ردا على الحكم الصادر في حق مغتصبي الطفلة..
عندما اكتب عن المرأة ليس لأنني كذلك امرأة، ولا لأنني متعصبة لبنات جنسي ولا منتهكة الحقوق وأسترجعها بهذه الطريقة. لا أكتب لأنني أبحث عن فرص التهجم وإلصاق التهم بالأخرين ولا حتى لأنني أدافع عن المرأة. لا أكتب لأنني أرى المرأة ضحية ولا حتى لأنني أشفق عليها. أكتب لأنني أدق ناقوس الخطر من وجهة نظري كأنثى ولأن الخطر يداهمنا دون وعي به. ملتهون بنزواتنا ونعراتنا ونزعتنا للسيادة، ولطرق التفريق أكثر منه للم الشتات وبناء الصرح الذي دائما ما نحلم به. أكتب بوضوح لأن رؤيتي للأشياء أعمق وقراءاتي للأوضاع لها راهنيتها، ولأن الوضع الراهن يفرض ذلك بكل بساطة.
أتذكر أنني كتبت مقالة معنونة ب: " ماذا لو كان اللباس الإسلامي للرجل سببا في اغتصابه؟" وكنت فيها أناقش ظاهرة الاغتصاب ومبرر أن اللباس هو سببه. فيها طرحت بعض الأفكار حول إمكانية اغتصاب أو الإعتداء على الرجال كذلك لا لشيء فقط لإنهم ينتمون للإسلام؛ ما يقع الآن في الهند وما وقع ببورما خير مثال...، وعلى النساء المحجبات وحتى هتك عرض الأطفال. بمعنى اخر ناقشت ظاهرة وطرحت من خلالها مجموعة من الإحتمالات التي يمكن أن تقع أو وقعت بالفعل. لكن ما أثار استغرابي هو عندما أرسلتها للنشر في مجموعة من المواقع العربية والتي تعودت النشر فيها رفضت بدعوى أن المحتوى ضد سياساتها. وهناك جريدة حذفت حتى صورتي وعوضتها بصورة لمحجبة بدون وجه في مقالة أخرى. لم أنفعل آنذاك بل اعتبرت الأمر طبيعيا مادامت خصوصياتهم لا تتماشى مع محتواي.
لكن بالمقابل، كنت أعلم أن تصرفهم ذاك وراءه فهمهم لوضع المرأة في مجتمعاتهم، وأن ما أناقشه هو ذلك الوضع الذي يدافعون عنه، وأنه ما أتمرد عليه بكتاباتي. كنت أعلم أيضا أنهم يخفون وراء رفضهم سلوكات غير مقبولة ويسترون جرائم يرتكبها أبناء جنسهم تحت مبرر الخطأ، أو أنها لحظة "تغرير من الشيطان " وكم من شيطان كان بريئا من أفعال بني آدم للأسف، أو مقولة "أن الغريزة لا تروض لدى الرجل الذي يحق له أن يلعب ويلهو، وحتى أن يمارس فعل الإغتصاب إن كانت الضحية تستحق ذلك دونما محاسبة ولا رقابة" أو بكل بساطة من حقهم فهم "رجال"، وذلك يدخل في سياق تكوين شخصياتهم وهذا أمر طبيعي ولا نقاش فيه وفي الأخير الله عفو رحيم.
بكل بساطة عندما يتعلق الأمر بما قلته أعلاه، فلا نحتاج لمبررات كثيرة للفهم، ولا حتى الكثير من التفكير. لا نحتاج الرجوع لما قاله الدين في ذلك، ولا حتى إخضاع هؤلاء للتشخيص لدى الأخصائيين أو الأطباء النفسيين، فكل شيء واضح. وما نعتبره نحن اضطرابا نفسيا وشذوذا في الطبيعة، أصبح لديهم ثقافة يدافعون عنها إعلاميا ويكيفون النصوص الدينية خدمة لها، ويعلون أصوات الصراخ عند قول كلمة "لا" ضدها، وحتى في بعض الأحيان يتهمون من تسول لهم ذاتهم الفصح عن هذه الممارسات، ولا يتوانون في دحضها وإعلاء صوت الحق ضدها علنا. ولجبنهم يبرئون مرتكبي مثل هذه الممارسات ويتركونهم طلقاء لزرع بذور الفساد واللا أخلاق في المجتمع. خدمة لنواياهم ولنزواتهم الزائرة من فينة لأخرى أو التي تسكنهم وهذا أمر، أكثر من وارد.
وما دمنا نعيش في مجتمع لا يختلف عن مجتمعاتهم ولنا معرفة به. طبعا، لن تنطلي علينا نواياهم، ونعلم أن غرائزهم لا تروض وأن الحق في الخطأ لهم مكفول.. وأن القضاء مستعد للعفو عنهم وحتى تحفيف الأحكام لهم حسب مزاجه. للأسف أقول هذا الكلام وأنا منكسرة الخاطر وحزينة لما وصلنا إليه. لكن هذا لا يعني أننا سنوقف الكتابة، فما دام هناك شذوذ في الفهم، وغض للطرف عن الحقيقة ونهج خطة التعامي والأذان الصماء، والتعبير فقط عما يخدم مصالحهم الضيقة وغرائزهم الحيوانية. سنحاول تقويمه ولو بكلمات في بعض الأحيان فيها حزن وتأسف، وفي أخرى بردود قاسية بها نعري قليلا من أمراضهم ونحاول معالجتها إن أرادو ذلك.
ما أرجعني للحديث عن الواقعة أعلاه، هو سماعي بمنطوق حكم صدر عن غرفة الجنايات الإبتدائية بمحكمة الإستئناف بالرباط بتاريخ 20. 03. 2023 في حق مغتصبي طفلة عمرها 11 سنة بمدينة تيفلت، ما أفضى لحملها من أحدهم، ومفاد هذا الحكم كان سنتين فقط لكل واحد منهم. علما أن القانون المغربي واضح في نصوصه عندما يتعلق الأمر باغتصاب فالعقوبة هي بين 5 و10 سنوات في الوضعيات التي فيها تفوق الضحية سن الرشد، فيما يتم الحكم ما بين 10 و20 سنة على كل بيدوفيل يهتك عرض قاصر أو طفل يعاني من إعاقة ... وفي هذه الواقعة الضحية طفلة ونتج عن الواقعة افتضاض بالإضافة إلى حملها. ما يشير مباشرة إلى تنفيذ العقوبة القصوى والتي تتحدد بين 20 و30 سنة لكل واحد منهم كإجراء قانوني واضح وبدون طرح متغيرات تقديرية للمحكمة. أي يمكنها رفع العقوبة لأكثر دون مراعاة ظروف التخفيف من قبيل شدة الجريمة والتاريخ الإجرامي للجاني. هنا إن كنا نتحدث عن قاض يحترم حقوق الإنسان ويخاف على مصالح أبناء الوطن كخوفه على مصالح أبنائه. أي مبدأ إرجاع الحق لذويه رمزيا، وللطفولة المغتصبة في ظل سلطة قضائية هدفها صيانة الحق وإعلائه على الظلم. لكن للأسف هذا ما لم نلمسه ولم نحسه من خلال جملة التبريرات المقدمة. ويبقى سؤالي هو: ماذا لو كانت تلك الطفلة ابنة القاضي أو ابنة الوزير؟؟ أكانت ستراعى ظروف التخفيف نظرا لحالتهم الاجتماعية وعدم قساوة فعلهم؟؟؟ هل كان القاضي ليستكين لحقيقة عدم وجود نص قانوني يقضي برفع العقوبة؟ وعوض ذلك يجتهد قانونيا ويحكم بأقصى العقوبات كأقل إجراء؟ أو كان سيستكين للتكاسل ويعفو عنهم ما دامت الضحية ابنته أو تقربه؟.
للأسف لا شيء من نوايانا الحسنة جسدت، من خلال ذلك الحكم ويبقى التخمين الأكثر صحة هو أن القضاء كسابقة له يتعاطف مع المغتصب. وفي هذه الحالة لن ننصدم بإطلاق سراحهم وحتى تقديم اعتذار مكتوب لهم مع حزمة من التعويضات، وكلمة شكر لفعلهم البطولي والذي به أثبتوا عن فحولتهم وذكائهم الكبير في الغواية وسلب براءة الأطفال.
وبه سنستكين كضمائر حية للوراء ونقدم اعتذارنا للمغتصبين البيدوفيل ونبوس أقدامهم. ونعدهم بعدم الحديث عنهم سوءا ولا القصاص منهم. فهم بفعلهم هذا انتصروا لقيم الرجولة والذكورة المقدسة، أعطوا لهذه المبادئ الشروط الصحية لتنتشر، السياق الحقيقي لتتجذر، وحتى السند القانوني الذي يحميها ويشجعها على ذلك في المجتمع. فهم انتصروا لمبدأ الحق والقانون، والان يعتبرون أبطال. أما سنتي السجن المطبقة في حقهم فهي ظلم كبير لأدميتهم.
ويبقى مطلبنا الوحيد مرحليا، هو إعلانهم كأبطال قوميين، بالمقابل فلتدفن البراءة مع أخواتها المؤودات. فلماذا ظروف التخفيف وهم يستحقون البراءة؟ لماذا كل هذا الظلم، أليسوا رجالا أمثالكم؟ أليسوا قوامون؟ ألم تخطئوا يوما أيضا، أم لأنهم فقراء تحكمون عليهم؟ ألأنهم أرادوا تذوق طعم الحور عاقبتموهم؟ لماذا؟ لماذا كل هذا الظلم؟
فاطمة الزهراء مكلاوي/ باحثة في علم النفس