أحمد الحطاب: وتستمِرُّ دوَّامةُ التفاهة

أحمد الحطاب: وتستمِرُّ دوَّامةُ التفاهة أحمد الحطاب
أقصد التَّفاهة الرمضانية التِّلفزيونية التي أصبحت ملازمةً لهذا الشهر الكريم. وهذا لا يعني أن أشهُرَ السنة الأُخرى خالية من التفاهة. لا أبدا! لأن التفاهةَ أصبحت ثقافةً قائمةَ الذات لها روَّادٌ ومشجِّعون وناشرون ومؤثِّرون… إنما، في شهر رمضان المبارك، تزداد هذه الثقافةُ شدَّةً وإبداعا وتوسُّعا. وكأن التفاهةَ أصبحت واحِدا من الثوابت المصاحبة لهذا الشهر الكريم.
فيما مضى من الأيام، كان الناسُ من ذوي العقول النَّيِّرة يشتكون من تحوُّلِ شهر رمضان من مناسبةٍ دينية يكثر فيها الاستغفارُ والتوبةُ والتَّقرُّب المتزايد من الله إلى مناسبة مأدباتية لملءِ البطون بتشى أنواع المأكولات المُؤدِّية إلى التُّخمة. أما اليوم، فشهرُ رمضان أصبح يحمل معه ثقافتين قاسِمهما المشترك هو الغُلُوُّ والإفراط في الأكل وفي التفاهة.
 حين يتحوَّل شهرُ رمضان من مناسبةٍ دينية إلى ثقافتي الأكل والتَّفاهة المفرطين، فهذا شيءٌ غير محمود. بل إن هذا التَّحوُّلَ يشكِّل مناسبةً يستغلها قَنَّاصو الفرص ليزيدوا في الطينِ بلَّةً. وهذا هو ما تفعله لوبيات الاتِّجار والإشهار التي لا تدَّخر جهدا لتُحوِّلَ،  بالأخص، الشهر َ الكريمَ والأعيادَ الدينيةَ، بصفة عامة، من مناسبات دينية إلى مناسبات تُدرُّ على المتربصين بها أرباحا مالية طائلة.
من بين لوبيات الاتِّجار بشهر رمضان، يوجد بعضُ مُنتِجي المسلسلات وبعض المخرجين وبعض الممثلين الذين لا يرون في هذه المسلسلات، فقط وحصريا، إلا مصدرا للإرتزاق mercenariat. هذا النوعُ من المنتجين والمُخرجين والممثلين لا تهمهم جودةُ الأعمال التي يشاركون في تقمُّص أدوارِها. بل لا يهمهم رأيُ الآخرين في هذه الأعمال. وهذا الرأيُ لا تأثيرَ له لا على المنتِج ولا على المُخرج ولا على الممثِّل ما دام هدفُهم وهدف المُشاهدين المتلقين مختلفين.
هدفُ المنتج والمخرج والممثل واضحٌ وضوح الشمس ألا وهو الارتزاق. بينما هدف المشاهدين المتلقين العقلاء هو الجودة والإتقان والتَّثقيف وربطُ العمل بما يجري داخل المجتمع و ما يجري في الحياة اليومية.
ورغم كل هذه النقائص، فإن التَّفاهةَ الرمضانية، من خلال بعض المسلسلات، عليها إقبالٌ كبيرٌ. لماذا؟ لأن التَّفاهةَ، كما سبقت الإشارةُ إلى ذلك في بداية هذه المقالة، أصبح لها روَّادٌ ومشجِّعون وناشرون ومؤثِّرون… ما يهمُّهم فيها هو أن فيها مواقف وكلمات مُضحِكة. أما الباقي، من إخراج وإتقان الأدوار وتثقيف ونشر الوعي وإثارة قضايا اجتماعية، إنسانية وتربوية…، فلا أحد من المتفرِّجين، المُحبِّين للتفاهة، ينتبه لذلك. 
وما يُثيرُ الدهشةَ والاستغرابَ هو كيف تمَّ قبول هذه المهازل من طرف مَن بيدهم مهمةُ اختيار الأعمال التي تستحق أن تُبرمجَ، على الخصوص، خلال شهر رمضان ليشاهدَها المواطنون الذين يؤدُّون مبالغ لا يستهان بها عند سداد فواتير الماء والكهرباء. إنه، واللهِ، لأمرٌ يطرح عدةَ علامات استفهام!
إما هناك تواطؤ بين عدة أطراف وكل طَرَف يجد ضالَّتَه في هذا التواطؤ. وإما هناك رغبةٌ في استحمار عدد كبير من المواطنين من خلال الوسائل السمعية البصرية التي جلُّها مؤسسات عمومية من حق هؤلاء المواطنين أن يشترطوا جودةَ ما يُبثُّ لهم، من خلالها، من برامج. 
غير أن هذه الوسائل السمعية البصرية، رغم ما تلقَّته من انتقادات عبر الصحافة وعبر شبكات التواصل الاجتماعي في السنوات الماضية وحاليا، ماضية في بثِّ التفاهة والاستحمار وفي تغييبِ التفكير البناء والوعي الجماعي.
وما لم يقبله العقلُ هو أن نشرَ التَّفاهةِ من طرف مؤسسات عمومية مُموَّلة من أموال المواطنين  ومن المال العام، لم تَستَرعِ انتباهَ لا الأحزاب السياسية ولا البرلمان ولا حتى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري Haute Autorité de  la Communication Audiovisuelle.
فهل التَّفاهةُ، كثقافة قائمة الذات، أصبحت واحدا من ثوابت المؤسسات السمعية البصرية، الذي يزداد حجماً وتوسُّعاً خلال شهر رمضان؟ 
ما يمكن قولُه هو أن سكوتَ الجهات المعنية (أحزاب سياسية والبرلمان على الخصوص) عن بثِّ التفاهة من طرف أجهزة رسمية يعدُّ تعزيزٌ، رسمي هو الآخر، لانتشارَ هذه التفاهة. 
ما أختم به هذه المقالة هو مَثَلٌ شعبي مغربي : "اللِّي فْرَاسْ جْمْلْ فراس جْمَّالَ". بالفرنسية : A bon entendeur, salut