عبد المالك احزرير: زواج المال والسلطة أدى إلى إفساد الحياة السياسية بالمغرب

عبد المالك احزرير: زواج المال والسلطة أدى إلى إفساد الحياة السياسية بالمغرب عبد المالك احزرير

يرى د. عبد المالك احزرير، أستاذ القانون العام بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس، أن المغاربة في العالم بأسره، وليس في المغرب فحسب، بحاجة ماسة إلى بناء مجتمع قوي، ليشكل سلطة مضادة للحكومة في ظل عجز أحزاب المعارضة.

وأبدى أستاذ القانون العام استغرابه لوجه المفارقة في خطاب حكومة أخنوش بشأن الدولة الاجتماعية، والذي جاء في التصريح الحكومي، وأيضا أثناء مناقشة القانون المالي، دون أن نلمس ذلك في الواقع، بل بالعكس سجل وجود تراجع.

وأضاف احزرير أن الأمر يتعلق بخطاب ديماغوجي، علما أنه من الصعب على توجه يغلب عليه «الباراديغم النيو ليبرالي» أن يطبق إصلاحات تعود الى «الدولة الكينزية». كما تطرق إلى تداعيات المديونية الخارجية على السيادة، موضحا أن المغرب فقد استقلاله المالي، مما أدى إلى تداعيات وخيمة على الوضع الاجتماعي، داعيا الحكومة إلى تبني خطاب معقلن، ووقف صادرات المواد الغذائية من أجل تلبية احتياجات السوق الداخلي، والقضاء على المحتكرين والمضاربين من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والضبط الاجتماعي الذي يعد الهدف الأساسي لجميع مؤسسات الدولة..

كيف تنظر إلى ظاهرة الجمع بين المال والسلطة، وهي الظاهرة التي كانت دائما محط نقاش في المغرب قبل وصول رجل الأعمال عبد العزيز أخنوش إلى رئاسة الحكومة، وها نحن اليوم نعاين بوضوح تداعياتها وآثارها ؟

كما تعلمون، فظاهرة زواج المال والسلطة هي قديمة جدا، حيث تطرق لها علماء الاجتماع، ومن بينهم ابن خلدون حينما تحدث عن الدولة الحفصية، وقال إنه لا يمكن قبول وجود الجاه والسلطة بدون المال، وبالتالي فالتزاوج بينهما هو إلى حد ما أمر طبيعي، فروح الرأسمالية مرتبطة بالمال أكثر من ارتباطها بالسلطة، باعتبار أن الرأسمالية هي المحددة لكل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وقد تحدث ماكس فيبر في إحدى مؤلفاته عن الأخلاق البروتيستانية وروح الرأسمالية، وتحدث عن بناء هذه الرأسمالية، وكان المال عنصرا يساهم في الوصول إلى السلطة، ولكن بعد بروز التوجه النيوليبرالي تم القطع مع التمويل المباشر للسياسي، حيث صار المقاول يتمكن من الولوج إلى السلطة مباشرة، بل صار هو الذي يحكم يقود ويحكم مكان الرجل السياسي، أي مكان المناضل داخل الأحزاب السياسية. بل لقد استطاع الرجل المقاول السيطرة على الأحزاب السياسية وأضحى يتحكم في اللعبة السياسية ويقود الحكومة، وهذا معروف في عدد من التجارب، فظاهرة زواج المال بالسلطة، إذن، مرتبطة بالمنطق النيوليبرالي. وقد تسببت هذه الظاهرة في إفساد الديمقراطية وفي إفساد الحياة السياسية، مما أدى الى نفور المواطنين من السياسة.

في حالة المغرب، نجد أن حزب التجمع الوطني للأحرار، والذي تطور بشكل كبير جدا منذ زمان، أي في عهد أحمد عصمان، وذلك في ظل سياق دولي مشجع لمواجهة الاشتراكية والحرب الباردة، فالمقاولون الذي فروا في ظل الأزمة الاقتصادية لعام 1929 سرعان ما عادوا وبقوة في الثمانينيات من القرن الماضي وسيطروا على الدولة والمرافق العمومية، وقد كانت الخوصصة ريعا لصالح المقاولين، وقد أصبح اليوم زواج المال بالسلطة شائعا بشكل كبير، فالمقاول يتبنى السلوك المقاولاتي خلافا للرجل السياسي الذي يختلف سلوكيا ويحمل رهانات اقتصادية، وأعطيك مثال مخطط المغرب الأخضر والانتقادات الموجهة إليه، حيث اعتقدنا في البداية أن هذا المخطط، وكما روج له، سيمكننا من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب ومن الخضر والفواكه واللحوم، ولكن مع بروز المتغيرات الدولية تحولنا إلى التصدير بشكل كبير لدرجة أننا أهملنا السوق الداخلي، مما تسبب في التضخم الحاصل حاليا، والذي يعود إلى أسباب داخلية. اليوم الوضع الاجتماعي الذي يعيشه المغرب لا يمكنه تحمل السياسة المقاولاتية، ولابد من اتخاذ اجراءات سريعة وفعالة قبل أن يتسع الخرق على الراقع بتعبير المؤرخين، ويؤدي إلى اندلاع الاحتجاجات، فنحن نعيش اليوم انكماشا لما هو اجتماعي مقابل توسيع دائرة الاقتصاد الرأسمالي لدرجة أننا نمس بمكتسبات كما حدث لصناديق التقاعد وتجميد الأجور، علما أن تجميد الأجور بالتزامن مع التضخم يعني الكارثة الاجتماعية، مما جعلنا نصل إلى فكرة ربما أشار إليها «ألان تورين» في كتابه «نهاية المجتمع»، وهي هل السياسي اليوم أصبح ضد المجتمع الذي أعطاه المشروعية؟ هذه مفارقة، علما أن البرلمان هو الذي أفرز حكومة تحظى بدعم الأغلبية، وينبغي عليها منطقيا أن تخدم المصلحة العامة.

هل نحن أمام تعطيل دور المؤسسات لخدمة مصالح لوبيات وجماعات ضغط ؟

ما قلته شيء طبيعي جدا، فحتى فرنسا التي كانت دولة الرعاية الاجتماعية، حيث كان للسياسي ثقل ونفوذ وهمة، بحيث أن المجتمع الفرنسي كان ينظر إلى المؤسسات السياسية بما في ذلك البرلمان بنوع من التعالي، ها هو وضعها الآن في ظل التوجه النيوليبرالي. كما أصبح السياسي في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وحتى في فرنسا، يكتفي بعملية الفرجة والتي كانت لها آثار سلبية، حيث وجهت انتقادات لاذعة للمؤسسات بما فيها البرلمان والحكومة، وبالتالي إذا كانت الحكومة هي نتاج إرادة الرأسمال ومتطلباته، فما هو إذن جدوى السياسة وما جدوى الديمقراطية ليس في المغرب فقط، بل في العالم المعاصر؟ هناك اضطهاد لهذه المجتمعات المعاصرة بشكل كبير، فالرأسمال وصل إلى أوجه، وربما قد يتراجع إلى الوراء في السنوات المقبلة، بينما المجتمع يعاني من الضعف، لذلك لم نعد نتحدث عن الفقر في عالم اليوم، بل نتحدث عن الهشاشة وهي درجة أكبر من الفقر. الحكومة في ظل الأغلبية التي يقودها التجمع الوطني للأحرار تبنت التدبير المقاولاتي وتبنت الاختيار النيوليبرالي، وشجعت المقاولات، وسعت إلى دعم تنافسيتها، وسارت في اتجاه جعل المغرب دولة صناعية وشجعت الاستثمار عبر التحفيز الضريبي، حيث تحول المغرب في 15 سنة الأخيرة إلى ملاذ ضريبي، وهذا لن يؤدي إلى توسيع مداخيل الدولة، فهذه المرونة في الاقتصاد وفي قانون الاستثمار لن تخدم الاقتصاد الوطني، علما أن المستفيد الأكبر هو المستثمر .

لكن على الأقل في البلدان الديمقراطية نجد أحزاب معارضة تلعب دورا هاما في تحقيق التوازن في علاقتها بالسلطة التنفيذية، وهو الأمر الذي يظل مفقودا في حالة المغرب، ذلك أن المعارضة تعاني من التشتت، بل نجدها تتماهى مع السياسات الحكومية، ما رأيك؟

أعتقد أن الدسترة في العالم قتلت المعارضة، فاليوم أصبحت المعارضة مجسدة في سلطة المجتمعات المضادة، فأين وهج النقابات؟ وأين الأحزاب التي كانت تحظى بمساندة شعبية بفرنسا؟ اليوم نحن بحاجة في المغرب إلى أن يشكل المجتمع سلطة مضادة، خاصة أننا نعاين، وفي ظل ما نعيشه من أزمة الغلاء، غياب لسان المعارضة..

شخصيا لا ألمس خطاب المعارضة سواء عبر صحفية «البيان» أو صحيفة «الاتحاد الاشتراكي»، كأننا بصدد خطاب رسمي لا يمكن أن نفصله عن خطابات أحزاب الأغلبية، اللهم بعض الصحف الحرة.. وللأسف فالأحزاب عموما، وخاصة أحزاب المعارضة لم تشف الغليل، ولم تتصد للحكومة، علما أن من صنع السياسي هو الطبقات الوسطى التي تعد اليوم المتضرر الأكبر من هذه الأزمة، ولذلك فالمغاربة في العالم، وليس في المغرب فقط، بحاجة إلى بناء مجتمع قوي ليشكل سلطة مضادة ضد مؤسسة الحكومة في حالة عدم التزامها بمرجعية يمكن أن تعيد الهدوء والضبط الاجتماعي والاستقرار، هذا الاستقرار الذي يظل مرتبطا بالرفاه الاجتماعي، ولعل وجه المفارقة هو خطاب أخنوش بشأن بناء الدولة الاجتماعية وتكريسها، والذي جاء في التصريح الحكومي وأثناء مناقشة القانون المالي، دون أن نلمس ذلك في الواقع، بل بالعكس نسجل وجود تراجع، وأعتقد أن الأمر يتعلق بخطاب ديماغوجي لأنه من الصعب على توجه يغلب عليه «الباراديغم النيو ليبرالي» أن يطبق إصلاحات تعود الى الدولة الكينزية ؟ فكيف يمكن تحقيق إصلاحات الدولة الكينزية في المغرب؟ وكيف نتخلص من خطاب صندوق النقد الدولي الذي ينادي بتعويم الدرهم، وربما قد يطلب تطبيق سياسات التقويم الهيكلي. إننا نعلم أنه كلما ارتفعت المديونية، كلما فقدنا سيادتنا، وبالتالي يكون من الصعب سواء بالنسبة للحكومة أو البرلمان أو حتى المجتمع الرجوع إلى الدولة الاجتماعية، حيث فقدنا استقلالنا المالي بعد أن وصلت المديونية إلى 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام، فكيف لا تكون هناك تداعيات لهذا الوضع؟ وكيف يمكن لنا أن نصدق خطاب أخنوش بشأن بناء الدولة الاجتماعية؟ هذا تصور غير ممكن، ولكن على الأقل ينبغي أن يكون خطابنا معقلنا يقوم أولا على وقف الصادرات من المواد الغذائية من أجل تلبية احتياجات السوق الداخلي، والقضاء على المضاربات، وبالتالي تحقيق الاستقرار السياسي، علما أن الغرض الأساسي لجميع مؤسسات الدولة هو ضبط المجتمع.