لنفترض أن الملك الراحل الحسن الثاني لا يزال على قيد الحياة، هل سيجرؤ المسؤولون الذين تعاقبوا على تسيير الشأن المحلي بالدار البيضاء على التلاعب بالهبة التي خصصها للبيضاويين؟!
الملك الذي سيُحاسب «المفرطين في هبته» مات، ودفن معه وصيته، وترك سكان الدار البيضاء كـ «الأيتام في مأدبة اللئام»!!
لقد وهب الحسن الثاني سنة 1988 مائة هكتار لسكان العاصمة الاقتصادية (منطقة سيدي مومن) لتكون منتزها عموميا، وهي الهبة التي ظلت السلطات العمومية تتحاشى تفعيلها إلى أن انفجر انتحاريون بسيدي مومن في ماي 2003.
كل المسؤولين الذين «ضربوا الطم»، طوال عقد من الزمن، حتى في عز «الحرائق» التي حاقت بسيدي مومن، كانوا يفضلون «الهروب إلى الأمام»!!
كأن الملك كان يملك حدسا بأن سيدي مومن سيصبح منطقة توتر ومنبتا للتطرف ومزرعة للانتحاريين وحقلا للألغام، لذا كان زرع زهرة واحدة سيستأصل السواد من القلوب.. وإلا لماذا لم يقرر الملك أن تذهب هبته في اتجاه آخر؟ أو يبني بها مثلا مدينة صناعية أو مجمعات سكنية أو كازينوهات حتى؟! فقد كان الحسن الثاني مدركا أن سيدي مومن في حاجة إلى بساط أخضر، وليس مستنقعات الوحل، وهواء نقي وليس سموما تدخنها المعامل، وإلى ملاعب للترفيه وليس أرضا متربة لا تنبت فيها إلا الأشواك و«الحميضة» و«العسلوج».
سيدي مومن التي لا تشتهر إلا بمقبرتها وكائناتها «الانتحارية» التي تسببت في أشهر حادثين إرهابيين في المغرب على الإطلاق (أحداث 16 ماي 2003 و11 مارس 2007)، تَتَصدَّر لائحة المدن السفلى الموبوءة: عالم من القذارة والأوحال والإجرام والتهميش، أفلا يستحق هذا «العطف الملكي»؟! لماذا استخسر عليه مسؤولوه «هبة» لم يدفعوا ثمنها من جيوبهم؟!
كل هؤلاء المسؤولين الذين تعاقبوا على تسيير الشأن العام بالبيضاء لم يستوعبوا أن المنطقة تحتاج إلى «ثورة» خضراء، وهذا كان هو مطلب وصية الحسن الثاني التي أفرغوها من مضمونها الإنساني وأهدافها الاجتماعية: أي ضمان نوع من العدالة الإيكولوجية بين البيضاء الجنوبية ووسط المدينة التي تتمتع ببساط أخضر ومرافق ترفيهية، وبين البيضاء الشمالية والشمالية الشرقية (عمالة ابن مسيك، الحي المحمدي عين السبع، البرنوصي) التي يسودها القحط والجذب والسموم.
مرت 25 سنة على الإعلان عن الهبة الملكية، ولم يفكر المسؤولون في زرع ولو شجرة، ولو حديقة، ولو زهرة في منطقة «ملعونة» أصبح الانتساب إليها «عارا» و«مذلة»!! لكن «العار الحقيقي» هو الكذب الذي يمارسه هؤلاء المسؤولون، والوهم الذي يبيعونه للناس في وضح النهار. فبعد أن نكتوا وصية الملك، أحيوا «أكذوبة» الملعب الكبير بسيدي مومن على أنقاض أرض «الأحلام»!! زرعوا وهما آخر، وأسطورة أخرى تضاف إلى أسطورة ملعب بوسكورة، ولائحة «الأساطير»، و«الأكاذيب» طويلة!!
الحسن الثاني لن تبرد عظامه في قبره وهناك من يعبث بوصيته، وينكت العهد الذي قطعه مع نفسه حتى تصبح منطقة سيدي مومن أرضا خضراء ومنتزهات ومرافق ترفيهية وملاعب وحياة دافئة!!