أحمد الحطاب: يا أيها الإنسان، إن لك عقلاً تفكِّر به؟

أحمد الحطاب: يا أيها الإنسان، إن لك عقلاً تفكِّر به؟ أحمد الحطاب
فما هي الجدوى من أن يكونَ للأنسان عقلٌ ولا يفكِّر به؟ ولا يستعملُه لإخراج نفسِه من ظلمات الجهل إلى نور العِلم والمعرفة اللذان يُنيران طريقَه ليساهمَ في بناء مجتمعٍ متفتِّحٍ ومتحرِّرٍ فكريا واجتماعيا. ولماذا فضَّلَ اللهُ سبحانه وتعالى الإنسانَ بالعقل على سائر مخلوقاته؟ إنها ليست صُدفة! إنها، فعلا، تكريمٌ لبني آدم ليكونوا خلفاءَ لله في الأرض! أن يكونَ الإنسانُ خليفةَ الله في الأرض، فهذا نكريمٌ، وفي نفس الوقت، تكليفٌ. فما على الإنسان إلا أن يكونَ في مستوى هذين التَّكريم والتَّكليف! وحتى يكونَ الإنسانُ في مستوى هذين التَّكريم والتَّكليف، لم يتركه مسيرا بالغريزة كسائر الحيوانات. بل حباه، هو وحده، الوسيلةَ التي تمكِّنه من الارتقاء إلى المستوى المرغوب فيه كخليفةٍ لله في الأرض. حباه اللهُ العقلَ! السؤال المطروح هنا هو : "هل، بالفعل، الإنسانُ كان ولا يزال في مستوى هذين التَّكريم والتَّكليف؟"
الجواب على هذا السؤال واضحٌ وضوحَ الشمس. البشريةُ لم تكن، في يومٍ من الأيام، وفيَّةً وفاءً كليا لهذين التَّكريم والتَّكليف! والدليل على ذلك أن وجودَ الإنسانِ كان متزامنا مع نزول الأديان السماوية وحتى مع ظهور أديانٍ وضعِية، أي من صُنع الإنسان. فماذا يعنيان هذا النُّزولُ وهذا الصُّنعُ؟ معناهما أن الإنسانَ كان ولا يزال وسيبقى دائما في حاجةٍ إلى مَن يُعيده إلى  الصواب كلما ابتعد عن مهمته كخليفةٍ لله في الأرض. فما هي هذه المهمة؟ هذه المهمة يمكن تلخيصُها في إعمار الأرض، لكن إعمارٌ فيه نفعٌ وخيرٌ للجميع. وهنا، يبرز دورُ استعمالِ العقل الذي ميَّز به اللهُ سبحانه وتعالى الإنسانَ عن سائر مخلوقاته. فمن البشر مَن يستعمل عقلَه ليرقى إلى مستوى التَّكريم والتَّكليف ومنهم مَن يستعملُه لتحقيق الأهواء ضاربا عرضَ الحائط هذين التَّكريم والتَّكليف. وهذا شيءٌ يُمكن الوقوف عليه سواءً على مستوى الأفراد أو الجماعات أو حتى على مستوى دولٍ بأكملها! لكن، ما تجب ملاحظتُه هو أن جلَّ الأفراد والجماعات والدُّول نسوا، أو بالأحرى، تناسوا مهمَّةَ خلافةِ الله في الأرض ومُهمَّتي التَّكريم والتَّكليف وراحوا ولا يزالوا يخلقون وينشرون كل ما من شأنه أن يُضِرَّ بإعمار الأرض كما أراد اللهُ أن تكونَ اجتماعيا، إنسانيا، أخلاقيا، طبيعيا… وكما أراد اللهُ أن تكونَ هذه الأرضُ مهدا لبشريةٍ تنشرُ الخيرَ وتنتفع به وتنفع به الغيرَ. 
فما هو الشأن بالنسبة لنا نحن المسلمون، أصحابُ آخر دينٍ أنزله اللهُ على آخر نبي ورسولٍ، محمد (ص)؟
  
المشكلة العويصة التي تعاني منها شريحةٌ عريضةٌ من المسلمين أن هذه الشريحة العريضة تؤمن بدون عقل. بمعنى أن الإيمانَ، عوض أن يكونَ نتيجةً  لتأمُّلٍ و لتحليلٍ وتفكيرٍ عميق، فإنه يبقى معتمِداً على التَّقليد الأعمى، على القيل والقال وعلى تبنِّي، بدون تفكير، كل ما يُكْتب و ما يُقْرأُ علينا و ما يُنْقَلُ إلينا. تبنِّي مُبرَّرٌ بالثقة العمياء في مَن كتبه أو نقله إلينا لأنه فقيهٌ أو عالِمٌ أو متضلِّعٌ في مجالِه… علما أن الحديثَ يقول : "كل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون". بمعنى أن البشرَ معرَّضون للخطأ. والخطأ ناتج عن تفكير غير صائب يمكن إصلاحُه بالعقل. فما بالُك بالذي يؤمن بما يُسمع ويُكتب وما يُنقل بدون تفكير ولا سابق تحليل  وإدراك.؟
وهنا، أتحدى أيا كان أن يقومَ بالتجربة التالية : صياغة نص مفيد قصير من ثلاثة إلى أربعة سطور و تناقله شفويا بين مجموعة من الأشخاص (من 50 إلى 100 شخص) بالتسلسل، أي من شخص إلى آخر . فسنرى أن هذا النص عندما يصل إلى الشخص الخمسين أو المائة، قد تغير أو قد يصبح مغايرا للنص الأصلي. و هنا، لا يجب أن يُدركَ كلامي بمثابة نُكران للأحاديث النبوية. لا أبدا. لكن ما الذي يمنعنا من أن نستخدمَ عقولنا في تحليل وتقليب أحاديث تناقلتها ألسن البشر لعدة قرون. فهناك، فعلاً، من الأحاديث ما لا يقبله العقل. ثم لماذا تم تصنيف الأحاديث النبوية إلى صحيح و حسن و ضعيف، الخ.؟ لأنه مشكوك في تحريفها بفعل تناقلها من لسان إلى أدن أو مشكوك في تحريفها لأغراضٍ لا علاقةَ لها بالدين...
و حتى القرآن الكريم ليس له تأويل أو تفسير واحد أحد (هناك تفسير القرطبي وتفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، وتفسير الجلالين، وتفسير الألوسي، وتفسير البغوي، وتفسير السعدي، الخ.). لماذا؟ لأن التأويل له مدارسه وكل مدرسة لها أفكارها و نظراتها وتصوراتها واعتقاداتها وإدراكها للحياة، الخ. فمن الطبيعي جدا أن يكون بينها اختلاف في التأويل. و هذا لا يغيِّر شيئا في كنه القرآن الكريم الذي يبقى محتفظا بقدسيته و إعجازه.
ما أريد تِبيانَه هو أن الإيمان السطحي للدين (المعتمد على التقليد الأعمى وعلى القيل والقال)، له عواقبٌ اجتماعية، ثقافية، صحية وأخلاقية على الخصوص. والأمثلة في هذا الصدد كثيرة، من بينها :
1.فكيف لعقل متنور يعيش في العصر الحاضر أن يقبلَ مسألة النفث (ملءُ الفم بالماء أو أي سائل آخر وتسليطٌه بقوة على مريض على شكل جزيئات صغيرة وهو ما يُعرَف بالبًخَّان الذي يقوم به فْقِيهْ)؟ أليس هذا النفث هو أحسن طريقة لانتشار الأمراض الجرثومية من سُلٍّ و سيدا و إنفلووانزا، الخ.؟ ثم، هل يٌعقل أن تتِمَّ المساواة، من جهة، بين نبي و رسول ينزل عليه الوحي من ربه و قد يُسخِّر له اللهُ بعضَ المعجزات وبين بشر عادي، من جهة أخرى؟
2.وكيف لعقلٍ متنوِّرٍ يعيش في العصر الحاضر أن يؤمنَ بأن الرقيةَ تُشفي الأمراضَ؟ فهل يُعقل أن تشفيَ الرُّقيةُ الأمراض الجرثومية والسرطان والسكري diabète و الكولسترول وازهايمر والباركينسون واسكيزوفرينيا… التي هي أمراض سببُها حدوث اختلالات في اشتغال الجسم البشري. كل ما في الأمر، أن الرقية يمكن أن تكون وسيلةً للتَّقرُّب من اللهِ واللهُ وحده هو الشافي. ومرةً أخرى، لا تجوز المقارنة بين رقية الرسول والنبي محمد (ص) ورقية بشرٍ عادي، هذا إن توفَّرت فيه شروطها و طقوسها. ما يمكن أن تُفرزَه الرقية، أي سماع القرآن الكريم، هو تهدئة النفس وتوفير راحة البال والتَّخفيف من الضغط لفترة معيَّنة. بل إن الرقية، في وقتنا هذا، أصبحتْ تجارةً مُربحة يمارسها من هب و دب، بل في غالب الأحيان، من طرف سفهاء ومرتزقة ومن ذوي السوابق الذين يضحكون على دقون الناس. وما يزيد في الطين بلةً هو أن المُتاجرين بالقرآن الكريم غزوا مواقعَ التَّواصل الاجتماعي لفرض بضاعتهم على الناس السُّدَّج الذين يظنون أن خلاصَهم في الرقية. بل إن تُجارَ القرآن الكريم تفنَّنوا في تنويع رُقياهم وأصبحوا يتحدثون عن رقية البيوت وحفظها من العين والحسد والسوء وعن رقية إيجاد الشغل أو الحفاظ عليه ورقية البحث عن الأزواج…
3.وكيف لعقلٍ متنوِّرٍ يعيش في العصر الحاضر أن يؤمِنَ بأن الحبة السوداء nigelle هي دواءٌ للعديد من الأمراض؟ المُشكل ليس في الحبة السوداء في حد ذاتها. المشكل كل المشكل يكمُن في طريقة تقديم هذا العنصر للناس السُّذج. يتم تقديم هذا العنصر، أي الحبة السوداء، بأسلوب يتخلَّلُه الدين يجعل هؤلاء السُّذجَ من الناس يظنون أن الحبة السوداء تحمل في طياتها معجزة أو فيها "بَرَكَةٌ". وهذه البركة هي التي تُشفي الأمراضَ. صحيح أن الحبة السوداء، كباقي العديد من النباتات، لها مزايا صحية لا جدالَ فيها وذلك حسب ما بيَّنته و وضَّحته الدراسات والأبحاث. وهذه المزايا هي التي تعود بالنفع على جسم الآنسان وليس البركة أو المعجزة! وما يزيد في الطين بلَّةً هو أن السًّذج من الناس ترسَّخت في أذهانهم فكرةُ وجود "البركة" أو "المعجزة" في الحبة السوداء وذلك لأنها، فقط، كانت تُستعمل في عهد الرسول (ص). وكأن "البركةَ" أصبحت، في عهد الرسول (ص)، لصيقةً بالحبة السوداء ثم انتقلت من نباتٍ إلى آخر إلى يومنا هذا.  
يا أيها الإنسان، أليس لك عقلٌ تُفكِّر به؟