محمد هرار: التماسٌ مُضلِّل

محمد هرار: التماسٌ مُضلِّل محمد هرار
"يعارض الاتّحاد الأوروبيّ الضّمّ، ويعتبر المستوطنات غير القانونيّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، عقبة أمام السّلام والاستقرار الدّوليّين. لكن على الرغم من أن المستوطنات غير القانونية تشكّل جريمة حرب، إلّا أنّ الاتحاد الأوروبيّ يسمح بالتّجارة معها. تسمح هذه التجارة بجني الأرباح من الضمّ وتساهم في توسيع المستوطنات غير القانونيّة في جميع أنحاء العالم.
نحن ندعو إلى قانون من الاتّحاد الأوروبيّ ينهي التّجارة بالمستوطنات غير الشّرعية بشكل نهائيّ. هذا القانون يسري على الأراضي المحتلة في أيّ مكان، من بينها الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة ومستوطنات إسرائيل غير الشّرعية هناك". انتهى نصّ الالتماس.
إنّنا نتّفق مع السّيّدة مرغريت أوكن، السّياسيّة الدّنماركيّة، وعضو البرلمان الأوروبيّ، لو توقّفت عند هذا الحدّ، ولكنّها استرسلت حتّى أفسدت ما قدّمت، حيث قالت: "نحتاج إلى مبادرة المواطنين الكبيرة للتّوقيع حتّى نتمكّن من وقف تجارة الاتّحاد الأوروبيّ في المنتجات من المناطق المحتلّة بشكل غير قانونيّ في الصّحراء المغربيّة وفلسطين على وجه الخصوص. يجب أن ينطبق القانون الدّولي على إسرائيل والمغرب على حدٍّ سواء".
قلت:
إنّ ربط القضيّة الفلسطينيّة، التي هي في أصلها نتيجة وعد بلفور الذي شرّع بسكوتهم جميعا للاحتلال والاعتداء على حقوق الشّعوب، بقضية الوحدة التّرابية للمغرب؛ لهو نوع مفضوح من التّلبيس الآثم على الحقائق، وذلك بنيّة التّضليل ولبْس الحقّ بالباطل. وإنّه كذلك تعويم غير لائق. وذلك بجعل المحتلّ الإسرائيلي يتحجّج بعدم خضوع غيره لهذا القانون المزعوم... إنّ القضيّة الفلسطينيّة احتلال يأباه كلّ الأحرار ويباركه أهل الباطل ولا سيّما المساهمون منهم تاريخيّا في إحلاله بفلسطين، أو المباركون له لاحقا بالمواقف المتأرجحة والكيل بمكيالين. وأمّا ما يريدون إلصاقه بالمغرب وبتاريخه وحضارته؛ فإنّما هو تَجَنٍّ بئيس لا يقلّ جرمه عن جرم الاحتلال في فلسطين الجريحة.
كأنّي بالسّيدة "أوكن" تجهل أو تتجاهل تاريخ المغرب وحضارته. فإن تجاهلت فعليها إثمها، وإن جهلت فيكفيها النّقر على محرّك الغوغل، كي يعرّفها على ما جهلت، وإنّها لو فعلت لانتبهت إلى أنّ حدود المملكة المغربيّة قديمة، وأنّ ما طرأ عليها من تغيير إنّما كان كذلك بفعل الاحتلال الفرنسيّ للجزائر والمغرب.
إنّ ربط قضية فلسطين التي لا خلاف على أنّها احتلال، بقضيّة الوحدة التّرابيّة للمملكة المغربيّة ليجعل هذا الالتماس مجرّد تضليل وتدليس وخلط للحقائق وتوجيه رخيص للرأي العامّ الدّنماركيّ خاصّة وللغربيّ عامّة، يجعل النّاس غير المطّلعين يساوون بين فلسطين الدّولة التّاريخيّة ذات التّاريخ والحدود والرّاية والعملة في حينه، والتي احتلّت سنة 1948م، وبين كيان وهمي يُدعى (الجمهورية العربيّة الصحراويّة الدّيمقراطيّة) التي أراد المستعمر إيجادها واستعمالها كأداة مناوشة مسترسلة، تعلو بها الصّيحات المضلّلة وتصدر بها الالتماسات الملبّسة أمثال هذا الالتماس.
إنّها جمهوريّة خياليّة وهميّة، لا توجد إلّا في مخيّلة الذين استمرؤوا لنا التّبعيّة أو في مخيّلة بعض البلدان المرتشية، أو - للأسف الشّديد - في مخيّلة الأخت الجارة..
ندعو السّيّدة "مارغريت أوكن" ومن يمشي في ركابها إلى ترك مجلس الأمن والأمم المتّحدة، يقومان بواجبهما، وقد قدم المغرب بعد مرحلة من الجمود منذ إعلان وقف إطلاق النّار عام 1991، مقترَحا حضاريّا؛ تجلّى في مشروع الحكم الذّاتي الذي يُؤمن للجميع مصلحة السّلم والأمن والرّخاء، إقليميّا ودوليّا وقارّيّا، ولتسخّر جهودها وجهود اتّحادها لمساعدة الفلسطينيّين كي يتمكّنوا من التّحرّر من الاحتلال، ولتستبرئ واتّحادها من أكل أموال النّاس بالباطل، فإنّ كلّ ما يأتي من المستوطنات الفلسطينيّة؛ سُحتٌ النّار أولى بآكله!..