عبد المجيد جحفة يوضح المعنى الاستعاري لـ "ريِـحَةْ الشَّحْمَة في الشَّاقُورْ"

عبد المجيد جحفة يوضح المعنى الاستعاري لـ "ريِـحَةْ الشَّحْمَة في الشَّاقُورْ" الباحث الجامعي في الدلالة واللسانيات، الأستاذ عبد المجيد جحفة
يواصل الباحث الجامعي في الدلالة واللسانيات، الأستاذ عبد المجيد جحفة، حفرياته في معاني اللغة الدارجة وتراكيبها وأمثالها ومسكوكاتها، ويصلها بمنابعها الأنثريولوجية والتقائيتها مع اللغة العربية أو لغات أخرى. "أنفاس بريس" تنشر تحليل للعبارة التي درج المغاربة على ترديدها: "ريحة الشحمة في الشاقور" كما شرحها الأستاذ جحفة:
 
من العبارات التي تُفيد صلةَ القرابة البعيدة عبارةُ "ريِـحَةْ الشَّحْمَة في الشَّاقُورْ"؛ وهي عبارة استعارية وكنائية مركَّبة.
ما العلاقة بين عبارة "ريحة الشحمة في الشاقور" ومعنى القرابة؟ وما علاقتهما بالبُعد؟ وما "ريِـحَةْ الشَّحْمَة في الشَّاقُورْ" هاته بدءاً؟
"الشّاقُورْ" (الصاقور أو الشاقول)، أداة تقطيع، ومن بين ما يقطعه اللحمُ؛ واللحم مما يجاور الشحم في ما قُطِّع. وفق هذا، "ريحةْ الشَّحْمَة" أثرٌ لحدث التقطيع.
و"ريحة" لا تدل هنا على الرائحة الحقيقية؛ بل معناها استعاري: "ريحة" تدل استعارياً على القلة القليلة من الشيء. كأنَّ الشيء ينعدم ولا تبقى غير رائحته التي تمثل أقلَّ القليلِ منه. يقال "ما عندوشْ الريحة ديالْ الفهامَة" (لا يفهم شيئا على الإطلاق، ليس لديه أدنى جزء من الفهم).
لدينا، أولاً، كناية: رائحة الشيء يكنى بها عن الشيء.
ولدينا استعارة أولى: رائحة الشيء هي أقل شيء منه.
لكن، من أين جاءت علاقة البعد، وعلاقة القرابة؟
المعنى بُنِيَ من خلال العلاقة بين القليل من الشحم العالق بالشاقور وبين أصله الذي جاء منه، وهو ما قُطِّع (الأصل مادة وحدث: سقط البهيمة قطعه الشاقور، وبدون حدث تقطيعه لن تكون فيه "ريحة الشحمة").
هذا القليل من الشحم علاقته بأصله علاقة بعيدة. فما على الشاقور سوى "رائحة" هي من مخلَّفات حدث التقطيع الذي استُعمِل فيه.
وبين الشحم واللحم علاقة قرابة؛ فهما من أصل واحد. لكنها بعيدة بما مارسه الشاقور. صلة القرابة بعيدة بُعدَ ذلك القليل من الشحم عن أصله الذي قطع فانفصل عنه. كل "شاقور" قطَّع سقطَ بهيمة، يحتفظ بأثر مروره البعيد: قليل من الشحم عليه.
لا ينبغي أن نغفل أن المعنى عُبِّرَ عنه باستحضار صورة حدث من خلال أداته، وما خلفه ذلك على الأداة من آثار. "الشاقور" حامل لعلامة أو دليل (أثر)، وهو بقايا شحم. (هذه كناية أخرى، وهي مركبة: أداة الحدث ("الشاقور") + أثر الحدث).
يضاف إلى كل هذا الاستعارة التي تَعتَبِر القلةَ بُعداً: القلّة بُعد.
بالطبع، تتجاوز العبارةُ إفادةَ صلة القرابة لتدل على البعد في أي علاقة: تُعمَّم هذه العبارةُ على كل ما بدا ذا علاقة بعيدة بالموضوع.
افتراض آخر: بعيدا عن كل هذه التعقيدات، قد يكون الشحم، "رائحته" بالأحرى، ما يُطلى به "الشاقور" ليمنع عنه الصدأ. وهنا تكون استعارة "القلَّة بُعدٌ"، هي أهم ما يُبنى عليه المعنى. ومعنى بُعد الصلة يمكن عزوُه إلى بُعدِ ما يربط بين الشحم و"الشاقور".