يقولون في السفر سبع فوائد، وأقول إنه بالنسبة للصحافي هو ثمان أو تسع فوائد...الصحافي وهو مسافر لا يغمض عينيه إلا وهو نائم. فضوله المعرفي والمعلوماتي والخبري يحفزه على الاكتشاف والسؤال والحوار والتواصل.
عيناه ترصدان كل شيء يمكن أن يفيد القارى والمتتبع.
في هذا السياق، تنشر جريدة "أنفاس بريس"، حلقات يومية عن مظاهر الحياة بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي يوميات للزميل محمد شروق من مدينة ميامي ومدن أخرى، ( ولاية فلوريدا)، عاصمة الترفيه والشواطىء الجميلة والشمس والخضرة والنخل والأشجار، والشواطىء القريبة من كوبا ومن دول أمريكا اللاتينية.
الحلقة 15:
حمل السلاح الناري في الولايات المتحدة الأمريكية مثل حمل هاتف نقال. أي شخص يمكن أن يتعرض للقتل في أي وقت خاصة بسبب السرقة أو لسبب تافه..قبل يومين كنت عائدا إلى البيت بمدينة ديافي diavie، فوجدت الطريق مقفلا من طرف الشرطة بسبب وجود رجل مقتول في سيارته..
وأمس السبت، نزل شخص من سيارة تاكسي أقفل الباب بقوة مما أقلق السائق. بعد مشادات كلامية، نزل صاحب التاكسي ووجه رصاصة للشخص فأرداه قتيلا..
لذا هنا في أمريكا، يعود النقاش باستمرار حول سبل التصدي لموجة الجرائم على مستوى البلاد.
ويخوض الرئيس بايدن في قضايا الجريمة والسلاح المحفوفة بالمخاطر، بسبب مخاوف متزايدة من اضطرابات عنيفة في كبرى المدن الأميركية.
في السنة الماضية 2022، اجتمع الآلاف من عناصر شرطة نيويورك في مانهاتن تكريماً لاثنين من زملائهم قُتلا خلال استجابتهما لاتصال طلباً للمساعدة من أحد المواطنين.
في نفس السنة تعرض ستة من عناصر الشرطة في ولاية نيويورك لإطلاق نار، وهم من بين قرابة 36 عنصراً تعرضوا لإطلاق نار على مستوى البلاد بحسب مركز Gun Violence Archive.
وقد سجلت الجرائم الكبيرة ارتفاعاً بنسبة 38 بالمائة سنة 2022 بما يعكس زيادة في معظم المناطق الحضرية الكبرى. وأظهرت دراسة أجراها "مجلس العدالة الجنائية" (Council on Criminal Justice) أن الجرائم في 22 مدينة ارتفعت بنسبة 22 بالمائة في 2021 مقارنة بعام 2020، وبنسبة 44 بالمائة مقارنة بعام 2019.
من سرقة سيارات في واشنطن أو هجمات خاطفة على متاجر في سان فرانسيسكو بداعي السرقة، تعكس نشرات الأخبار صورة قاتمة لبلد يسعى بصعوبة للإمساك بزمام الأمور في فترة ما بعد جائحة كوفيد.
فيما تأتي بعض الأرقام اللافتة المتعلقة بالجريمة في الولايات المتحدة: 58 جريمة قتل يومياً.
تظهر أحدث بيانات مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، أنّ الولايات المتحدة سجلت أكثر من 21,500 جريمة قتل في 2020، أو ما يعادل حوالى 59 جريمة في اليوم.
يمثل الرقم زيادة بنسبة 30 بالمائة مقارنة بالعام الذي سبقه وأكبر زيادة سنوية منذ بدء تسجيل الأرقام الفدرالية.
واستمرت معدلات جرائم القتل في الارتفاع في 2021، وإن بوتيرة أبطأ بلغت خمسة بالمائة، وفق أرقام جزئية جمعها مركز Council on Criminal Justice.
ولا تتضمن جميع سجلات الشرطة معلومات عن إثنية الضحايا، لكن بناء على الحالات الواردة إلى مكتب "إف بي آي" في 2020، طالت 10 آلاف جريمة قتل تقريباً أميركيين سوداً، أو ما يوازي نحو نصف جرائم القتل.
ويمثل الأميركيون السود 12 بالمائة فقط من عدد السكان، لذا فإن معدل جرائم القتل التي تطالهم أعلى بحوالى أربع مرات في حال توزيع الوفيات بالتساوي.
وارتفع معدل جرائم القتل في الولايات المتحدة في 2020 إلى 6,5 لكل 100 ألف شخص، وهو معدل يفوق بكثير ما يسجل في دول غنية أخرى.
تظهر أرقام البنك الدولي أن معدل جرائم القتل يبلغ واحدة لكل 100 ألف في فرنسا وألمانيا وأستراليا، فيما يبلغ المعدل في كندا اثنتين لكل 100 ألف.
وتقول الأرقام إنه تم بيع 43 مليون قطعة سلاح في سنتين، علما أنه ثلاثة أرباع جرائم القتل ترتكب في الولايات المتحدة بأسلحة نارية، فيما تستمر مبيعات المسدسات والبنادق وسواها من الأسلحة النارية في الارتفاع.
فقد تم بيع أكثر من 23 مليون قطعة سلاح في 2020، وهو عدد قياسي، وأكثر من 20 مليون قطعة في 2021، وفق بيانات جمعها موقع (Small Arms Analytics).
ولا يشمل هذا الرقم الأسلحة "الشبح" التي تباع قطعاً منفصلة وتخلو من الأرقام المتسلسلة وتلقى رواجاً في أوساط الجريمة.
وفي يونيو 2021، قال 30 بالمائة من الأميركيين البالغين إنهم يمتلكون قطعة سلاح واحدة على الأقل، وفق استطلاع لمركز بيو.
ويرجع خبراء موجة الجريمة، التي تظهر رغم ذلك أن المدن الأميركية أكثر أمنا مما كانت عليه في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، إلى مزيج من الاضطرابات الاجتماعية المرتبطة بالوباء وتداعيات عمليات توقيف فاشلة قتل فيها أشخاص من السود أو أصيبوا بجروح بالغة، على قوات الشرطة.
غير أن المسؤولية تُلقى بشكل متزايد على بايدن. فقد أظهر استطلاع أجرته إيه بي سي/إيبسوس، أن 69 بالمائة من الأميركيين غير راضين عن سياسات الرئيس الأميركي لمواجهة العنف المرتبط بالسلاح، و64 بالمائة لا يوافقون على تدابيره لمكافحة الجريمة.
أمريكا وأقولها كخلاصة لوجودي بها منذ أسبوعين: بلد المتناقضات..فكم مرة رأيت فتاة تركض لوحدها، وأخرى تتكلم على الهاتف بكل أريحية دون خوف من اعتداء..
يبقى أشهر رقم في أمريكا هو 911..هو رقم الشرطة التي تحضر بسرعة البرق عند كل اتصال.. يتبع..