيانة‭ ‬حقوق‭ ‬المواطنين‭ ‬وضمان‭ ‬أمنهم‭ ‬واستقرارهم؟.
 
 
تفاصيل أوفى في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"
رابط العدد هنا