عادل حدجامي: حكومة بن كيران حصيلتها، ألسنة أطول ولحى أقصر

عادل حدجامي: حكومة بن كيران حصيلتها، ألسنة أطول ولحى أقصر

في العادة ينتخب الناس المناضلين والأحزاب لتغيير نمط الحكم، لكن الذي يحصل هو أن الحكم هو الذي يغير هؤلاء المناضلين، فالسلطة غانية فاتنة من أشارت بأصبعها إليه، كما قال شاعر الملحون القديم، "تبريه كيف ما يبري لقلام لحديد". هذا ما دار بذهني وأنا أتابع ما تسنت لي متابعته من أقوال وأفعال وحركات وزراءنا عند كل مداخلة لهم دفاعا عن "حصيلة تجربتهم الحكومية" التي وشكت "تعبئتها" على النفاذ. أقول الحركات لأني أزعم وأدّعي بأن الحركات -غير الإرادية منها على الأخص- تكشف عن حقيقة الفاعل السياسي أكثر وأفضل من أي تحليل سياسي "أكاديمي-أكاذيبي". لهذا فنحن، من وجهة نظري في هذا المجال، محتاجين لمحللين سلوكيين  comportementalistesو"نفسانيين" أكثر ما نحتاج لمحللين "سياسيين" يعتلون حولنا المنابر ليردّدوا كلاما منتفخ الأوداج من باب "فنجرة البق"، كما يقول أشقاؤنا في أرض الكنانة.

ما الذي يثير انتباهي في هذا الجانب عند أعضاء حكومتنا؟

أمر بإمكان الجميع أن يدركوه لأنهم شاهدوه، أوله ميل أعضاء هذه الحكومة في نهاية "ولايتهم" للغضب وإظهار التأفف من كل من يتجرأ على نقد تجربتهم، أو حتى مساءلتهم حولها. صحيح أن هذا الأمر كان حاضرا منذ البدء، وكان الدافع إليه حينها ربما هو حاجتهم إلى إثبات وجودهم أمام من استكبر عليهم المنص.. لكن هذا الأمر ازداد مؤخرا وتقوّى. والمبرر هو أن وزراءنا اليوم لم يعودوا مجرد وافدين جدد، بل صاروا من أهل "الدار-المخزن". ويكفي المرء أن ينعم النظر في التغييرات "الشكلية" التي لحقت بوزرائنا بين بداية "حكمهم" حتى  يدرك ذلك،، حجم البطون الذي ثقل وشعر الذقون الذي خفّ، قبضة ربطات العنق التي صارت أكبر، بل وحركة اليدين والعينين، والأمر ليس مخصوصا برئيس الحكومة "ببطنه" الشهير، بل يكاد يعمّ الجميع.. ولأمثل على ذلك، أذكر الشخص الأكثر خروجا على الناس في هذه الحكومة، أقصد الناطق الرسمي "المفوه" بآرائها.

ما المثير الجديد عند هذا  السيد؟

طبعا ليس مضمون أجوبة الرجل، والتي تبدو كأنها قد قُدّت من خشب، إذ يتفانى الرجل في أن "ينجر" أجوبة ميليمترية حتى لا يغضب أولياء النعمة.. بل ما يثيرني حقيقة هو حركات الرجل غير الإرادية التي اكتسبها مؤخرا. صحيح أن الرجل كان دائما، بالنسبة لي، مثيرا للحنق في أسلوبه، ولعل الناس مازالوا يذكرون حواره مع بعض معارضيه في القناة الأولى منهم أحد المناضلين اليساريين الشباب، وطريقة الجواب المتعالية التي كان يلجأ إليها.. لكن الأمر تقوى اليوم ليصير أسلوبا مميزا، حركة اليد التي توضع تحت الذقن حين يتحدث الطرف المقابل، اليد التي ترفع بالإبهام الوجه نحو الأعلى وتضع السبابة على الأنف والفم كأنها تنأى بصاحبها عن شم رائحة تصدر عن المتحدث، حركة الشفتين التي تتقوس للدلالة عن عدم استساغة حديث المعارض، والذي يجعل فمه يبدو كمن يتذوق "الحامض" فيكمّش  شفتيه في امتعاض، باقي أصابع اليد التي تبقى ممدودة نحو المتحدث وكأني بها تطرح السؤال القذافي  الشهير "من أنتم"؟ نظرة العين الفوقية المتفحّصة من خلف النظارات كأنها كاميرا تصور بتقنيةle contre plongée لاستصغار حجم وقيمة الشخص المصوّر، الحركة المتكررة لإصلاح اعوجاج الكرافاط ومدها على البطن نحو "أسفله "، جمله التي تبتدئ دائما بجمع الأصابع للأعلى وتوجيهها نحو المخاطب مصحوبة بلازمة "لا، خصكم تفهموا بأن...."، الطريقة الممعنة في التبسيط وإعادة المعلومات وتوضيح الواضح بذاته، هو ما يضمر ميلا أستاذيا "يستلمذ" المتلقي ويستصغره.

والحقيقة أن السيد الوزير على حق "خصنا نفهموا"، نحن معشر كحل الراس، نحن رعاع هذا الشعب "خصنا نفهمو "، أن السيد الخلفي صار وزيرا، وأنه صار ذات "سقف قطر" انتخابيا "رجل دولة"، رجلا يحلّ ويعقد في شؤون شعب كامل، وتحل وتعقد له البسط والزرابي الحمر في كل مدشر أو قرية أو مدينة من هذا البلد المنكوب.

الحصيلة الحقيقية لهذه الحكومة لا ندركها بالتحليل السياسي إذن، في نظري، بل بالتحليل السلوكي، إذ أننا سنفهم كل شيء حين نتساءل: "كيف لأستاذ بسيط لمادة  الفيزياء (مع احترامي الكامل لكل الأساتذة)  أن يصير ذات "لوطو سياسي" رئيس حكومة  يتحكم في مصير ملايين الناس والعشرات من المؤسسات الحسّاسة؟ وكيف لموظف بسيط في إدارة أن يصير ذات صدفة وزيرا لنفس وزارته.. الأمر كان صدمة وجودية أكيد، تجعل الدهشة تختلط بـ "الخلعة" برغبة في الانتقام من شيء ما في الماضي ورغبة أخرى في ادخار شيء ما للمستقبل الذي قد يكون كذلك الماضي البغيض. والحقيقة أني أتفهم "إنسانيا" وضع هؤلاء الناس، فالأمر جليل يجعل أفعال وأقوال من هو واقع عليه في حكم المرفوع عنه التكليف بلغة الفقهاء.. وانظر ما عساها قد تكون حصيلة حكومة حكمت بـ "ارتفاع  التكليف" بلغة الفقهاء، لاعتبارات موضوعية، أكيد، إذ كلنا يعرف أن الحكومات في المغرب ليس لها من الأمر إلا أن "تنشط البطولة" بلغة أهل الكرة، لكن لاعتبارات نفسية خصوصا.