كل يوم، تحت ظلام مكناس، يتجول القُصَّرُ غير المصحوبين بذويهم في أرباع بقايا الأرصفة المحتلة أصلا. يكشف العيش في عين السلوݣي عن الجانب الآخر من الحلم المحترق الذي اجبروا على تقبل تفاصيله. بين رفض المؤسسات المنتخبة أو المعينة اضاءة حيهم أو تأهيله، والليالي الطوال تحت سماء مظلمة وخيبة الأمل الممزوجة بآمال متضائلة، هم هناك، كل الوقت. يحاربون الملل باللعب وسط الطريق أو في العاب الكرة الالكترونية في أحسن الأحوال، تحت هذه السماء نفسها يبيع الباعة الجائلون في نفس الظلام ما يخطر على البال من القديم المتلاشي أو المتماسك أو الجديد، الكازاوي أو الصيني أو أنواع الأكل من اليمامة حيث رائحة "الجوانات" تعطر مشهد احتساء النص نص أو مرورا بافران حيث بقايا متقاعدي التعليم والإدارات الذي كفروا بالاتحاد الاشتراكي والسياسة، و"بيرلا"، حيث مهوسوا الريال والبارصا وبقايا مشجعي رجاء البساتين إلى "أودليس" حيث فوزي وقلوشا ومنير يتلاسنون مع مراد وإسماعيل عن إفلاتهم من خسارة وظلم تحكيم سعيد...
يخرج الهادي مع زوجته راضية يشتري لهما " كبالة " مشوية ويجلسان على مقعد حجري في شبه الحديقة، يتبادلان حديثا و"نݣيرا" وجوارهما شاب وشابة يتواعدان على حب معتوه ...
هكذا ينتهي ليل البساتين، على إيقاع مرور "سطافيط الكوميسير الجناتي"، أمام فريد الجزار، حيث يلتهم من لا عشاء مُعَدٍ لهم في بيوتهم "سوندوتشات الصوصيص ولاداند والمعقودة" ...
انطلق الليل بالظلام وينتهي بالظلام، لا أمل في إعادة الإنارة الى الحي، لا أمل في منح عين السلوݣي الحصيدة كملاعب لشبابها، لا أمل في منح عين سلوݣي ثانوية أو مدرسة أو حتى مقبرة لدفن الموتى ...
عين السلوݣي الحومة الملعونة من المخزن لأنها وحدها التي تشتكي بصوت مرتفع في مكناس الخامد، يتعمق ظلام الليل ويزداد برده وينطلق وزين عيشة في إطلاق روائحه الكريهة وأدخنته السوداء، الظلمة حالكة وسواد الليل يلتحق به سواد من حمم عيشة، حتى القطط والسطوح البيضاء تصير ملونة بالسواد...
ماذا فعل سكان وحيوانات عين السلوݣي لتعاقبهم السماء هكذا، البارحة اعتقلت مصالح الصحة البلدية 13 كلبا وكلبة واحدة لأنهم يمارسون الفاحشة في الشارع العام حيث اقتيدوا حيث سيتم اعدامهم بتهمة التجمهر الغير المشروع وتنظيم مسيرات غير مرخص لها وفعل افعال مخلة بالحياء العام في الشارع العمومي! البارحة ايضا داهمت سيارة فورد فييستا على طريق بوݣرعا قطيع غنم من 16 خروفا ونعجة! الراعي هرب من ثلج جبل العياشي التقفته لعنة عين السلوݣي ...
بزغ الفجر ولا تزال الظلمة، وحده "طوبيس 26 سيتي باص" المهترئ يقتحم بضوئه الخافت الحي لينقل المياومين إلى مهنهم البسيطة، بينما تخرج دبابات "التريبورطير" صوب سوق الجملة لإحضار الخضر إلى "سويقة كيتان" العشوائية.. مي سعيدة وابنتها تخبزان الحرشة والملوي في شارع بن شقرون، تشرع في هذا التوقيت سيارات النقل المدرسي في التقاط صغار نائمين صوب المدارس الخصوصية...
عصام عبار