القرن الماضي، كان الأمر لا يخرج عن مناوشات تهم أساسا المجال الحقوقي،دون تجاوزه لما يمس رمزية السيادة المغربية. وقد كان ذلك مفهوما، بمعنىمن المعاني، بالنظر إلى الحماس الذي رافق الصعود الأول للاشتراكيين فيبداية الثمانينات، واحتداد الخطاب الدولي حول حقوق الإنسان من جهة،وبالنظر من جهة ثانية إلى انغلاق المغرب وقتها على المنظومة الكونيةلحقوق الإنسان. أما اشتراكيو اليوم فيبدون في حالة ارتباك مزدوج: المصالحالإدارية الفرنسية (الأمنية والقضائية وغيرها) تتصرف بهذا المنطق الشاذ.ثم تطلع بيانات المسؤولين الحكوميين لتؤكد فردية ذلك المنطق، وحرصهمالشفوي على سلامة العلاقات بين البلدين. بل إن الرئيس الفرنسي تدخل شخصيافي واقعة محاصرة مقر إقامة السفير المغربي للاتصال بجلالة الملك فيالموضوع.وجه المفارقة يتمثل بوضوح في كون هؤلاء المسؤولين هم الرؤساء التنفيذيونلتلك المصالح. وهذا ما يؤجج السؤال الذي ما فتئنا نطرحه دائما: إما أنالحكومة هناك لا تدير البلاد، أو أن ثمة نية لابتزاز المغرب، وللنيل منسيادته وكرامته، مما يعطي الانطباع بأن فرنسا لا تزال تتصرف معناكمستعمرة فاقدة للرشد.جميع الحالات، وما دامت الوقائع تتكرر بنفس الشراسة، فالمؤكد، في حالةأخذ الموقف الرسمي على محمل الجد، أن جهات ما داخل الإدارة الفرنسية تلعبفي الماء القذر. ولا عنوان لهذه الجهات موضوعيا سوى الاستسلام لإرادةخصوم المغرب الجزائريين وأتباعهم الانفصاليين الذين يجنون وحدهم ثمار هذااللعب في الماء القذر.ما يدفعنا إلى هذه القراءة، ليس فقط تراخي الحكومة الفرنسية، وسلبيةمواقفها مما يجري على ترابها، ولكن كذلك التقاء كل وقائع الإهانة حولنقطة واحدة: التشويش على صورة المغرب حقوقيا، بما يتناغم مع مجهودالجزائر والانفصاليين أمميا في نفس الاتجاه. وليس صدفة أن كل الوقائع تتممتزامنة مع الاستحقاق السابق المتعلق بتمديد فترة «المينورسو»، والتيناضل خلالها الخصوم، دون جدوى، من أجل إدراج آلية مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ضمن مهام هذه الهيئة الأممية، ومتزامنة كذلك مع تقدم المغربموضوعيا في الحل النسبي لأغلب معضلات الشأن الحقوقي على كامل ترابهالوطني. السؤال مرة أخرى: لماذا يقابل المغرب مواقف فرنسا بنفس التردد الذي يطبعهذه المواقف، تماما كما لو كانت فرنسا هي البلد الوحيد في العالم؟ ولماذالا تتبنى الرباط ردود فعل حازمة، حيث كان قرار تعليق جميع اتفاقياتالتعاون القضائي بين المغرب وفرنسا، في الأسبوع الأخير من فبراير الماضي،أقصى المواقف، في حين تتيح العلاقات بين الدول عددا من الإمكانيات التيمن شأنها حفظ كرامة الوجه بما يليق بمكانة المغرب وتاريخه.يحق لنا كإعلاميين، وكمواطنين أولا أن نتساءل حول ماذا سيخسر المغرب لوراجع رسميا فكرة العلاقة مع فرنسا، أو على الأقل ترتيبها في منظومةالعلاقات مع دول العالم، ليتحرر من سطوة المفهوم التقليدي للشراكة الذييربطنا بذلك البلد. ولسنا في مأمورية تقديم الدروس في مجال العلاقاتالدولية. إن مسعى جديدا لتطوير علاقات المغرب بدول المعمور، حيث تتعايشأكثر من عشرين دولة قوية ليست فرنسا في جميع الحالات أقواها، سيخلقمعادلات جديدة بكل تأكيد. إن الانفتاح على ألمانيا وبريطانيا مثلا، وعلىدول آسيا وأمريكا اللاتينية يمكن أن يجلب خيرات كبرى للمغرب، سواء بالنظرإلى اعتبارات التقدم التكنولوجي، أو الوزن السياسي والاقتصادي، أو بالنظرأيضا إلى البعد الاستراتيجي كما نتصور ذلك في التعامل مع الاقتصادياتالصاعدة.يلزمنا فقط لتحقيق هذا المسعى أن نستعيد الثقة بإمكانيات المغرب، وبتطورهالسياسي والدستوري، وبطاقاته الواعدة على مستوى مشروعه التنمويوالديموقراطي الذي يحظى بالتفاف كل القوى المغربية الحية.لا خيار للمغرب بهذا الخصوص سوى المواجهة الحاسمة، وإلا فمسلسل «التمريغ»ماض في اتجاه مزيد من «بهدلة» المغرب والمغاربة.السياسة الكبرى في مثل هذا المقام لا تمارس فقط بردود الفعل!