أصدر القاضي عبد الرزاق الجباري، رئيس غرفة التلبس بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة حكما قضى بإدانة رئيس جماعة ونائبه من أجل الارتشاء، ومعاقبتهما بالحبس النافذ ثلاث سنوات ونصف. وكان لافتا في الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية استناده على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في إحدى التطبيقات القضائية النادرة لها أمام القضاء المغربي.
و تعود فصول القضية حسب المفكرة القانونية إلى شهر سبتمبر من سنة 2022 حينما تقدم أحد الأشخاص بشكاية إلى الشرطة القضائية بالقنيطرة في مواجهة رئيس “بلدية” يعرض فيها بأنه ساعد هذا الأخير خلال الحملة الانتخابية وحينما فاز بمنصب الرئيس بدأ يلمّح له برغبته في جمع واسترجاع ما تمّ صرفه في الحملة المذكورة من أموال. كما طلب منه وبشكل صريح مبلغ 20.000,00 درهم -تعادل حوالي 2000 دولار- مقابل تسليمه بقعة أرضية تخصّ زوجته. وأضاف بأنه ولاختبار المتهم في هذه المسألة اقترح عليه فكرة مفادها أن مجموعة من الساكنة في حاجة إلى تمكينهم من بقعهم الأرضية بعد هدم مساكنهم في إطار برنامج إعادة هيكلة السكن غير اللائق، فصرح له رئيس البلدية، بأن كل من يرغب في الاستفادة من البقعة الأرضية، عليه أن يسلم له أو لنائبه مبلغ 20.000,00 درهم كرشوة. وأردف المشتكي في شكايته، بأنه، بعدما قرّر وضع حدّ لهذه التصرفات، اقتنى كاميرا صغيرة وهاتفا ذكيا قصد توثيق عمليات الابتزاز والرشوة التي يقوم بها المتهمان.
التقى، مع مساعد رئيس البلدية، وسلمه مبلغ 1.000,00 درهم كتسبيق على ملف إحدى البقع الأرضية، وفي المناسبة الثانية سلمه مبلغ 2.000,00 درهم بعدما تظاهر له على أساس أن هذه المبالغ تسلمها من أحد الأشخاص الذي يرغب في الاستفادة من بقعة أرضية. ثم التقى، في المرة الموالية، مع رئيس البلدية حيث سلمه مبلغا ماليا قدره 1.000,00 درهم بعدما كلفه بالوساطة بينه وبين الساكنة التي ترغب في الاستفادة من البقع الأرضية. والتقاه، ثانيا، بمكتبه بمقر الجماعة، وسلمه حينها مبلغ 1.000,00 درهم على أساس أنه تسبيق من أحد المستفيدين. كما قام بتوثيق هذه العمليات صوتا وصورة، مدليا بقرص مدمج، يتضمن مقاطع مصورة بالصوت والصورة توثق لما جاء في شكايته من وقائع تسليمه للمبالغ المذكورة للمتهمين والمفاوضات التي تمت بينهما بهذا الخصوص.
وعند الاستماع الى المشتكى بهما، أكّدا أنهما بالفعل من يظهران في أشرطة الفيديو المدلى بها من طرف المشتكي، وأن حوار كل واحد منهما مع هذا الأخير كان بغاية استدراجه لأداء ما بذمّته تجاههما، من ديون سابقة، نافين تلقّيهم لأيّ رشوة.
قررت النيابة العامة إحالة المتهمين على جلسة الحكم في حالة اعتقال، وأثناء المحاكمة أثار دفاعهما عدم مشروعيّة أشرطة الفيديو المعتمدة في متابعة المتهمين كوسيلة إثبات ضدهما، لأنها غير قانونية، لأن المشتكي سجّلهما داخل سيارته ومن دون موافقة المتهمين أو علمهما، وهو ما يعد مجرما من الناحية القانونية.
قررت المحكمة ردّ الدفع المقدم اليها بخصوص بطلان التسجيلات المدلى بها معتمدة على العلل التالية:
– أن المصلحة المراد حمايتها جنائيا بمقتضى الفصل 447-1 من القانون الجنائي، هي خصوصية الأقوال والمعلومات الصادرة بشكل خاصّ أو سرّي عن الأفراد، إما بمنع التقاطها أو تسجيلها بغرض الاحتفاظ بمضمونها عند غير من صدرت عنه، وإما بمنع بثها أو توزيعها بين الأغيار من عموم الناس بعد ذلك الالتقاط أو التسجيل.
– أن حماية خصوصية تلك الأقوال والمعلومات الصادرة بشكل خاصّ أو سرّي عن الأفراد تسقط، من وجهة نظر المحكمة، كلما استُجمعتْ ثلاثة شروط متضافرة فيما بينها، وهي: أن يتم التقاطها أو تسجيلها من قبل من كان طرفا فيها وليس الغير، وأن يكون ذلك بهدف تقديمها إلى القضاء كدليل قضائي لبسط سلطة هذا الأخير عليه، ثم أن تكون تلك الأقوال والمعلومات في ذاتها فاقدة للشرعية بمخالفتها للقانون.
– أن البند 1 من المادة 13 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، تؤيد هذا المنحى التفسيري، حيث كرست ضرورة احترام وتعزيز وحماية حرية الأفراد والجماعات في التماس المعلومات المتعلقة بالفساد وتلقيها ونشرها وتعميمها، شريطة مراعاة حقوق الآخرين وسمعتهم، وحماية الأمن الوطني والنظام العام، وصون صحة الناس وأخلاقهم.
– أنّ المشتكي قام بتسجيل أشرطة بالصوت والصورة يوثق فيها محادثته مع المتهمين، وهما يتسلمان منه رشوة عبارة عن مبالغ مالية، وكان هدفه في ذلك هو تقديم تلك التسجيلات إلى القضاء كدليل إثبات على فعلهما، من دون أي مساس بحقوقهما التي يضمنها هذا الأخير، أو بمتطلبات حماية الأمن والنظام العامين وأخلاق الناس وصحتهم.
وعليه خلصت المحكمة إلى أن التسجيلات المدلى بها تبقى مشروعة وموافقة للشرعية القانونية، وغير مخالفة للقانون الجنائي.
من جهة أخرى اعتبرت المحكمة أن الأركان التكوينية لجنحة الارتشاء قائمة رغم إنكار المتهمين للمنسوب إليهما، معتمدة في قرارها على مجموعة قرائن أهمها:
صراحة مضمون ما جاء في محادثات المتهمين مع المشتكي وفق ما هو موثّق في أشرطة الفيديو المُدلى بها ضمن وثائق الملف، والتي اعترفا، خلال مختلف أطوار المحاكمة، بأنّهما اللذين يظهران في تلك الأشرطة، وأنهما بالفعل تسلّما من المشتكي مبالغ مالية، مجموع قدرها بالنسبة لرئيس البلدية مبلغ 2.000,00 درهم، وبالنسبة لنائب الرئيس مبلغ 3.000,00 درهم.
سياق تسليم هذه المبالغ إلى المتهمين كتسبيق مقابل الدفع في اتجاه المصادقة على استفادة بعض ساكنة البلدية من بقع أرضية بعد هدم مساكنهم المبنية خارج القانون وهو ما يبدو في الحوار الذي دار بين المتهمين وبين المشتكي بحسب التسجيلات المدلى بها والتي يستشفّ منها أن المبالغ المالية سلّمت على سبيل الرشوة.
وتأسيسا على هذه المعطيات، قضتْ المحكمة بإدانة المتهمين من أجل المنسوب إليهما، والحكم على كل واحد منهما بثلاث سنوات ونصف حبسا نافذا، وغرامة مالية نافذة قدرها (50.000,00) درهم، وبحرمانهما من حقهما الوطني في أن يكونا ناخبين أو منتخبين لمدة عشر سنوات، وبعدم قبول الدعوى المدنية.