أحمد فردوس: كيف كان شهر رمضان قبل "كورونا" وكيف هي أجواء الصيام بعد الجائحة؟

أحمد فردوس: كيف كان شهر رمضان قبل "كورونا" وكيف هي أجواء الصيام بعد الجائحة؟ أحمد فردوس
للأسف الشديد، أنه قبل زمن جائحة كورونا، كانت دروب وأزقة الأحياء الشعبية بمختلف المدن المغربية تعرف حركية اجتماعية متصاعدة قبل أسبوعين أو أسبوع على أقل تقدير كلما اقترب شهر الصيّام، فلا حديث للنساء والفتيات فِرَاسْ الدَّرْبْ إلا عن تَخْمَالْ فْرَاشْ الدَّارْ وتصبين الملابس التقليدية وتحديدها، وغَسْلْ مختلف الأواني الفضية والنحاسية بـ الصُّقْلَةْ والصَّابُونْ الْبَلْدِي والْحَلْفَةْ، والمرور إلى تْنَقْيَةْ القمح بشكل جماعي تضامني بين نساء الحي، وطحنه وغربلته وعزل الدقيق عن النّخالة حيث لكل مادة أهميتها في إعداد الحساء والعجين وإعداد الحلويات والفطائر والخمائر والرغيف بمختلف أشكاله. 
 
بدروب وأزقة أحيائنا الشعبية وبالقرب من نقط البيع والشراء التي تحدث بمختلف المدن العتيقة (العمالية) مع قرب شهر الصيام، كانت تسيطر روائح العطرية المنبعثة من النوافذ والأبواب على خياشيم (أنوف) العابرين ذكورا وإناثا كبارا وصغارا، والكل تعلو محياه ابتسامة جميلة كعربون محبة وتوادد وسلام بين الناس، حيث لا رائحة تعلو على رائحة سخاء شهر رمضان الكريم الذي يؤلف بين قلوب الجميع بالرحمة والتضامن والتكافل.
 
كانت الروائح تفوح من هناك وهناك، تأسر القلوب، وتسحر طوابير الواقفين والواقفات أمام دكاكين المواد الاستهلاكية الرمضانية، وكانت تلك الروائح الطيبة تغري العابرين بين الدروب والأزقة، نعم كانت الرائحة العطرة تملأ الأرجاء عطرا بفعل قوة إيقاع دقات الْمَهْرَازْ بأياد تسحق كل شيء يحتاج للسّحق، وكانت قوة حاسة الشّم تجعل الجميع قادرا على التمييز بين رائحة الْقَهْوَةْ والْقَرْفَةْ والَبْزَارْ والْكَامُونْ، وسَكِّينْ جْبِيرْ...وهلم عطرية !!.
 
كانت رائحة الشَبَّاكِيَّةْ، تمتزج مع روائح الْحَرِيرَةْ الْمُنَسَّمَةْ بالَكْرَافَسْ والْقُزْبَرْ والْمَعَدْنُوسْ والطَّمَاطِمْ والسَّمْنْ الْبَلْدِي...و وسط هذه الروائح المغرية والمستفزة تنبعث رائحة الْخُبْزْ الْبَلْدِي والْبَطْبُوطْ والرَّغَايَفْ والَمْسَمَّنْ، دون الحديث عن ما تقترفه روائح النعناع بمختلف أنواعه (لَبْرُوجْ ولَمْعَاشِي والْعَبْدِي وفْلِيُّو والشِّيبَةْ ومَرْدَدُّوشْ والسَّالْمِيَّةْ....)؟.
 
وفي ركن من أركان رَاسْ الدَّرْبْ تتسرب رائحة دخان الفران التقليدي، ممزوجة بروائح الخبز والحلوى، ورائحة الأسماك المحشوة بالعطرية والأعشاب...حيث تختلط الروائح وتتصاعد نسائمها بفضاء مُولْ الْفَرَّانْ الذي لا يخطئ زمن طهي الطَّنْجِيَّةْ التي تسيل رائحتها لعاب الجائعين العابرين، فلا تسمع إلا (اللهم إني صائم) .
 
كانت مظاهر استقبال شهر رمضان الفضيل تصاحب الناس أينما توجهوا مدة طويلة قبل إعلان رؤية الهلال، سواء داخل منازلهم أو في الأسواق الأسبوعية وحتى في العمل والمدارس والشوارع والمقاهي...لا حديث يهيمن في أوساط المجتمع المغربي إلا عن الإعداد للصيام ومستلزماته وطقوسه الجميلة، وتوفير حاجيات الأسرة، وربط الاتصال بالصانع التقليدي لتجهيز أثواب ومقاسات اللباس التقليدي والسؤال عن المقبلين على الصيام لأول مرة من البنات والأبناء لتحفيزهم وتشجيعهم والاحتفال بهم حسب العادات والتقاليد.
 
أما الأجواء اليوم (بعد جائحة كورونا) فلا يمكن وصفها إلا بالكارثية بسبب الغلاء الفاحش في جميع المواد الاستهلاكية الضرورية، وما خلفه من تأثير متصاعد في ضرب القدرة الشرائية للمواطن البسيط، والاحتكار والجشع وسيطرة الوسطاء والسماسرة وتسلطن سرّاق أرزاق البلاد والعباد دون حسيب ولا رقيب. 
أمام هذه الأجواء المخيفة والمستفزة فلا شيء يؤشر على استعداد الناس لاستقبال شهر رمضان كما اعتادوا على ذلك من زمان..؟؟.
 
فعلا، الأجواء اليوم لا تبشر بالخير، بعد سيطرة قيم الفردانية على سلوك الناس، والتخلي عن قيم العيش المشترك والتضامني فيما بينهم في الدرب والزقاق والحي، حيث لم تعد الأبواب مفتوحة في وجه الجيران كما كانت في السابق، ولم يعد السؤال عن القريب والمريض محط اهتمام الأهل والأحباب إلا من رحم ربك...والسبب معلوم ومعروف بالنسبة لمن يهمه أمر هذا الوطن.

نعم كل مظاهر الاستعداد لشهر الصيام في طريقها للإنقراض من قاموس الحياة الاجتماعية، ولم تعد تلك الروائح الطيبة الموسومة بشهر الصيام تملأ أرجاء الأحياء ودروبها وأزقتها، لم يعد الناس كما كانوا سعداء ومتفائلين بعد أن قهرهم الزمن وإكراهاته المعيشية، حيث تسلل إليهم الملل واليأس، وتفشت الأمراض المزمنة بين المواطنات والمواطنين مثل مرض السكري والأمراض النفسية والعصبية، وارتفاع الضغط الدموي، كل هذا بسبب انعدام الحد الأدنى من إمكانيات الحياة البسيطة مقابل البحبوحة والرغد الذي يعيش فيه فئة قليلة من المحظوظين.