بعد فيلمه "حجاب الحب" الذي خلق سجالا سينمائيا تارة، وسجالا "خارج قارة السينما" تارة أخرى من قبل "سدنة الأخلاق"، يعود المخرج عزيز السالمي إلى "العش السينمائي" بعد وقفة اضطرارية بسبب كوابح صندوق الدعم السينمائي الذي يعرف عند "أهل الحل والعقد" بالمركز السينمائي المغربي بـ "صندوق التسبيق على المداخيل".
الفيلم الروائي الطويل الثاني لعزيز السالمي بعنوان "دموع الرمال" حصل على أعلى سقف من ميزانية الدعم (4100000درهم) بعد رفع الستار عن الأفلام المدعمة لدورة يونيو. تدور قصة الفيلم حول عودة ثلاثة أشخاص إلى أهاليهم وذويهم بعد طول غياب واختفاء قسري، دام ما يقارب الثلاثين سنة. هذه العودة التي لا تقف عند مستوى معانقة الأهل والأقارب، بل تتعداها إلى مستوى العودة إلى الذات والنفس المثقلة بالكوابيس المخيفة والهواجس المرعبة والإحساس بالقلق والتوتر وخيبة الأمل، من فرط ما عانوه وقاسوه طيلة سنوات الاختفاء المريرة. الفيلم يختزل رؤية هؤلاء العائدين الثلاثة لمن حولهم وللمجتمع الذي تركوه قهرا وظلما منذ أن تم اختطافهم والزج بهم في الأسر، وعادوا ليكتشفوه من جديد. فكيف سيقابلون نظرة أناس ظلوا ينعمون بالحرية، في حين أن الرجال الثلاثة ظلوا محرومين منها لثلاثة عقود. إنهم "منسيو التاريخ"، "أبطال بلا مجد"، و"سجناء الذل والعار".
ومن المنتظر أن يصور عزيز السالمي وقائع فيلمه في إحدى مدن الشمال، إما الناضور أو الحسيمة، والدار البيضاء، والرباط، والداخلة، والعيون، وأرفود. فقد كان السالمي مهووسا بالتصوير في الصحراء التي لا تغري كثيرا المخرجين المغاربة بالتصوير فيها بحكم الإمكانات المادية الباهظة التي يتطلبها التصوير هناك. لكن السالمي يؤكد أنه مصر على تحقيق حلمه بالتصوير في الجنوب الذي ينتمي إليه أجداده مهما كان ثمن هذه "المغامرة" مكلفا، ولأن معظم "ذرات" قصة الفيلم من الرمال.
فكرة فيلم السالمي "وثيقة إنسانية" ولدت صدفة بعد قراءته لمذكرات السجين السابق عبد الله لماني، والتي كتبها بمعتقلات تندوف. ولم يكتف بهذا الكتاب، بل قرأ معظم الكتب التي كانت تتحدث عن مواضيع الأسرى العائدين من جحيم البوليزاريو رغم قلتها. استعان أيضا بالمقالات المنشورة في الصحافة الوطنية والدولية التي تتحدث عن الموضوع، واعتمد على شهادات حية رواها له مجموعة من الأسرى العائدين من تندوف.
ويحرص عزيز السالمي في فيلمه أن يكون خليطا متجانسا بين ما هو واقعي إنساني وروائي تخييلي، من خلال نقل معاناة هؤلاء الأسرى المغاربة بعد عودتهم وصعوبة اندماجهم في مجتمعهم، في محاكاة إنسانية شبيهة بقصة "أهل الكهف". لكن "كهف أسرى تندوف" لا يشبه كل الكهوف. إنه كهف مليء بالظلام الدماء والعذاب والصراخ والغربة القاتلة والظلم.