حرب النقط مستمرة ومرشحة للمزيد من التصعيد، لاسيما بعد المراسلات الرسمية التي أصدرتها بعض العمالات والأقاليم، من أجل معرفة حيثيات عدم تمكن التلاميذ من الحصول على نتائجهم في الوقت المحدد.
الإصرار في لعبة شد الحبل، واستمرار فئات تربوية في مقاطعة مسك النقاط على منظومة مسار، يرشح المزيد من تبديد الزمن المدرسي وتوثير الأجواء. خمس فئات تخوض المعركة، تختلف المطالب لكن المعركة واحدة والضحية معروف سلفا.
الطرف الأضعف في المواجهة، التلميذ الذي لا يملك نقابة تدافع عنه، ولا وزارة تضمن حقوقه. عن ادخال نقط المراقبة المستمرة أصبح وسيلة ضغط في مواجهة مفتوحة مع الوزارة، حرب مستمرة بين طرفين يدفع ثمنها طرف ثالث وهنا عمق المشكلة.
الطرف الثالث هو الطرف الأضعف، ربما هو ليس طرفا بقدر ماهو مجال مواجهة، وحقل صراع فيه تخاض المواجهات باسم التلميذ وليس من أجله. قد يعتبر البعض أنها مواجهة غير اخلاقية، لان التلميذ اصبح رهينة ووسيلة ضغط من أجل تحقيق مطالب المحتجين.
الواقعية تعني أنه لا توجد مواجهة أخلاقية، كل طرف يبحث عن كسب المزيد من النقاط في مواجهة على حساب التلميذ .تحويل التلميذ الى رهينة سلوك غير مقبول، وعدم تدخل الوزارة لإيجاد حلول من أجل التلميذ سلوك كذلك غير مقبول، استمرار التوتر مؤشر ان الطرفين معا على خطأ.
لذا، من أجل التلميذ تبرز الحاجة الى حوار جدي يجعل من مصلحته رهانا مشتركا، آنذاك ستذوب كل الخلافات من أجل التفرغ لتدبير الزمن المدرسي بشكل فعال وناجع، بدل تبديده في مواجهات الاستنزاف. الاعتقاد ان الانحياز لحق التلميذ في التمدرس هو موقف ضد الأستاذ هو استنتاج غير دقيق، لأن مهمة الأستاذ تكمن في حق التلميذ من أجل التعلم، وأن جوهر التدريس هو رسالة قبل أن يكون وظيفة.
عدم اكتراث الوزارة بحق التلميذ هو مؤشر على عدم جديتها في ضمان حقه في التعلم .لكن ان يعتبر البعض أن الانحياز للتلميذ والدفاع عن حقه، هو اعتداء على حق الاستاذ ينطلق من خلفية براغماتية تؤمن بالنتيجة ولو على حساب الوسيلة والقيم الأخلاقية. والاشتغال بمنطق الغاية تبرر الوسيلة، حتى لو كانت على حساب التلميذ وقيم التدريس الأخلاقية.
ربما البعض يحلو له ان يسمي ما يجري معركة نضالية كبيرة من أجل تحرير المدرسة العمومية من الفوضى، ورد الاعتبار لها وهو اشارات كبيرة تستحق المساءلة، وأن رفع شعار كبير مثل اعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، وبشكل فجائي يشكل أمر غير مقبول في معارك ذاتية.
أن الشعارات الكبرى لا تخدم اية قضية، وإنما هي سبب في خلق الازمات وليس حلها، وهو ما أشار إليه المفكر الماركسي جورج سوريل حين اعتبر أن الازمات الكبرى ارتبطت برفع الشعارات الكبرى . إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية لا يمكن ان يكون قرارا ظرفيا مرتبط بفئة لها مطلب وحيد وعاجل، أي الاستفادة من حق الإدماج مثل باقي الاساتذة في سلك الوظيفة العمومية هو مطلب عادي و مشروع، لأنه لا يعقل أن يوجد بنفس المؤسسة إطارين بوضعيتين نظاميتين مختلفتين.
المطلب مشروع لكن يخاض بشعارات مغلوطة، فالمدرسة العمومية هي عنوان أزمة بنيوية معقدة و كبيرة، حلها لا يرتبط برفع شعار أو تنظيم مسيرة حتى لو كانت مليونية، وإنما مرتبط بطبيعة ورهانات الدولة، أولا ويقظة المجتمع ثانيا، والتوافق بين مؤسسات الدولة والمجتمع ثالثا.
المطالبة بحق هو حق، والمفكرة الألمانية حنا ارندت حين اعتبرت ان الحق لا يصبح حقا الا بتملكه وحيازته، وهو ما يعني ان مطلب الإدماج في سلك الوظيفة العمومية هو حق لكل أستاذ ومطلب الترقي وسلم الأجور المتحرك مطلب مشروع .
لعل تاريخ تحويل الظرفي الى دائم ثابت تنظيمي في تدبير الشأن التعليمي، الأساتذة العرضيين ثم إدماجهم، ومنشطو التربية الغير النظامية ثم إدماجهم، والراسبون في امتحانات التخرج في مدارس التبريز ثم ترسيمهم. نفس الحالة ونفس الهدف ادماج المتعاقدين بغض النظر عن التسمية لأن المهمة اهم من التسميات. المواجهة مع الوزارة من أجل الإدماج هي مواجهة لها ما يبررها، لكنها للأسف مواجهة على حساب التلميذ و حق التلميذ في التعلم، الوزارة تعنتها الغير المبرر لا تبحث عن الحلول أو انها تتماطلها في تحقيقها،,لدرجة ان الشك ينتابك أنها شريك في تعطيل حق التلميذ في التمدرس، بمحاولة تعطيل الحوار او على الاقل البحث عن صيغ للتهدئة بما يضمن الحق في التمدرس.
أهداف الاحتجاجات مشروعة لكنها تتم بطرق غير اخلاقية، حين يتم تجاهل حق التلميذ في التمدرس , لأنه لا يعقل أن تطالب بحق على حساب حقوق الآخرين .الامر الاكثر سوءا ان يتم حرمان تلميذ من فرحة الاضطلاع على نتائج عمله , من المفارقات ان يحرم الأطفال ما تستفيد منه الكبار في لجظات ترقب نتائج امتحانات الترقية او الحركة الانتقالية.
من أجل مشروعية الضغط يجب التفكير اكثر قوة واكثر اقناعا و أكثر تأثيرا، يجب التفكير في خوض معركة بنفس اخلاقي ومؤسسة على سند اخلاقي بما يضمن لها القوة و الاقناع و القبول والاستمرارية .قد يحتج البعض ان كل المعارك ليست اخلاقية لانه تعتمد على القوة و ليس على الحق , وهنا يكمن سر القوة ان يكون الحق أساس المعركة وبالحق ,أن تصبح المعركة اخلاقية معناه ان يمارس الاحتجاج و كل الأشكال النضالية في وقت الاستاذ وليس في وقت التلميذ .حين نرى احتجاجات الاساتذة في أيام العطل سيتحول الاستاذ الى قدوة يقود التغيير انذلك ستصبح المعركة معركة الجميع .سيكون مدهشا مواجهة وزارة متعنتة بالأخلاق ومن اجل الاخلاق كما فعل غاندي ملهم الفكر الثوري الانساني و الذي حرر الهند دون عنف . واستلهام روح وفلسفة المسيرة الخضراء 1975 حين الهم الحسن الثاني العالم وأن تحرير الأرض دون اراقة قطرة دم واحد لكن بالكثير من السلم واللاعنف استرجعنا الأرض و حررنا الإنسان .حين نضمن حق التلميذ في التمدرس سنكون قد اخترنا السلاح الأكثر قوة والأكثر تاثيرا وهي الاحتضان الشعبي والمجتمعي للقضية . غير ذلك ستكون مواجهة بالعنف وسينتصر من يملك مصادر القوة المادية، أما المنهزم فهو التلميذ و اسرة التلميذ و مجتمع التلميذ . قد نتفهم حضور الفعل السياسي لبعض التنظيمات التي تحاول بناء ذاتها من خلال الاستثمار في ثقافة الأزمة، والانتعاش في الأزمة وتحويلها الى فعل نقابي لكن مهمة الوزارة هو تجفيف مساحات التوثر من أجل التلميذ، بضمان وحماية الزمن الدراسي بدل تبديده.