الصادق العثماني: يجب على المسلم اليوم أن يتصالح مع عقله وذاته وواقعه..

الصادق العثماني: يجب على المسلم اليوم أن يتصالح مع عقله وذاته وواقعه.. الصادق العثماني
جاءت رسالة الإسلام لتحقيق إنسانية الإنسان، وحمايته من كلّ خطر قد يهدم إنسانيته وكرامته، كاستغلاله واستعباده وظلمه أو قتله أو إكراهه على شيء غير مقتنع به، وغير ذلك من الأعمال المشينة الذي قد يرتكبها الإنسان في حق أخيه الإنسان. يقول سبحانه وتعالى "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ"..أهداف انسانية نبيلة قد أوجزتها هذه الآية القرآنية في محاربة الفساد بأنواعه، مع تحديد الطريق القويم من خلال التشريع والقانون الذي يُبيّن طريق الحياة، ويحفظ الأمن والنظام، ويُحرّر الإنسان من أغلال عبودية الإنسان لأخيه الإنسان الذي كرمه الله تعالى وفضله على جميع مخلوقاته. ما أروع تعبير القرآن الحكيم عن هذه الحقيقة وتصويره لها وهو يخاطب عموم المؤمنين بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"؛ ولقد كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم خير معبر عن هذه الأهداف والمعاني السامية التي جاءت بها رسالة الإسلام  يقول صلى الله عليه وسلم "ما جاء أحد أمّته بخير مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة" وعلى هذا الهدي صيغت بعض القواعد التشريعية والفقهية كقاعدة: "جلب المصالح ودرء المفاسد.." أو قاعدة: "لا ضرر ولا ضرار" أو قاعدة: "الضرر يزال"، وغير ذلك من القواعد التي تقررت في كتب الفقه الإسلامي، كطلاق الغصب؛ أي طلاق المكره.. فنوع هذا الطلاق عند الجمهور لا يقع، لقولِه صلَّى الله عليْه وسلَّم: "إنَّ الله تَجاوزَ لي عن أُمَّتِي: الخطأَ، والنِّسيان، وما استُكْرِهوا عليْه" (أخرجه ابن ماجه).
 قال ابن قدامة في "المغني": "ومَن أُكْرِه على الطَّلاق، لم يلْزمه، لا تختلِف الرِّواية عن أحْمد، أنَّ طلاق المُكْره لا يقع، ورُوي ذلك عن عمر، وعلي، وابْنِ عُمر، وابن عباس، وابن الزُّبير، وجابر بن سمرة.. فإذا كان طلاق المكره لا يجوز، فإن الزواج بالإكراه لا يجوز، وكذلك الكفر أو الإيمان بالإكراه والغصب لا يجوز وغير مقبول عند الله تعالى؛ لأن الإيمان ينبغي أن يكون عن اقتناع تام وعن طيب خاطر، لهذا منح الله تعالى في كتابه العزيز الحرية المطلقة في التفكير والرأي والاعتقاد والإيمان والكفر، وليس لأحد من المختلفين في الرأي أن يدعي احتكار اليقين أو الحقيقة المطلقة، فيجب على المسلم اليوم أن يتصالح مع عقله وذاته وواقعه وينطلق في بساتين العقل والتفكير والبحث في كتاب الله المسطور وكتابه المنشور، مع الإجتهاد في التعارف وفهم الآخر المختلف لعله يتذكر أو يخشى؛ فالتفكير العقلاني الحر دواء مفيد ومجرب في معالجة التشدد والتنطع والتكفير؛ فأصحابه يعتبرون الحقيقة ظنية وليست قطعية، والحق المطلق بيد الله تعالى ولا يعلمه إلا هو وحده "جل جلاله" ، لهذا قال بعض السادة الأشاعرة: "فإذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر.